نجحت نساءُ العالم في تقويض قرون من سُلطة الذكورة بنضالٍ مريرٍ، وتُترجم ذلك المكانة التي انتزعتها المرأة سواء باحتلالها مراكز قياديّة أو بإبداعاتها وحتى في فرض تشريعات تصون حقوقها وتحميها من "عدوان" الذّكر الغالب.
بل إنّ عالم اليوم يشهد إعادة تعريفٍ للجندر تتهدّم فيها الفوارقُ البيولوجيّة بين الجنسين، وتفرّط الذكورةُ بموجبها في ميراثها!
لكنّ ما تحقّق في الواقع لا يعني بالضّرورة أنّ "الإيديولوجيّة الذكوريّة" انطفأت، فقد بدأ صوتُ الرّجل المشتكي يرتفعُ في الغربِ، الذي شهد ثورة النسويّة، كما هو الحال في فرنسا، حيث يتزعّم الكاتب "إيريك زمور" الخائفين من موتِ الذّكر وانتشار قيّم الأنوثة، ليس في اللّباس والإقبال على مواد الزينة فحسب، ولكن في التخلّي عن السّلطة لحساب التوافق و المقاومة لحساب الحوار، أي في ضياع طبيعة الذكر، ويذهب زمور في معارضته لسيمون دي بوفوار صاحبة مقولة "لا نولد نساء ولكن نصبح كذلك"، إلى حدّ القول إنّ "الرجل المثالي اليوم أصبح امرأة حقيقيّة"!
وفي المُقابل ترتفع تحذيرات من التفاف النيوليبرالية على نضالات المرأة سواء بتسليعها أو بفتح أبواب مجالس إدارات شركات عملاقة أمامها ضمن توّجه شيطاني يهدف إلى إشاعة ثقافة السّوق تحت غطاء ترقيّة المرأة.
الأمر يختلفُ في مجتمعاتنا، حيث تحافظ البطركيّة على أسلحتها القديمة، فيما تتقدّم المرأة في مجال التعليم وتتمكّن من احتلال مراكز قياديّة، ويُقدّم ذلك كعنوان تطوّر في خطابات تعكس خلفيّة أبويّة تضع المنّة قبل الجدارة. وحتى وإن ذبل الذّكر ولانَ وفقد ضراوة الأسلاف فإنّه يجد صعوبةً في التخلّص من سلوك المُهيمن بشكل يضعه على لوائح السكيزوفرينيا، بحكم تطلّعه إلى موقع لم يعد يمتلك أدواته.
حيث ينظر المقاومُ إلى تقدّم المرأة كنيلٍ من مكانة الرّجل وكتغيّر اجتماعيّ في الاتجاه السّالب، وتترجم هذه النظرة في حالات غضبٍ تستهدفُ المرأة في الفضاء العام، بين الحين والحين، هي في نهاية المطاف تعبيرات مُتسرّبة من اللاوعي الجمعي الذي يستكثـرُ على المرأة ما هي فيه، حتى وإن أبدى أصحابُه في الواقع عكس ما يضمرون.
وتعكسُ هذه الحالة وضعيّة تأرجح بين مظاهر الحداثة وبنية اجتماعيّة أبوية عصيّة على التصدّع، اصطدمت محاولات تليينها بانتكاسات و مقاومة آخذة في الضعف تحت رياح عولمةٍ ضربت خصوصيّة المجتمعات وديانة السّوق التي اعتنقتها البشريّة من دون قتال.
سليم بوفنداسة