شاحنات تحت الأثقال الزائدة و مخاطر لا تنتهي على الوطني 20
الطريق الوطني رقم 20 بين قالمة و قسنطينة، كلما تذكره السائقون ينتابهم الشعور بالقلق و الخوف، مما ينتظرهم بالمسار الوحيد الضيق و منعرجاته الحادة و منحدراته التي تحولت إلى مصيدة أوقعت بالعشرات من الضحايا و خلفت مآسي اجتماعية و خسائر اقتصادية دون أن تتوقف.
من الجسر الحديدي ببلدية عين رقادة على الحدود مع ولاية قسنطية، إلى مدينة بوشقوف شرقي قالمة، أكثر من 70 كلم بمسار واحد في الاتجاهين، طوابير طويلة من الشاحنات و السيارات تتكدس باستمرار بالمنحدرات و المنعرجات تزاحم بعضها بعضا و تثير غضب السائقين الذين لا يترددون في المغامرة و التجاوز الخطير و استعمال السرعة للإفلات من مواقع الازدحام، و غالبا ما تنتهي هذه المغامرة بمأساة لا تنسى.
النصر رافقت الشرطة و الحماية المدنية و مدربي السياقة و فرقة الدرك الوطني المتخصصة في أمن الطرقات و سلامة حركة السير على هذا المحور الخطير و وقفت على بعض من الحقائق المثيرة للقلق، كان هذا اليوم للتحسيس و حث سائقي الوزن الثقيل على احترام قانون المرور و عدم المغامرة بالسرعة و التجاوز الخطير و الحمولة الزائدة، التي تعد أحد أسباب حوادث السير على الوطني 20 الذي تحول إلى شريان للحياة الاقتصادية و الاجتماعية بولاية قالمة و ولايات أخرى بشرق البلاد، حيث يربط هذا المحور بين الموانئ و المناطق الصناعية الواقعة شمالا كعنابة و سكيكدة، و مناطق التبادل التجاري الواقعة جنوبا كقسنطينة و أم البواقي و غيرها من الولايات الداخلية الأخرى.
مواد بناء و معدات و سلع لا تتوقف من البر و البحر
حسب تقديرات الدرك الوطني فإن حجم التدفق المروري على الوطني 20 بقالمة يتجاوز 12 ألف مركبة في اليوم الواحد، كثير منها شاحنات محملة بمواد البناء و الحاويات و مختلف أنواع السلع و المعدات الأخرى، و بالرغم من دخول الطريق السيار شرق غرب الخدمة بأقصى شرق البلاد منذ عدة سنوات بين عنابة و سكيكدة و قسنطينة فإن حركة الوزن الثقيل لم تتراجع على الطريق الوطني 20 فهو يختصر المسافة و يسهل مهمة الوصول إلى الولايات الداخلية المجاورة، لكنه لم يعد قادرا على مواجهة الضغط الهائل و هو بمسار واحد شديد الانحصار منذ بنائه قبل عقود طويلة.
وضع الدرك الوطني حاجزا قرب مخازن القمح بوادي الزناتي حيث يوجد جسر للوزن لمراقبة حمولة الشاحنات، خاصة تلك القادمة من محاجر عين عبيد بقسنطينة، و هي الأكثر خرقا لقانون تحديد الوزن، و هي أيضا المتسبب في حوادث مأساوية كثيرة و خاصة على المنحدرات الحادة بين رأس العقبة و مجاز عمار.
و كلما أوقف الدرك الوطني شاحنة يسأل سائقها عن تقديره للحمولة و مدى اطلاعه على العقوبات الجديدة التي جاء بها قانون المرور عندما يتعلق الأمر بالأثقال الزائدة التي ألحقت أضرارا بالغة بالطريق و أنهكت الشاحنات و أدت إلى حوادث دامية.
و بدا بعض السائقين غير عارفين بالعقوبات المترتبة عن الوزن الزائد، كالغرامة المالية عن كل قنطار زائد، و تعليق القدرة على السياقة، و المتابعة القضائية، قليل منهم فقط من صرح بأنه اطلع على الإجراءات و العقوبات التي أقرها المشرع الجزائري للحد من حوادث السير التي تحولت إلى مشكلة وطنية اقتصادية و اجتماعية.
يقول الرقيب الأول سلطاني من فرقة أمن الطرقات ببلدية رأس العقبة متحدثا للنصر بأنه بعد نهاية حملة التحسيس و التوعية فإنه يتعين على سائقي الشاحنات الناقلة لمواد البناء و غيرها من السلع الأخرى التقيد بالحمولة المحددة و عدم المغامرة حتى لا يقعوا تحت طائلة العقوبات الجديدة، مضيفا بأن فرقة أمن الطرقات برأس العقبة تغطي مسافات هامة من الطرقات العابرة للمنطقة، أهمها الطريق الوطني 20 و الطريق الوطني 102 المؤدي إلى ولاية أم البواقي، مؤكدا بأن أغلب الحوادث التي تقع هناك سببها السرعة المفرطة و التجاوز الخطير و الأثقال الزائدة.
