تمكّن فريق من الباحثين الشباب بمركز البحث في الميكانيك بقسنطينة، من تطوير أول جهاز لقياس المطر محلي الصنع، وهو جهاز تستورده الجزائر من أوروبا، حيث يمكّن من تحديد كمية الأمطار المتهاطلة، ما يجعله إضافة كبيرة لعدة قطاعات على غرار الموارد المائية، الفلاحة والنقل وكذلك جهاز الحماية المدنية، خاصة أن معطياته العلمية الدقيقة تسمح بالتعامل مع التغيرات المناخية وتجنب الكوارث الطبيعية.
روبورتاج : حاتم بن كحول
و زارت النصر مركز البحث في الميكانيك الواقع بجامعة الإخوة منتوري في جزئها الممتد إلى منطقة شعبة الرصاص، أين التقت برئيس المركز الدكتور الحاج محمد بنية، الذي أخبرنا أن فكرة تصنيع المغياث كانت من طرف مدير الديوان الوطني للأرصاد الجوية، أين عرض المشروع على الباحثين لمعرفة إذا كانوا قادرين على صنعه، وكان ردهم بالإيجاب.
و تعمل الجزائر بهذا الجهاز في عدة مناطق، و لكن يتم استيراده من أوروبا بتكلفة كبيرة تتراوح بين 600 إلى 1000 أورو، وبما أن الدولة توصي بتخفيض حجم فاتورة الاستيراد تقرر تصنيعه محليا، واختيار مركز البحث في الميكانيك الذي تم استحداثه قبل نحو سنتين بقسنطينة ليكون صاحب المشروع، حيث سيمكن صنع الجهاز محليا من التخلص من فاتورة الاستيراد نهائيا وليس تخفيضها فقط، خاصة وأنها بالعملة الصعبة، وفق محدثنا.
«أعدنا تصنيع الجهاز في ظرف شهر»
و تابع الدكتور بنية أنه وبعد قبول مركزه التكفل بصنع المغياث، باشر فريق العمل مهامه، والبداية كانت بإعادة تصميم عكسي للجهاز المستورد، أين تمت إعادة رقمنته مع إيصاله بالكمبيوتر، ليتم التعرف على كامل أجزائه، مؤكدا أنه في غضون شهر واحد تمكن الباحثون والدكاترة من إعادة صنع المغياث، ولكنه اختلف عن الكلاسيكي المستورد من أوروبا، إذ تم تطويره مع استحداث جزء الكتروني يتوفر على أجزاء داخلية معقدة.
و بهذا الخصوص، أكد نويوة مراد وهو باحث ورئيس قسم عمليات التصنيع بالمركز، أن بداية صنع المغياث كانت بتصميم عكسي لجهاز أوروبي، يتكون من مجموعة من القطع المعقدة التي يصعب تجسيدها، حيث تم تطويرها و تحسين الجهاز وفق المعايير المعمول بها.
كما ذكر الباحث حمودي عبد الرزاق، أنه تم القيام بدراسة سوسيو اقتصادية قبل الانطلاق في العمل، شملت تحديد تكلفة الجهاز و التصنيع، واتضح أنها أقل من سعر المغياث الأوروبي، فيما قال بوشنيتفة هشام المدير المساعد بمركز البحث، إن الجهاز صنع حسب المعايير المعمول بها دوليا وعلميا لضمان الحصول على نتائج صحيحة.
و يؤكد مدير المركز، أن المغياث الأوروبي يباع ويعتمد عليه في كامل أرجاء العالم، لتجاوبه مع كل المقاييس والمعايير المعمول بها دوليا، ما جعل الباحثين بالمركز يحاولون أن يكون الجهاز الجزائري متطورا ومصنوعا وفقا للمقاييس المطلوبة، مشيرا إلى أن الفريق تمكن أيضا من صنع قطع الغيار.
ويتشكل الجهاز من قطع وأجزاء معقدة، إلا أن عملية استخدامه بسيطة، حيث تم تزويده بميزان بأطراف متأرجحة بين اليمين واليسار، يعلوها عمود مفتوح تدخل عبره مياه الأمطار لتصب مباشرة على طرفي الميزان، أين يقيس كمية المياه في الثانية ثم في الدقيقة ويرسل المعطيات إلكترونيا، على أن يتم وضع المغياث في مكان مناسب وعلى علو معين حتى تكون النتائج دقيقة.
