يسجل الإحصاء العام للسكان والإسكان بولاية قسنطينة تجاوبا جيدا من المواطنين في الأيام الأولى من انطلاقه، حيث قضت النصر يوما مع الأعوان في بلدية ديدوش مراد، نقلت من خلاله جانبا من عمل المكلفين بطرق الأبواب وتفاصيل سير العملية.
واخترنا بلدية ديدوش مراد لمعاينة سير عملية الإحصاء العام السادس للسكان والإسكان في يومها الثاني بولاية قسنطينة، حيث انطلقت رحلتنا حوالي العاشرة صباحا من مقر البلدية رفقة المندوب البلدي، محمد توفوتي، المكلف بالإشراف عليها، في حين لاحظنا في المكان حركة دؤوبة للمراقبين الذين تجمعوا في قاعة المحاضرات، فضلا عن المركبات التي سخرت للإحصاء.
روبورتاج: سامي حباطي
وقد دخل أحد السائقين وقت تواجدنا في ساحة مقر البلدية إلى الحظيرة، فسأله المندوب البلدي عن وجهته التالية، ليؤكد له أنه قدم لتوه من منطقة الرتبة، بينما كانت سيدتان تحملان أوراقا ولوحين إلكترونيين تهمان بركوب إحدى المركبات المسخرة متجهتين صوب المقاطعتين الإحصائيتين المكلفتين بها.
وذكر لنا المندوب البلدي أن البلدية قامت بتسخير مجموعة من المركبات، مضيفا أن القائمين على العملية من المندوبين والمراقبين يستعملون حتى مركباتهم الخاصة في سبيل إنجاح الإحصاء، في حين ذكر لنا مراقبون أن العملية قد سارت بصورة جيدة في اليوم الأول، رغم تسجيل بعض الصعوبات مع المواطنين الذين لم يستوعبوا بعد المغزى منها، ورفضوا التعاون مع أعوان الإحصاء، فضلا عن بعض أصحاب المنازل الذين يكونون غائبين أو يرفضون فتح الأبواب.
وأضاف المعنيون أن أكثر العراقيل المذكورة مسجلة على مستوى القطب العمراني عبد الرزاق بوحارة، المعروف باسم الرتبة، بينما لم تسجل مشاكل مماثلة على مستوى الأحياء القديمة بديدوش مراد.
وسعى القائمون على العملية إلى تعيين أعوان يقطنون بنفس المقاطعات الإحصائية المكلفين بها، أو في محيطها حتى تكون عملية تنقلهم سهلة، فضلا عن أن معرفتهم بالسكان تسهل عليهم التعامل معهم، في حين لفت محدثنا إلى أن القائمين على العملية قد احترموا رغبات الأعوان أيضا في اختيار الأحياء التي يرغبون في العمل على مستواها، بينما أكد أن الذكور قد وجهوا إلى المناطق المبعثرة أو المعزولة، نظرا لصعوبة العمل على مستواها بالنسبة للسيدات.
وضع إشعارات بالمرور على أبواب المساكن الشاغرة
وانطلقنا صوب حي المجاهد عبد الرزاق بوحارة بعمارات «عدل»، حيث شرعنا في تتبع أثر أعوان الإحصاء المكلفين بتغطية المقاطعات الإحصائية للحي، فسألنا أحد المواطنين لكنه نفى علمه بقدومهم في ذلك اليوم، في حين أرشدتنا سيدة إلى أنهم متواجدون على مستوى الشطر الثاني والعشرين، إلا أن المندوب البلدي أكد لنا أنه لا يمكن تقفي مسارهم بترقيم العمارات، وإنما ينبغي الاعتماد على ترقيم المقاطعات الإحصائية.
وقد استطعنا تحديد موقع آنسة مكلفة بالإحصاء في المقاطعة الإحصائية رقم 26 من خلال الاتصال بالمراقبة المكلفة بمتابعة عملها، حيث وجدناها في انتظارنا بالقرب من العمارة «باء» من الشطر الثاني والعشرين.
وأوضحت محدثتنا، التي كانت تحمل كافة أغراضها في حقيبة يدوية، أنّ التجاوب جيد نسبيا، مشيرة إلى أن بعض أرباب الأسر يرفضون تقديم المعلومات لكونهم يكترون السكنات، فضلا عن وجود العديد من السكنات الشاغرة في حي الرتبة. والتقينا بأحد سكان الحي، فأكد لنا أنه يتمنى مرور أعوان الإحصاء ببيته في نفس يوم تواجدنا لأنه في راحة وحتى يتمكن من استقبالهم وتقديم المعلومات لهم، حيث أكد أنه قد يكون غائبا بسبب ظروف عمله في الأيام القادمة.
ورافقنا عون الإحصاء إلى العمارة المذكورة، حيث كانت تضع شارة العمل التي تحمل اسمها وكافة المعلومات التي تؤكد أنها مكلفة بالإحصاء على صدرها، بينما أكدت لنا أنها قد أحصت الأسر القاطنة في الطابق الأول، لنتنقل معها إلى الطابق الثاني.
