أطفال الشواطئ..تجار موسميون يبيعون البراءة مقابل دنانير
بأجسام نحيلة، ملابس بالية، و أقدام حافية شوهتها الرمال الحارقة، ينتقلون بين الشمسيات، من شاطئ لآخر، حاملين أثقالا لشتى أنواع المأكولات و المشروبات الباردة، لإشباع جوع و عطش المصطافين، هم أطفال الشواطئ، تجار فوق العادة، سجلهم التجاري براءة وجوه غيرت ملامحها أشعة شمس حارقة، و بضاعتهم ما جادت به أيدي أمهات أرغمتهن الظروف على الرمي بأطفالهن بين أحضان طبيعة قاسية و مجتمع أقسى.
إ.زيـــاري
تجار الشواطئ، لقب أكبر، لشريحة أصغر، من منا لم يستوقفه ذلك المشهد، لأطفال لم يتجاوز أصغرهم سن السادسة، تحملوا المسؤولية قبل الوقت، و خرجوا لممارسة مهنة أكبر منهم، حيث يتزايد باستمرار عدد الأطفال الذين يتخصصون في بيع مختلف الأطعمة مثل الفطائر "ليبينيي" و المحاجب، ومختلف أنواع المشروبات الباردة والمياه، وحتى السجائر و مستلزمات البحر، سعيا لتحقيق ما يعتبر أرباحا في نظرهم، يأملون في أن تغطي تكاليف الدخول المدرسي المقبل أو المساهمة في مصروف البيت خاصة و أن معظمهم ينحدرون من عائلات فقيرة.
«ليبينيي» و المحاجب التجارة الأربح
بشاطئ الصخرة السوداء، وسط مدينة بومرداس، كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة و النصف صباحا، عندما بدأت أصوات أطفال صغار لم يتعد سن أكبرهم الـ13 سنة، في التعالي بين الخيم و الشمسيات المنصوبة على طول الشاطئ، تنادي "لي بينيي، محاجب سخونين"، عبارات شهيرة تعد بمثابة المغناطيس للمصطافين الذين تزيدهم مياه البحر جوعا، لتتعالى هم أيضا أصواتهم لمناداة الباعة طلبا لشراء كميات مما يبيعونه في إنتظار موعد الغذاء.
و تعد حلويات *لي بينيي*، المصنوعة من الفرينة و السكر و المحشوة بالقليل من المربى، الأكثر طلبا و تسويقا على الشواطئ الجزائرية، حيث يسعى من خلالها المصطافون لرفع مستوى السكر في الدم قبل الغذاء أو خلال الفترة المسائية، بالإضافة إلى *المحاجب* المعجنات الجزائرية الأكثر شعبية، خاصة عندما تصل إلى الزبون ساخنة بحسب تصريحات بعض المصطافين، الذين اعتبروا طعمها بالشاطئ مغاير تماما لطعمها في مكان آخر ، ما يفسر كثرة الطلب عليها و نفاد الكميات التي يوفرها الأطفال الباعة في وقت قياسي.
أمهات و شباب لتحضير ما يسوقه الصغار
حاولنا التقرب من أحد أفراد هذه الشريحة، فتحدثنا إلى معاذ، طفل في الثامنة من العمر، ينحدرمن منطقة بودواو ببومرداس، كان يبيع "لي بينيي"، فسألناه عن مصدر بضاعته، فأكد بأن والدته من تقوم بتحضيرها، و يتنقل هو عبر وسائل النقل العمومية و أحيانا عبر نظام "السطوب"، من خلال التوقيف العشوائي للسائقين قصد إيصاله من و إلى الشاطئ.
و أكد معاذ بأنه اقتحم المجال هذا العالم ، بعد مساعدة من شقيقه الذي غادره هذا الموسم هو الآخر ، بعد أن تحول إلى البيع بالأسواق، مضيفا بأن والدته و منذ سنوات تتخصص في صناعة هذه النوع من الحلويات التي يسوقها أبناؤها، من أجل توفير مدخول إضافي لتلبية متطلبات الدخول المدرسي الذي يقترب، بالإضافة إلى المساهمة في توفير بعض المال لشراء الأضحية كما قال.