و بدا أحد سائقي شاحنة محملة برمل المحجرة غير عارف بالإجراءات الجديدة، و كانت الشاحنة تئن تحت وطأة وزن زائد قد يتجاوز عدة أطنان حسب المعاينة الأولية، و قال السائق بأن مالكي الشاحنات يطلبون منهم زيادة الحمولة لتحصيل مبلغ مالي زائد عند البيع دون الاكتراث بالعواقب المترتبة عن الحمولة الزائدة.
حالة العجلات و الأضواء و قضبان الحماية...مخاطر أخرى على الطريق
و حسب أحد مدربي السياقة المشارك في حملة التحسيس و التوعية فقد تم الاتصال بمحاجر عين عبيد لحثهم على عدم إضافة حمولة زائدة من الحصى و الرمل، لكن أصحاب المحاجر أخلوا مسؤوليتهم و صرحوا بأن بعض سائقي الشاحنات هم من يطلبون زيادة الوزن و يلحون على ذلك معتقدين بأنهم سيجتازون الحواجز الأمنية على الطرقات و لهم القدرة على التحكم في الشاحنات.
تم توقيف شاحنات كثيرة منها الحاملة للحصى و الرمل من محاجر عين عبيد، و منها المحملة بالحاويات و سلع أخرى، و بدا الكثير من السائقين مدركا لحجم الخطر الناجم عن الأثقال الزائدة لكنه يغامر و قليل مهنهم فقط من يتقيد بالوزن المسجل في البطاقة الرمادية و على جانب الشاحنة بوضوح.
لم تقتصر مهمة الفريق المشارك في اليوم التحسيسي على مشكلة الوزن الزائد فقط بل تعدت إلى مراقبة شاملة للشاحنات، حالة العجلات، الأضواء و قضبان الحماية الجانبية و الخلفية، و كلما كان ارتفاع الشاحنة عن سطح الطريق فوق 70 سم أصبحت هذه القضبان إلزامية لأنها تمنع السيارات من الدخول تحت الشاحنة في حالة الاصطدام، و بالتالي التقليل من خطر الإصابة و الوفاة.
بعض الشاحنات تتوفر على معدات الأمان لكن البعض منها غير ذلك حسب ما وقفنا عليه خلال عمليات المراقبة، و قال دركي عامل بالمنطقة بأنه لو تم تطبيق القانون بصرامة فإن شاحنات كثيرة ستمنع من السير حتى يصلح حالها و يتراجع مؤشر الخطر المحدق بها و بسائقها و كل مستعملي الطريق.
السرعة المفرطة و الانقلاب بالمنعرجات... من أسباب الحوادث الدامية
قبل أيام قلية لقي سائق سيارة مصرعه على الطريق الوطني 20 قرب قرية كيفان لعسل ببلدية وادي الزناتي، و السبب حسب أحد أفراد الدرك الوطني هو السرعة المفرطة لإحدى السيارتين المرتطمتين ببعضهما البعض. هذه واحدة من الأسباب الرئيسية للحوادث التي تقع باستمرار على هذا الطريق الهام.
عندما تشتد زحمة السير و تمتد الطوابير خلف شاحنات الوزن الثقيل التي تسير ببطء تحت وطأة الحمولة الزائدة، يتسلل القلق و الغضب إلى سائقي السيارات ذات المحركات القوية فيغامرون بتجاوز الطابور الطويل، و نادرا ما يمرون بسلام، فهناك مركبة في الاتجاه المعاكس أو رادار خفي على جانب الطريق، أو حاجز للدرك الوطني يحاول التصدي للعبث القاتل. و قد أجمع المشاركون في يوم التحسيس للحد من الحمولة الزائدة و الحوادث المأساوية على الطريق الوطني 20 بقالمة على أن وضعية الطرقات ليست وحدها المتسبب في ما يحدث على هذا الطريق الهام، فهناك عامل رئيسي آخر هو انعدام الضمير و الاستهتار، مؤكدين بأن السائق الجزائري لم يعد يحترم قانون المرور و لا يقرأ الإشارات و لا يتعظ من الحوادث التي تقع أمامه ، معتقدين بأن الطريق الوطني 20 المزدوج قيد الإنشاء بين مجاز عمار و مدينة وادي الزناتي سيقضي على الطوابير الطويلة خلف الشاحنات، لكنه لن يوقف الحوادث الدامية لانعدام السائق المحترف الذي يحترم القانون، و يتفادى الإضرار بنفسه و بغيره من مستعملي أحد أصعب الطرقات الوطنية بشرق البلاد.
فريد.غ