دار واحة الوحدة الجوارية 18 علي منجلي، هو عنوان إقامة فتحت أبوابها أمس بقسنطينة، لتستقبل مرضى السرطان من داخل وخارج الولاية، بهدف تقليص تكاليف تنقلهم و إقامتهم طيلة فترات العلاج الكيميائي أو العلاج بالأشعة. المشروع لم يكن سوى حلم جميل قبل خمس سنوات، لكنه تحقق اليوم بفضل مساعي أعضاء جمعية واحة، و مساهمة محسنين لم يدخروا جهدا لإنجاز المشروع الرامي إلى تحسين ظروف التكفل بالمرضى، لذلك اختيرت ألوان الأمل لديكورات مرافقه المتكونة من إقامات للكبار و الصغار و فضاءات للاستقبال والتوجيه و التكفل النفسي و الروحي وغير ذلك.
هدى طابي
فضاء الاستقبال ليس نزلا أو مؤسسة استشفائية أو مكانا للتداوي أو التشخيص، بل دار للراحة و الاسترخاء و التقاسم و المشاركة، و حل لإيواء مرضى السرطان و ذويهم، و الاستفادة من خدماتها، و ما على المرضى أو مرافقيهم إلا التواصل مع مكتب التوجيه الذي يعمل على مدار الأسبوع من الأحد إلى الخميس، من الساعة 9 صباحا إلى غاية منتصف النهار، للحصول على توضيحات حول كيفية التسجيل و مضمون ملف التكفل و القانون الداخلي و ما إلى ذلك من تفاصيل تتعلق ببرمجة مواعيد العلاج ، بالتنسيق مع المستشفى الجامعي ابن باديس و مستشفى ديدوش مراد، و تضمن الدار للمرضى سهولة التنقل نحو هذه المصالح، بفضل مركبة تتسع لتسعة مقاعد تم تخصيصها لهذا الغرض.
جدران من الأمل و أسقف من الإحسان
النصر، حضرت أمس فعاليات افتتاح المرفق الجديد الذي يضم 42 غرفة بطاقة استيعاب تعادل 84 سريرا، موجهة للأطفال و الراشدين، بالإضافة إلى مرافقيهم، كان المشروع حلما التزم أعضاء جمعية واحة لمرضى السرطان بقسنطينة، بتحقيقه غداة مباشرتهم النشاط ضمن الجمعية سنة 2012، و ما السعادة و الفخر اللذين غمرا وجوههم خلال حفل الافتتاح، إلا دليل على أن القضية لا تتعلق، كما قالوا لنا، بمجرد دار من إسمنت و حديد ، بل بمشروع نابض تسكنه آمال و أحلام الكثير من المرضى الذين عاشوا تجربة قاسية مع التنقل من أجل العلاج في السنوات الماضية، خصوصا و أن رحلة مريض السرطان مع العلاج بمختلف مراحله، تكلف ما يزيد عن 200 مليون سنتيم، حسب نتائج دارسة تقييمية أولية أجراها بعض أعضاء الجمعية.
بين نفقات الإقامة و الإطعام و العلاج الكيميائي أو العلاج بالأشعة لمدة 20 إلى 30 يوما، يضطر المريض لإنفاق مبلغ يعادل 40 مليون سنتيم( في العيادات الخاصة )، وهو ما شجع على تكريس فكرة المشروع الذي تأسس فوق قاعدة إنسانية و رفعت أساساته بفضل قصص عطاء ترويها فضاءات ومرافق أنجزها محسنون أو مقاولون كوقف يحمل اسم عزيز عليهم، سواء كان أبا أو أما أو ابنا أو غيره ، و هكذا بني المشروع بمواد نبيلة امتزج فيها الخير والإحسان بالتضامن و التطوع و العطاء الإنساني.