أما محمد البالغ من العمر 13 سنة، فقد كشف بأن المحاجب التي يوفرها للزبائن على الشاطئ ساخنة جدا بداية من منتصف النهار، فمصدرها كشك صغير لمجموعة من الشباب بالقرب من الشاطئ، يقومون بتحضيرها، فيما يتولى بيعها مع طفلين آخرين أقل منه سنا، مقابل أجرة يومية لا تتعدى 500 دينار في أحسن الأحوال.
عائلات تخيم بالشاطئ لتحقيق موسم مربح
حالة غريبة صادفتنا بشاطئ زموري، أين وجدنا عائلة بأكملها تستأجر خيمة داخل أحد المخيمات الصيفية بمنطقة زموري ببومرداس، كانت رائحة الحلويات و المعجنات تغطي المكان، فاعتقدنا بأنه مطعم، غير أنه تبين لدى استفسارنا بأنها أم مطلقة استأجرت خيمة مع أطفالها الأربعة، 3 ذكور و بنت، و تتخصص منذ نحو 3 سنوات في هذا العمل و بنفس المكان، أين تنكب و ابنتها في صناعة الفطائر و المحاجب و حتى البوراك، فيما يتولى أطفالها تسويقه على طول الشاطئ.
و أكدت الأم بأنه و في ظل غياب المعيل و الحاجة الماسة إلى العمل، فهي تتخصص في هذا العمل بمساعدة أبنائها لتغطية مصاريف دخولهم المدرسي، معترفة بأنه عمل لا بأس به خاصة و أن سعر الحبة الواحدة من الحلويات 30 دينارا، بينما يبلغ سعر المحاجب 50 دينارا، و هو نشاط تشجعت على اقتحامه عند مصادفتها لأسر تمارسه على نفس النحو، رغم بعض المضايقات و الإهانات التي تتلقاها من بعض الأشخاص خاصة من الشباب.
اعتداءات و زبائن يفضلون الأكل مجانا
لم يخف الأطفال الباعة ممن تمكنا من التحدث إليهم، الوجه الآخر للمهنة الشاقة، و بعيدا عن حر الشمس و التعب من حمل أثقال لا تطيقها أجسادهم النحيلة، يتعرض هؤلاء إلى مضايقات بالجملة، حيث و بينما يلاطفهم بعض الزبائن من المصطافين و يدفعون أحيانا قيمة أكبر من قيمة البضاعة التي يشترونها، فإن هنالك أشخاص يحبون الأكل بالمجان، حيث يطلبون الطعام و يرفضون تسديد ثمنه في النهاية، و هو السلوك الذي غالبا ما يعتمده بعض الشباب الذي يتجه إلى البحر في مجموعات.
كما أشار بائع آخر إلى تعرض بعضهم لاعتداءات من طرف بعض المنحرفين، الذين قد يسلبونهم المال الذي تحصلوا عليه و أحيانا البضاعة، خاصة إذا ما كانت عبارة عن سجائر و تبغ، بينما قد يصل الاعتداء إلى حد الضرب في حال ما إذا أبدى أحدهم اعتراضا على الأمر، ناهيك عن المضايقات في طريقهم إلى الشاطئ، و التي لا يسلم منها إلا الأطفال الذين يقوم آباؤهم بإيصالهم و إعادتهم إلى البيت مساء.
و بينما ينعم أترابهم بعطلتهم الصيفية و التنزه و تغيير الأجواء تحضيرا لانطلاقة موسم دراسي جديد بهمة عالية، يحرم هؤلاء من عطلتهم و يغرقون في أعمال شاقة تفوق أعمارهم، لتسرق منهم طفولتهم في ظل صمت أسري و تعالي أصوات مختصين يحذرون من تبعات ضياع مرحلة يجب أن يعيشها الطفل بأدق تفاصيلها. إ.زياري