ولاحظنا ترددا من طرف صاحبة المنزل الذي طرقت بابه عون الإحصاء، وبمجرد أن فتحت الباب وأخبرتها الآنسة أنها قدمت من أجل الإحصاء العام، حتى دعتها السيدة إلى داخل شقتها وأوصدت الباب. وأكدت لنا عون الإحصاء أن صاحبة البيت قد تجاوبت معها بشكل جيد، وقدمت لها مختلف المعلومات التي طلبتها، في حين عادت الآنسة إلى الشقة المقابلة وطرقت الباب عدة مرات دون أن يفتح أحد، فاستخرجت من حقيبتها إشعارا بالمرور وعلقته على الباب.
وأوضحت محدثتنا أنها تترك إشعارات بالمرور على المساكن التي لا يفتح أصحابها الباب، لتعود إلى المرور عليها مرة أخرى في يوم آخر، في حين نبهت أنه في حال العودة لمرتين إلى نفس المسكن دون أن يفتح أصحابه الباب، سيتم وضع المسكن على أنه شاغر.
وفي الطابق الموالي فتحت لنا الباب سيدة تبدو في الستينات من العمر، حيث استقبلت عون الإحصاء بابتسامة عريضة وأبدت تجاوبا كبيرا معها، بينما سمعنا صوت بكاء طفل رضيع، فاستسمحتنا السيدةُ بضع دقائق لتقدم له الحليب، مؤكدة لنا أنه حفيدها، لتعود ومعها الطفل في عربة صغيرة. وأوضحت لنا عون الإحصاء أنها قد جمعت المعلومات عن هذه الأسرة من الأب وهو جد الرضيع أيضا الذي التقت به في ساحة العمارة، لكنها واصلت طريقها إلى مسكنه من أجل تدقيق المعلومات الناقصة حول تواريخ ميلاد أبنائه التي لم يتذكرها، فضلا عن أنها طلبت من زوجته الدفتر العائلي لتطلع عليه بغرض تدقيق المعطيات التي جمعتها في ساحة العمارة.
وأكدت لها الجدة أنهم استأجروا هذه الشقة في القطب العمراني الرتبة، بعدما انهار الشاليه الذي كانوا يقطنون به على مستوى حي «بورتولازو» في مدينة ديدوش مراد، مشيرة إلى أنه يحتوي على مادة الأميونت، كما أكدت لعون الإحصاء أن أحد أبنائها بطال، بينما يحمل الثاني شهادة ماستر يسعى إلى العمل بها.
وأخذت السيدة تسرد معاناتها وأفراد عائلتها مع صعوبات الحياة، بينما أكدت لعون الإحصاء عندما سألتها عن والدة الطفل، بأنه في وسعها انتظارها لأنها خرجت من البيت لاقتناء بعض الأغراض الخاصة بالرضيع، وستعود خلال وقت قصير.
وذكر لنا المندوب البلدي أن بعض الأعوان قد واجهوا صعوبة على مستوى حيّ عبد الرزاق بوحارة في العمارات التي وضع عليها أصحابها أبوابا تفتح بالاعتماد على الشّرائح الإلكترونية، ما جعلهم يجدون صعوبة في الدخول إلى العمارات، في حين تنقلنا بعد اكتمال جولتنا في الرتبة إلى التجمع السكني الشهيد عبود حيون، المعروف باسم «بورتولازو» باحثين عن عون الإحصاء المكلفة بالمقاطعة الإحصائية 52.
وتواصلنا مع المعنية فأوضحت أنها بالقرب من المسكن رقم 11، لكننا لمسنا صعوبة في الوصول إلى المكان المنشود لكون الحيّ شهد عمليات بناء مختلفة وتوسعات فوضوية، بينما واصلنا البحث عنها إلى أن التقينا بها بالقرب من مسجد الحي.
«المواطنون يأملون في تحسن ظروف معيشتهم بعد الإحصاء»
وقد أوضح لنا المندوب البلدي أنّ عون الإحصاء المكلفة بالحي تقطن في نفس بنايات «بورتولازو»، معتبرا أن ذلك يجعل السكان يتجاوبون معها بشكل جيد ويسهلون مهمتها، في حين لاحظنا أن السيدة، التي أكدت لنا أنها متزوجة، تحمل اللوح الإلكتروني في حقيبة صغيرة، بينما علقت على رقبتها حافظة أوراق تضم الإشعارات بالمرور التي تعتزم تركها على المنازل التي تجد أنها شاغرة.
وكانت عون الإحصاء تحمل خريطة تضمّ جميع منازل المقاطعة التابعة لها، حيث أحاطت أرقام البيوت التي مرت بها بدائرة، بينما أكدت لنا أنها ستمر مرة أخرى على البيوت التي وجدتها شاغرة.