رئيس جمعية واحة، البروفيسور عبد الحميد أبركان، أكد من جهته أن الهدف الأساسي من إنشاء المشروع، هو إعطاء دفع لعجلة التنمية المستدامة من خلال تكريس مفهوم المساهمة الخاصة و المجتمعية في قطاع الصحة، و تعزيز سبل التكفل بمرضى السرطان، هذا الداء الذي يعد من بين تحديات الصحة في بلادنا، على اعتبار أن الجزائر تحصي سنويا ما يعادل 40 إلى 50 ألف إصابة جديدة، كما أن المشروع يعتبر خلاصة تجارب إنسانية سابقة استخلص أصحابها عبرة ، مفادها أن المساهمة الشخصية في الوقاية من المرض و التكفل بالمصابين به، تعتبر مسؤولية يتوجب علينا كمواطنين الالتزام بها بشكل أكبر.
أربع سنوات و 60 مليار سنتيم تكلفة المشروع
عندما تصل إلى العنوان المطلوب، تلاحظ بوضوح تميز الدار عن باقي مباني الوحدة الجوارية 18 بالمدينة الجديدة علي منجلي، بألوانها الزاهية التي يتراقص فيها لون السلام الأبيض مع الأخضر، لون الأمل، و الأزرق السماوي، كما أن الدار فسيحة المدخل متعددة المباني، حيث يتربع المشروع على مساحة قدرها 6000 متر مربع، اشترتها الجمعية سنة 2013 من مصالح أملاك الدولة، مقابل مبلغ 18 مليون دينار، يتم تسديده بالتقسيط لينجز الفضاء على مدار خمس سنوات بفضل مساهمة محسنين و مقاولين تكفلوا كليا ببناء الإقامات الأربع التي تتكون منها الدار و التي تضم 42 غرفة مزدوجة، بطاقة استيعاب إجمالية تقدر بـ 84 سريرا، بالإضافة إلى المرافق و الفضاءات التكميلية من حدائق و ساحات و مطعم و مقهى و قاعة للرياضة و أخرى للمحاضرات، وذلك بعدما التزمت الجمعية بتجهيز المخطط العام للدار التي كلفت مبلغ 60 مليار سنتيم.
ذات الجهة قررت الاعتماد على أعضائها و عضواتها في تسيير الدار التي يساهم فيها أيضا متطوعون شباب و موظفون ، كما حددت إستراتيجية خاصة لتمويل جزء من نشاطاتها و تغطية بعض نفقات التسيير، وذلك من خلال إنجاز روضة للأطفال و تأجيرها لأحد الخواص، لتكون بذلك مصدر دخل دائم و مستقل.
«ما عزيزة».. من هنا يبدأ كل شيء
عند مدخل الدار يوجد فضاء للاستقبال و التوجيه و المرافقة الطبية والإدارية و المساعدة الاجتماعية للمرضى، وهو مجهز بشكل بسيط و مريح يتوفر على كراس و طاولات، موزعة بشكل منظم على امتداد قاعة فسيحة أطلقت عليها تسمية « ما عزيزة».
يتكون المرفق من طابقين و يتميز بطابع إداري، و هو مخصص لاستقبال المرضى و ذويهم، بالإضافة إلى المحسنين و الراغبين في التطوع، و تتم على مستواه أيضا دراسة الملفات كمرحلة أولى، على أن يخصص جناح منه لاحقا للعمل على دراسة بعض الحالات الاجتماعية (للمرضى) قصد التكفل بها بشكل أوسع في إطار سياسة تضامنية تكافلية تتخطى شق الإيواء في الدار.
يضم المرفق كذلك، كل هياكل الإدارة من مكاتب التسيير إلى قاعات الاستقبال، و حتى قاعة للاجتماعات ستستغل مبدئيا كبديل لقاعة المحاضرات و الملتقيات.
إقامات بن عبدي وعائشة وفاطمة.. تكوين وقاية و لقاء
كل المباني المتواجدة عند المدخل الأمامي للدار، توجد في محيط ساحة متعددة الاستعمالات تحمل اسم « سي إبراهيم العموشي»، فعلى الشمال توجد حظيرة صغيرة لركن السيارات، يليها مباشرة مطعم « محمد رضا» المجهز على طريقة الفنادق العصرية، وهو هيكل يوجد قبالة الإقامات الرئيسية الثلاث المخصصة للكبار إقامة عائشة و إقامة فاطمة و إقامة بن عبدي و يربط بينها ممر طويل يحمل اسم «مسار وليد».
