يعيش شاطئ الكثبان بوهران تغييرا جذريا منذ ثلاثة سنوات بعد دخول خدمات باخرة النقل البحري النشاط و مساهمتها في إخراج الشاطئ من إنغلاقه على سكان المنطقة فقط، حيث أصبح يستقطب المصطافين من داخل وخارج الوطن، و للوقوف على الوضع زارت النصر هذا الفضاء الذي لا يزال يحافظ على طابعه العائلي.
مدخل بحري لشاطئ يكاد يفقد رماله
بعد نصف ساعة من الإستمتاع بالأمواج على متن باخرة النقل البحري التي تنشط للعام الثالث على التوالي صيفا، لتخفيف الضغط على الكورنيش و كذا لمنح المصطافين فرصة الاستمتاع برحلة بحرية جميلة انطلاقتها من ميناء وهران ، وصولا إلى مرفأ شاطئ الكثبان، الذي دخلناه عبر جسر صغير لتطأ أقدامنا الرمال. لاحظنا أن الشاطئ يبدو صغيرا، رغم أن تسميته الكثبان التي توحي بكثافة الرمال.
العديد من سكان المنطقة الذين التقيناهم، قالوا للنصر أن الشاطئ عرف منذ القدم بالكثبان الرملية الكثيفة، والدليل هو أن الصعود عبر سلم نحو الطريق يتطلب جهدا، و هذا يدل على أن ارتفاع الرمال كان كبيرا، ولكن بمرور الوقت بدأ الإسمنت ينهش منه، حتى أصبح الشاطئ على ما هو عليه اليوم.
بدأنا السير من البوابة الموجودة عند نهاية جسر الباخرة، ولكن صدمنا بتواجد أكياس القمامة مركونة هناك، وكأنها تستقبل الزوار الذين كان من بينهم أجانب ومغتربين، في صورة لا تعكس المجهودات التي بذلتها السلطات المحلية لضمان نظافة الشواطئ، وعندما رفعنا أعيننا نحو العلو الذي يفصل الشاطئ عن الطريق، وجدنا ذات الأكياس منتشرة ، سألنا بعض العارفين والمصطافين، فأجمعوا أن هناك شباب يجمعون القمامة ويضعونها في أكياس كبيرة و يتركونها عند البوابة لمدة يومين أو ثلاثة أيام حتى يمر أعوان النظافة و يخلصوا الشاطئ منها، وهكذا منذ بداية الصيف دوريات جمع القمامة رغم تعطلها لأيام، إلا أنها تخلص الشاطئ من إنتشار القمامة وفضلات المصطافين التي يتركونها منتشرة هنا وهناك. كما أننا لم نجد المراحيض بالقرب من الشاطئ، و يتحتم على المصطاف، خاصة الأطفال صعود السلم الطويل للوصول إليها.
مصطافون يمارسون هواية صيد قنديل البحر
بمجرد وصولنا إلى الشاطئ تفاجأنا بممارسة العديد من المصطافين رجالا، شبابا وأطفالا هواية صيد قنديل البحر «الميدوس»، اقتربنا من السيد محمد بعد خروجه من الماء و هو يحمل في يديه إناء به ماء وعدد من القناديل، فقال لنا أن الشاطئ يعج بالقناديل بعد إنجاز رصيف لإرساء الباخرة، ولهذا أصبح من الصعب السباجة دون لسعات «الميدوس»، وعليه توجه الأغلبية لممارسة هواية صيد «الميدوس»، مضيفا أنه سيحملها معه إلى البيت ويضعها في «الأكوارييوم» مع سمك الزينة، ربما تستطيع العيش معه ، فهو يريد أن يقوم بالتجربة، بينما وجدنا الأطفال يسكبون القناديل فوق الرمال ويلعبون بها حتى تموت، فيتركونها ويعيدون الكرة، ورغم أن انتشار قناديل البحر عبر الساحل الوهراني سببه التيارات البحرية، إلا أنها بشاطئ الكثبان طغت على المشهد، ورغم أنها معروفة بلسعاتها وجد الأطفال متنفسا لقضاء أوقاتهم جريا بين البحر وصيد القناديل، ثم اللعب بها فوق الشاطئ، وغالبا ما يتم التداوي من لسعاتها برمال الشاطئ الساخنة.
خيم صغيرة لتفادي كراء الطاولات والشمسيات
ما إن دخلنا الشاطئ حتى بدأ بعض المراهقين في عرض كراء الطاولات والشمسيات والكراسي، بأسعار تتراوح بين 700دج و ألف و 200 دج، حسب المكان، وقد تفوق ألف و 500 دج نهاية الأسبوع، حيث يقسم الشاطئ إلى ثلاثة أقسام، الفضاء العائلي وهو المحاذي لرصيف إرساء الباخرة، فضاء مختلط، ثم فضاء الشباب، و أكد أصحاب الطاولات أنهم يمارسون هذه المهنة الصيفية منذ أكثر من 20 سنة، كونهم أبناء المنطقة، مؤكدين أنهم التزموا بتعليمات مجانية الشواطئ و وضعوا بضاعتهم في أماكن بعيدة عن المصطافين و ينتظرون هناك قدوم الزبائن.