وطرقت العون على باب إحدى السيدات من الحي، حيث شرحت لنا أنها أخذت عنها المعلومات الأولية، بينما أوضحت أن جميع العائلات التي زارتها قد أحسنت الترحيب بها، حتى أن البعض منهم دعوها إلى تناول الغداء، مضيفة أن المواطنين يتجاوبون مع الإحصاء بصورة جيدة، باستثناء بعض الحالات التي يتحرج فيها أرباب الأسر من تقديم بعض المعلومات التي تخص أبناءهم المرضى، أو وضعيات أخرى لأفراد أسرهم.
و وصفت محدثتنا الأمر بكون العائلات التي استقبلتها وجدت في زيارتها لهم «فرصة للفضفضة» والحديث عن مشاكل التنمية والنقائص التي يعانون منها في يومياتهم، مؤكدة أن السّمة المُشْتركة بينهم تتمثّل في «أملهم في تحسن ظروف معيشتهم بناء على مخرجات عملية الإحصاء».
تغطية القرى الجبلية المعزولة
أما على مستوى المناطق المعزولة، التي تصنف في عملية الإحصاء بتسمية «المناطق المبعثرة»، فقد تنقلنا إلى «كسار القلال»، وهي منطقة جبلية تقع بالقرب من الطريق السيار شرق غرب، وغير بعيد عن جبل الوحش، لكنها تابعة لديدوش مراد.
ولاحظنا في المكان وعورة المسالك الترابية غير المهيأة الموجودة فيها، حتى أن المركبة التي كنا على متنها كانت تمر بصعوبة عبر بعض الأخاديد التي تشكلت في الطرقات، في حين كان التواصل مع عون الإحصاء، سفيان برميتة، في غاية الصعوبة بسبب انعدام التغطية بشبكة المتعامل الهاتفي.
والتقينا بعون الإحصاء المذكور غير بعيد عن المكان المسمى «جونطي» بالقرب من الطريق السيار شرق غرب، حيث استقبلنا سفيان الذي يعمل مشرفا تربويا، بحفاوة على متن دراجته النارية، في حين أكد لنا أنه يقطن في إحدى مشاتي المنطقة، ويعرف جميع سكان المشاتي الموجودة في كسار لقلال، ما سيسهل عليه عمله ويجعل المواطنين يتجاوبون معه بشكل جيد.
وقد تتبعنا سفيان عبر مجموعة من المسالك نحو مزرعة يقطن بها شاب من سكان البلدية، حيث استغرقنا الوصول إليه حوالي 15 دقيقة، في حين لاحظنا في الطريق آثار الأمطار الأخيرة على المسالك.
وقد بلغنا المزرعة، يتقدمنا عون الإحصاء، حيث أوضح لنا أنه يستعمل دراجته النارية لتسهيل مهمته، لكون المسالك الجبلية في المنطقة صعبة ولا يمكن السير عبرها باستعمال السيارة، فضلا عن أن المرور من خلالها يتطلب استعمال الجرارات في بعض الحالات، كما أكد أنه يضطر إلى المشي على قدميه في بعض المناطق بسبب صعوبة المسالك. واستقبلنا صاحب المزرعة الذي بدا في بداية الأربعينات من العمر بحفاوة، حيث أخذ عون الإحصاء يطرح عليه الأسئلة، ليؤكد لنا صاحب المزرعة أنه يقطن بمفرده في المنزل المشيد فيها، بينما يقع مسكنه العائلي في مدينة ديدوش مراد، فشرح له سفيان أنه سيأخذ بعض المعلومات فقط ويدون بأن المسكن فردي، مستعملا عبارة «المنزل الذي ينصب فيه القِدر» ليقرب للسكان المعنى الدقيق لتصنيف المسكن العائلي. وقد تعرف صاحب المزرعة على العون من خلال لقبه، حيث أخذ يسأله عن حال عائلته وأقاربه وأفراد أسرته، ثم صار يشتكي من الصعوبات التي تواجهه في المنطقة نظرا لانعزالها، على غرار عملية السطو على بعض مواشيه التي تعرض لها مؤخرا وبعض النقاط الأخرى، في حين توقفنا في طريق عودتنا بمزرعة أخرى، التقينا فيها بشيخ مع ابنه وأحفاده، وبعد تبادل التحيات بدأ الشيخ يقدم المعلومات حول أفراد أسرته لعون الإحصاء.عدنا في المساء إلى مقر بلدية ديدوش مراد، حيث وجدنا أنّ المراقبين وبعض أعوان الإحصاء مجتمعون في مقر البلدية ينظمون العمل، بينما التقينا بعون أكد لنا أنه إطار في هيئة عمومية في الخمسينات من العمر، وقرر رغم ذلك «المشاركة في عملية الإحصاء من باب تقديم مساهمة هذا الإجراء المهم بالنسبة للدولة». من جهتها، قالت الأمينة العامة لبلدية ديدوش مراد، حورية عنّاق، أن البلدية مقسمة إلى 89 مقاطعة إحصائية يشرف عليها 87 عون إحصاء و13 مراقبا، حيث خضعوا للتكوين، في حين أشارت إلى أن بعض الأعوان انسحبوا من العملية وتم تعويضهم بالأعوان الاحتياطيين.
س.ح