* تراجع المردودية و توقّعات بإنتاج 11 مليون لتر من الزيت
لا تزال المرأة الجيجلية و بالخصوص العجائز، متربعة على عرش مزارع الزيتون، تتفانى في الاعتناء بالأشجار و تشرف بشكل حصري على عملية الجني في كل موسم، متحدية بذلك صعوبة تضاريس جبال المنطقة و كذا برودة الطقس، في مغامرات يومية عايشت النصر أحد فصولها، تزامنا مع انطلاق موسم الجني مؤخرا، أين وقفت على ظروف العملية و معاناة أهل المنطقة في قطف الزيتون و نقله للعصر، و هي المعاينة التي كشفت عن تراجع المردودية لهذا الموسم، بالنظر للأمراض و الظروف المناخية التي أثرت على نضج المحصول، حيث كان بالإمكان بلوغ كمية إنتاج قياسية، مقارنة مع الأرقام المعلن عنها من طرف الجهات الرسمية.
روبورتاج /كـ.طويل
و تشهد العديد من المناطق بولاية جيجل، هذه الأيام، حركة دؤوبة، لرجال ، نسوة و أطفال، يتجهون صوب المشاتي و القرى لقطف الزيتون، رغم برودة الأجواء، فيما شكلت صعوبة التضاريس، عائقا لبعض العائلات في عملية الجني.
النصر، فضلت أن تزور إحدى المناطق بأعالي بلدية الشقفة و المعروفة باسم منطقة "ورتان"، التي تبعد بحوالي 14 كلم عن مقر البلدية، بحيث يتطلب الوصول إليها صبرا شديدا و بعد تنقلنا بالمركبة إلى حدود المنطقة، وجدنا مرافقنا "عمي يوسف" الذي تكفل بإيصالنا بواسطة شاحنته الصغيرة، بسبب صعوبة المسالك الترابية و بعد مرور ما يفوق نصف ساعة، وصلنا إلى منطقة بها الكثير من أشجار الزيتون وسط مسالك صعبة، وقفنا أمام مسجد قام بترميمه سكان المنطقة، يقال بأن عمره فاق 100 سنة، فيما كان أبناء المنطقة في انتظارنا و جلهم مستعدون لجني الزيتون، يحملون العصي الخشبية لنفض الزيتون و أكياس و مناجل، تحدثنا معهم حول المنطقة، فأخبرنا المعنيون، بأنها تضم ما يقارب 100 عائلة، تتوزع عبر مساحة كبيرة، من بينها عائلات لا تزال تقطن بالمنطقة، عادت بعد العشرية السوداء.
بعد لحظات من الزمن، وصلت "فاطمة" 70 سنة، رفقة ابنها عبد الحميد 50 سنة، تنقلنا معهما لجني الزيتون لنصل إلى مرتفع يقدر علوه بـمترين و نصف، شاهدنا فاطمة و هي تتسلق المرتفع بكل أريحية، رغم كبر سنها، فيما وجدنا صعوبة رفقة ابنها في الصعود بشق الأنفس، هي هكذا بنت الريف، تعرف كل صغيرة و كبيرة، و لما وصلنا، ظهرت لنا أشجار زيتون، و أخبرتنا بالقول" أنا متمسكة بزيت الزيتون منذ أن كنت صغيرة، كنت ألتقط الحبات رفقة زوجي المتوفي، فأنا وفية لزيت الزيتون منذ سنوات عديدة، شجرة الزيتون تعتبر فردا من العائلة و لا يمكن التخلي عنها"، مضيفة "أتذكر أيام العشرية السوداء، عندما هجرنا المنطقة مرغمين و لم نكن نقوم بجني الزيتون، كنا نبكي مثل الأطفال و نتحسر كما لو أننا فقدنا أحد أفراد العائلة، خلال فترة جني الزيتون، كنا نقيم الحداد، فمن غير المعقول أن نترك شجرة الزيتون".