بالمقابل وجدنا العائلات تفترش الرمل وتختبئ تحت شمسيات أو خيم صغيرة وتلتف حول مأدبة الغذاء عند منتصف النهار، و شباب مستلقون في خيم كبيرة وقت القيلولة، وحسب بعضهم فهم ينصبون الخيم بالشاطئ و يبيتون بها.
وغير بعيد عن مكان تجميع الطاولات والشمسيات، صادفنا عدد من القوارب الصغيرة للنزهة البحرية، قال لنا صاحبها رضا الذي كان يجلس غير بعيد ، في انتظار هدوء البحر لكي يسمح باستعمالها من طرف المصطافين، وهي من إنتاج وطني تحصل عليه محدثنا في إطار صيغة «أونساج».
و أضاف المتحدث أنه لم يتمكن لحد الآن من تسديد كل المستحقات، نظرا لتراجع عدد المصطافين خلال السنوات الأخيرة،حسبه، ولكن هذا لم يمنعه من عرض منتوجه رغم قلة الطلب، حيث يقوم بكراء المركبة الصغيرة «المتزحلقة»، كما يطلق عليها، بألف دج عن كل ساعة إستعمال للترفيه والنزهة البحرية، أما القارب فيتم استئجاره بشرط اشتراك 6 أشخاص وهي طاقة استيعابه، ويدفع كل شخص مبلغ 500 دج ليصل المبلغ الإجمالي إلى 3 آلاف دج.
لخضر .. شاب «حراق سابق» يعمل صيفا لتحضير مغامرة جديدة
كانت جلستنا مع الشاب لخضر، صاحب 22 سنة، ممتعة جدا، حيث لم يتوقف عن الضحك وهو يروي لنا مغامراته مع الحرقة التي أوصلته ذات مرة إلى البر الثاني،و أضاف أنه خلال السنوات الفارطة كانت رحلة الحرقة أمرا بسيطا جدا، وقد يأخذ الشاب القرار في جلسة مع أصدقائه قبل ساعات من الإقلاع، مثلما حدث معه، لم يسأل عن شيء، المهم كان معه المبلغ المناسب، لأنه يعمل مساعدا لخضار في أحد الأسواق.
أوضح محدثنا أن القارب بطول 4 أمتار ، ركب على متنه 15 شخصا، أغلبهم من أبناء الحي، منهم الفارين من أحكام قضائية، ومنهم تجار مخدرات و منهم البسطاء، الانطلاقة، كما أكد للنصر، كانت جيدة إلى غاية الوصول إلى عرض البحر حين تعالت الأمواج وكادت تغرق القارب.
قال لخضر أن صغر سنه جعله لا يعي خطورة الوضع وهذا ما دفعه لتجفيف القارب و تهدئة الحراقة، رغم أنهم يكبرونه سنا، حيث أن أحدهم من شدة الخوف من الغرق رمى بسترته «الجاكيت» في البحر، ثم كاد يتجمد بردا، لولا أن الآخرين قدموا له بعض الملابس، ونفد الأكل ومياه الشرب ونشبت مناوشات بإستعمال الأسلحة البيضاء بين الحراقة.
وتواصلت المغامرة ليجد الجميع أنفسهم في ألميريا بإسبانيا، من هنا بدأت مغامرة أخرى، حسب لخضر، الذي انتابته هيستيريا الضحك، عندما تذكر أنه بعد أيام قضاها في مركز تجميع المهاجرين، جاءته ضابطة شرطة اعتقدت أنه يحمل جنسية أوروبية، لأنه أبيض البشرة وعيناه خضروان وشعره أشقر.
قال بسخرية «لو كنت أتقن اللغات الأجنبية، لنجوت وتكفلوا بي في أحسن الظروف لاعتقادهم أنني أوروبي» ، لكنه لا يتحدث سوى اللغة العربية، ما جعل الضابطة تستعين بمترجمة لتعلم أنه جزائري.
و أضاف لخضر « لقد خيروني بين تغيير جنسيتي وهويتي وأشياء أخرى، مقابل التكفل بي ومساعدتي على العيش بإسبانيا، لكنني رفضت»، فتم سجنه رفقة الآخرين لأيام أخرى، ثم تم انتقاء 6 حراقة من المجموعة للبقاء في إسبانيا، بينما تمت إعادة البقية إلى وهران بينهم لخضر، الذي عاد مجددا لبيع الخضر ومساعدة أصحاب الطاولات والشمسيات في البحر ليجمع مبلغا من أجل تكرار المغامرة، لكن هذه المرة ، مثلما أكد لنا ، ستكون على متن قارب أفضل من السابق.حاولنا الغوص في عمق هذا الشاب فتألمنا لقصته، حيث قال أن والده من ذوي الإحتياجات الخاصة ، ولولا منحة جده المجاهد لمات جوعا هو و إخوته، ولولا سكن العائلة الكبيرة ، لوجد نفسه في الشارع، مشيرا إلى أنه أخفق في دراسته، لكنه نجح في التكوين المهني وتعلم حرفة الترصيص، لكنه يفضل العمل في سوق الخضر و البحر..
ب/خ