تضم كل إقامة 12 غرفة مزدوجة مجهزة بحمام و شرفة و سريرين مريحين و أفرشة مناسبة و خزائن صغيرة، كما تتوفر هذه الإقامات على مطابخ صغيرة للاستخدام الخاص للمرضى أو ذويهم، و تتميز كل إقامة عن الأخرى بنوعية النشاطات التي تمارس فيها، ففي إقامة عائشة يوجد فضاء للاستماع و للمرافقة النفسية للمرضى، كما تضم أيضا قاعة للكتابة و للشعر موجهة للمريضات.
أما في إقامة فاطمة فهناك غرفة خاصة للتكوين و الوقاية، أين يتم تلقين السيدات طريقة الكشف اليدوي عن سرطان الثدي، و يوجد في إقامة بن عبدي، فضاء صغير للرياضة و الراحة و الاسترخاء، بالإضافة إلى بهو لاستقبال زوار المرضى.
إقامة يونس ..جنة الصغار
على بعد خطوات من المرفق الروحي و السيكولوجي «الحاج عمار» يوجد مبنى لا يزال قيد الانجاز، علمنا بأنه سيضم مستقبلا قاعة للرياضة و التأهيل البدني، بالإضافة إلى قاعة للمحاضرات، تليه مباشرة إقامة « يونس»، للأطفال المصابين بالسرطان، و هي عبارة عن ملاذ آمن و مريح يضم 6 غرف مزدوجة، بهدف إيواء المريض و مرافقه.
و تتميز الإقامة، بتجهيزها الجميل و النوعي، حيث تضم الغرف شرفات و حمامات، موزعة على ثلاثة طوابق، الأول أرضي يتوفر على غرفتين و مطبخ عصري، و غرفة خاصة بفريق متخصص لمرافقة و متابعة الأطفال و رعايتهم، متكون من مجموعة من الشباب المتطوعين، من موظفين و أساتذة و طلبة، يشرفون أيضا على تدريس الصغار خلال فترة العلاج، بالمكتبة المتواجدة في الطابق الثاني، إلى جانب غرفة المعيشة المخصصة لاستقبال الزيارات الخارجية.
أما الطابق الثالث فيتوفر على غرفتين للنوم، و فضاء للعب و لمشاهدة التلفاز و تعلم العزف و الموسيقى، وحسب عضوة فريق الرعاية الشابة خديجة بودشيش، فإن إقامة يونس، تسير وفق برنامج تعليمي و ترفيهي يهدف الى إدماج الأطفال المرضى أكثر في محيطهم.
لكل فضاء اسم و لكل اسم قصة
تتوفر الدار كذلك على هياكل أخرى، مثل فضاء تربوي و ثقافي يعرف بفضاء « الصادق» ، ناهيك عن فضاء روحي و سيكولوجي اسمه « الحاج عمار»، و حديقة صغيرة مجهزة بكراس و طاولات تعرف بحديقة « سيد عبد القادر»، ناهيك عن فضاء للراحة و الدردشة و مقهى خاص بزوار الدار ، من غير المرضى، يعرف بمقهى « المواطنة»، وكلها محطات تهدف لخدمة مسعى الوقاية من المرض و الدعم النفسي للمصابين به، و تقديم النصائح الغذائية لهم و مكافحة التدخين و الحث على النشاط البدني و التكوين وغير ذلك.
مستشفى الأطفال مرضى السرطان
في الأفق
تطمح الجمعية إلى رفع مستوى التكفل بالمرضى و التواجد كحجر أساسي ضمن شبكة المخطط الوطني لمكافحة السرطان، حيث أكد رئيسها البروفيسور عبد الحميد أبركان، بأن العمل مستمر من أجل تقديم خدمة نوعية للمرضى من داخل و خارج الولاية، و سطرت الجمعية مشروعا مستقبليا يهدف لإنشاء مستشفى لعلاج الأطفال المصابين بالسرطان وذلك في حال توفرت المرافقة الرسمية و المساهمة الفعالة لسلطات ولاية قسنطينة، خصوصا في ظل وجود إرادة حقيقية من طرف المحسنين للمضي قدما في تحقيق هذا المسعى الإنساني.
هـ . ط