العجائز و شجرة الزيتون.. رمزية تأبى الزوال
تلك الأيام، تذكرتها فاطمة بكل عفوية، لحظات صعبة، اعتبرتها بمثابة خيانة للشجرة المباركة و تقول المتحدثة، بأنها عندما ترى شجرة الزيتون مثمرة، تحس بأنها قد غفرت لها، فخلال السنوات القليلة الماضية، كانت تشح بعطائها و ثمرها، كما لو أنها غاضبة منهم، أما بعد استقرار الوضع الأمني، عاد جل أبناء المنطقة للاعتناء بالأشجار و تقول محدثتنا " عملية جني الزيتون صعبة كثيرا، فجل الأشجار بالمنطقة توجد في تضاريس صعبة، فمنطقة بني ورتان أرضها غير مستوية و نأخذ وقتا طويلا لجني الزيتون من كل شجرة، بحيث أظل أحيانا لما يقارب اليومين في عملية القطف، بمعدل كيسين من وزن 50 كلغ"، مشيرة إلى أن الجني ، مقتصر على النساء المسنات، مضيفة بأن فتيات اليوم، لا يقمن بالمشاركة، القلة القليلة منهن من يقدمن المساعدة، لأن ظروفهن تختلف و المسؤوليات ازدادت مع تطور المجتمع، و أشارت المتحدثة، إلى أن ما يقارب 40 امرأة، يشاركن في جني الزيتون و جلهن يفقن سن 45 سنة، قائلة بأنه خلال هذه السنة، سجل نقص كبير في المردود .
و أخبرنا عبد الحميد، بأن جني الزيتون، يتم من قبل النساء الكبيرات في العمر، ، قائلا، "بأن فئة الشباب القلة منهم من يزور المنطقة للجني ، فجل المشاركين في العملية من كبار السن، نحن نعيش في زمن صعب و نخاف أن تظل أشجار الزيتون لوحدها بعد ذهابنا، إذ يفضل العديد منهم شراء الزيت من المعصرة بدل تعب الجني".
و الملاحظ على العموم، هو سيطرة النساء على النشاط و اللافت للنظر، أن غالبيتهن كن فوق الأشجار غير آبهات بخطر السقوط و هناك أيضا عددا من الشيوخ و الكهول، ممن يساعدون النسوة في جمع الزيتون المتناثر على الأرض، فيما كانت فئة الشباب غائبة تماما، كما أن عملية الجني متشابهة و تتم عن طريق تحريك الأشجار بواسطة العصي الخشبية لإسقاط المنتوج و تسلق الأشجار العالية لقطع الأغصان الكبيرة، باستخدام السواطير و المناجل، أما وسيلة التخزين، فتتمثل أساسا في أكياس السميد البلاستيكية التي تحمل ما يقارب 50 كلغ و أحيانا بعض الدلاء.
واصلنا بعدها السير للتوغل في المنطقة، إلى أن شاهدنا العديد من الأشخاص قاموا بإشعال النار لطهي الزيتون في موقد كبير، أوضحوا لنا بأنها الطريقة التي تلجأ إليها العائلات، بحيث يتم طهيه و توجيهه نحو المعصرة مباشرة، أما في ما يتعلق بالطريقة التقليدية التي تعتمد على العصر بالأرجل، فلم تعد معتمدة منذ سنوات، مشيرين إلى أن السبب راجع للمردودية الممكن تحقيقها، فعصره بالمعصرة أفضل و أحسن من ناحية الكمية و الجودة.
و ذكر أحد الشباب الحاضرين، أن كل عائلة تقريبا، أصبحت تقوم بنقل الزيتون إلى المعصرة، في فترة لا تزيد عن خمسة أيام، حتى لا يزيد تركيز الزيت و تنقص جودته، مشيرا إلى أنه حاول مرارا غرس فكرة توجيهه للمعصرة مباشرة بدل طهيه، لكن كبار السن رفضوا الفكرة و التوجيهات المقدمة لهم.
و أخبرنا الحاضرون، بأن جل العائلات، تعيش على عائدات بيع الزيتون و الزيت المستخلص منه، لكن القلة القليلة من السكان يقومون ببيعه، مضيفين بأن غالبية كميات الزيت و الزيتون التي يتم إنتاجها، تستهلك عائليا أو يتم بيع جزء منها للزبائن، إذ أن سعر اللتر الواحد هذا الموسم، يفوق 600دج، مشيرين إلى أن نقل المنتوج، يعتبر أصعب المراحل، بسبب عدم تهيئة المسالك و اتساع مساحة تواجد الأشجار .