تغطية ضعيفة وطنيا بالمغياث المستورد
و عرض مركز البحث في الميكانيك بقسنطينة، نموذجا عن المغياث بمناسبة اليوم العالمي للأرصاد الجوية المصادف لـ 23 مارس الماضي، حيث أعجب الديوان الوطني للأرصاد الجوية به، وتم توقيع اتفاقية شراكة لتصنيعه مع وزارة النقل، وهو ما يعد فخرا كبيرا للمركز، يقول مديره، الذي أكد أن هذا الجهاز مهم جدا للجزائر.
ويمكن لمصالح الموارد المائية أن تستفيد من المغياث لمعرفة كميات الأمطار المتهاطلة، إلى جانب قطاع الفلاحة، زيادة على التعامل مع التغيرات المناخية في ظل التقلبات التي تعرفها المنطقة، وحتى الحماية المدنية والولايات والبلديات يمكن أن تستعين به من أجل الاستعداد في حال احتمال وقوع فيضانات.
و يشرح الدكتور بنية بأن التجارب أظهرت نقائص بسيطة بالجهاز تم تداركها من مركز البحث، الذي قام دكاترته بتصميم جديد يختلف عن الأوروبي، كما تم صنعه من أجل التجاوب والعمل حسب طبيعة المناخ الجزائري وما يتناسب مع أحوال الطقس والبيئة وطريقة الاستعمال محليا.
ويغطي مغياث واحد مساحة 1 كيلومتر مربع، ولكن في الجزائر تبقى التغطية ضعيفة جدا، خاصة وأنه يستغل فقط في المطارات، حيث يتوفر حوالي 500 جهاز منه موزع على كافة التراب الوطني، فقسنطينة مثلا مزودة بمغياث واحد فقط يقيس كمية الأمطار المتهاطلة، رغم أهمية هذه المنطقة، في حين أن الجزائر تحتاج حاليا لثورة مائية في ظل الجفاف الذي يمس نقاطا عديدة في العالم. وأضاف بنية أن المغياث سيساهم أيضا في تحقيق الأمن الغذائي والزراعي، لإمكانية توقع كميات تساقط الأمطار، خاصة عند حدوث الكوارث مثل الفيضانات.
ويتكون فريق العمل من 5 أشخاص بين دكاترة ومهندسين داخل مركز البحث، حيث تمكنوا من إنهاء المشروع في أسرع وقت، وتم إنجاز الجهاز بقطع غيار جزائرية الصنع، ومن أحسن طراز. و يؤكد الدكتور بنية أنه وبالإمكانات المتوفرة حاليا، يمكن تصنيع جهاز كل يومين، وفي حال استقبال طلبيات يمكن اللجوء إلى استعمال قوالب النمذجة وتصنيع المئات في شهر واحد، وبالتالي تغطية الطلب الوطني، وأضاف المتحدث أنه من المحتمل إبرام شراكة أو فتح فرع للتخصص في إنتاج المغياث، فيما يستعد المركز للتنسيق مع ديوان الأرصاد الجوية من أجل توزيع وتسويق الجهاز.
إمكانية إنتاج مئات الأجهزة شهريا
وقال الباحث الشاب، إن هدف المركز هو الاستفادة ماديا من أجل تمويل مشاريع أخرى ذاتيا، خصوصا أنه يطور أجهزة أخرى. وعن احتمال تصدير المغياث الجزائري، أكد المدير أنه وجب أولا استحداث فرع تجاري يتكفل بتسويق المنتج، كما ستسمح الشراكة مع ديوان الأرصاد الجوية، بتنظيم التصدير بعد الاتفاقيات إلى إفريقيا، موضحا أن أوروبا تصدر إلى هذه البلدان، ويمكن منافستها ببيع أجهزة أقل سعرا من تلك المصنوعة بها.
وتابع الدكتور بنية بأن المركز يسير بخطى ثابتة نحو ولوج عالم التصدير، لكن بعد تغطية كل السوق المحلية، وقبل ذلك وجب أن يكون المغياث الجزائري مطورا وليس عبارة عن تصميم عكسي فحسب، وهنا يمكن الحصول على براءة اختراع والتحول إلى الإنتاج ثم التصدير عقب الحصول على الاعتماد النهائي الذي تسبقه فترة تجريب معينة.
و يمكن لمركز البحث في الميكانيك أن يصدر المئات من هذا الجهاز شهريا والآلاف سنويا، حسب ما أكده المدير، ولكن لن يكون ذلك إلا بتوسيع دائرة المشاركين، خاصة أن فريق البحث يعمل على صنع أجهزة أخرى، ولا يمكن التفرغ فقط للمغياث.
ح.ب