محمد بوسنة صاحب معصرة
التقسيم العائلي للمنتوج يؤثر على النوعية
قال صحاب معصرة، محمد بوسنة، بأن الحرفة اكتسبها منذ سنوات عن والده، ببلدية تاكسنة و واصل النشاط في المعصرة، موضحا بأن العملية كانت تتم قديما عن طريق تخزين الزيتون و تركه مدة زمنية معينة، معتبرا إياها طريقة خاطئة، حاليا، مؤكدا على أن جل العائلات غيرت الأسلوب و تكمن أكبر المشاكل، في كون أشجار الزيتون متوارثة، حيث يتم جني المحصول، ثم يقومون بتقسيم الكمية، في عملية تأخذ وقتا طويلا، مما يؤثر على جودة المنتوج، و هي أكبر السلبيات التي يحاول مواجهتها و تقديم النصائح للعائلات بشأنها.
مشيرا، إلى أنه و نتيجة للتكوينات التي تحصل عليها على مر السنوات، استطاع تطوير عمله و جعله يتماشى مع الطرق الحديثة، حيث تقوم الآليات بعمل دقيق و ملائم من الناحية البيئية، فيما أن المعصرة " الطاحونة" التقليدية، لا تؤدي الدور المطلوب ، كما أن نوعية الزيت لا تكون طبيعية و بالمواصفات المطلوبة، بحيث تزداد نسبة الحموضة في الزيت، فيما تركز المعصرة الحديثة، على عدة جوانب و بمواصفات عالمية من ناحية النوعية و تساهم في زيادة الكمية.
و قال المتحدث، بأن المنتوج بلغ كميات معتبرة، لكن المردودية ناقصة، إذ أن الزيتون من نوعية " الشملال"، كان ينتج 20 لترا في القنطار، لكن هذه السنة، المردودية تقدر بحوالي 12 لترا في القنطار و يرجع السبب، حسبه، إلى المرض الذي أصاب الزيتون هذا الموسم ،و هو المتداول عبر مختلف المناطق.
و بالنسبة للأسعار، فتتراوح هذا العام بين 600 دج إلى 800 دج، ، إذ أن الزيت المحلي، يعتبر أكثر طلبا من قبل الزبائن .
مدير المصالح الفلاحية بن رمضان حمودي
الفلاحون أصبحوا يعتمدون طرقا حديثة في التخزين
و أوضح مدير المصالح الفلاحية بجيجل، بن رمضان حمودي، بأن الولاية سجلت هذه السنة، ارتفاعا في المساحة المغروسة بأشجار زيت الزيتون و المقدرة بـ 20 ألفا و 500 هكتار، حيث تم غرس 300 هكتار من شجرة الزيتون، مشيرا إلى إتباع العديد من المراحل قبل عملية الجني، على غرار التحسيس حول طريقة الجني و النقل و التغليف.و تقدر المساحة المنتجة هذه السنة، حسب مصدرنا، بـأكثر من 18 ألف هكتار، بما يعادل حوالي 520 ألف قنطار من منتوج الزيتون، سيتم على أساسه، إنتاج ما يقارب 11 مليون لتر من زيت الزيتون، عبر 165 معصرة.كما أشار المتحدث، إلى أن طرق التحسيس أتت أكلها، بدليل طريقة التعامل من قبل الفلاحين و ذلك من خلال تجسيد الطرق الحديثة للتخزين و العمل على إيصاله في أقرب وقت إلى المعاصر، حتى تتم المحافظة على جودة المنتوج.
و في ما يتعلق بالأمراض التي تصيب الزيتون فتتعلق بخطر ذبابة الزيتون التي تؤثر على شكل الحبات و التي تصيب العديد من الأشجار، ما يتطلب تضافر الجهود من قبل الجميع لمحاربتها، و كشف مدير القطاع عن الشروع في التحسيس حول مخاطرها، مشيرا إلى أن مختلف الفروع الفلاحية، لم تسجل شكاوى خطيرة تقتضي التدخل العاجل.
كـ.ط