لم ينل الموقع الأثري لمدينة ديانا فيتيرانوروم، ببلدية زانة البيضاء غرب ولاية باتنة، نصيبه من الترويج السياحي والثقافي، على عكس مواقع أخرى ارتبطت بتظاهرات فنية ورياضية، حيث ينتظر الموقع ديانا الذي تعني تسميته في الأساطير الإغريقية والرومانية آلهة الصيد والقمر، التثمين، بعد أن بادرت البلدية هذه السنة بمناسبة اليوم الوطني للسياحة، إلى تنظيم يوم إعلامي ونشاطات عدة للتعريف به، و يضم الموقع آثار حضارات تعاقبت من النوميديين، والرومان، والوندال، والبيزنطيين إلى غاية الحقبة الإسلامية، وتزخر زانة البيضاء أيضا، بمواقع طبيعية خلابة، إلا أن المنطقة التي صنفت كمنطقة ظل اليوم، تسعى للخروج إلى دائرة الضوء معتمدة على مؤهلاتها سياحيا.
روبورتاج: يـاسين عـبوبو
سهول خضراء وجبال و وهاد تحيط بمدينة ديانا
ويتساءل كل من اكتشف المنطقة لماذا بقي هذا الكنز السياحي والتاريخي مغفلا، وهو التساؤل الذي كان محور استطلاعنا الميداني بالمنطقة رفقة ابن المنطقة حسان مسعودي صاحب 37 ربيعا خريج جامعة باتنة، والذي يشغل منصب رئيس لجنة الشؤون الثقافية والاجتماعية ببلدية زانة البيضاء، بعد أن خاض لأول مرة غمار الانتخابات المحلية الأخيرة، ويأمل حسان الذي بادر تحت إشراف رئيس البلدية مناصر مصطفى، إلى تنظيم يوم دراسي بمناسبة اليوم العالمي للسياحة، لبحث سبل التعريف بالمنطقة وترقية السياحة الأثرية والجبلية بها، لما تتوفر عليه من مؤهلات بحاجة إلى تثمين.
التنقل إلى زانة البيضاء التي تبعد عن عاصمة الولاية باتنة بـ 48 كلم، لا يستغرق سوى 40 دقيقة، فالبلدية يسهل الولوج إليها والتنقل فيها، كونها تقع وسط سهول منبسطة على جانب الطريق الوطني 75 الرابط بين ولايتي باتنة وسطيف، والبلدية تنقسم إلى ثلاثة تجمعات حضرية، هي زانة البيضاء مركز البلدية، وثنية السدرة، وزانة أولاد السبع، حيث تتواجد بالأخيرة آثار مدينة ديانا الرومانية، التي كانت وجهتنا رفقة حسان الذي كان رفيقا ودليلا في جولتنا إلى الزانة البيضاء، وهي بلدية فلاحية بامتياز، تشد انتباه زائرها المستثمرات الفلاحية الكبرى المنتشرة هنا وهناك، والمنتجات الفلاحية الموسمية من خضر وفواكه يعرضها الفلاحون على حواف الطرقات.
وقبل الوصول إلى الموقع الأثري لمدينة ديانا، راح مرافقنا حسان يشير إلى المؤهلات الفلاحية التي تتوفر عليها المنطقة المترامية، على شكل مربعات خضراء، والتي تلعب دورا بارزا حسبه، في توفير المنتجات الفلاحية المتنوعة، وتوفير مناصب عمل للشباب، وفي لقائنا برئيس بلدية زانة البيضاء مناصر مصطفى، أكد بدوره بأن المنطقة فلاحية بامتياز، بالإضافة لتوفرها على مقومات سياحية تنتظر التثمين، ونفض الغبار عن الموقع الأثري لمدينة ديانا، وتأسف المير لوقوف عراقيل دون تطوير الفلاحة والدفع بالسياحة، متحدثا عن تراجع النشاط الفلاحي ومنتجاته مقارنة بسنوات مضت في فترة بداية الألفية بسبب تراجع موارد السقي، كاشفا عن مشروع ضخم لإنجاز سد بمنطقة تيطاوين انطلقت أشغاله سنة 1972 وتوقفت عند نسبة 40 بالمائة وسط ظروف غامضة، مؤكدا بأن بعث المشروع الذي يطالب به المجلس البلدي، من شأنه تطوير النشاط الفلاحي.
وقال المير بأن مجلسه يعمل أيضا على تنشيط السياحة بالمنطقة، بعد أن بادر لأول مرة إلى تنظيم يوم إعلامي بمناسبة اليوم العالمي للسياحة، بهدف تنشيط السياحة الداخلية لتواجد مواقع أثرية بالمنطقة، أبرزها مدينة ديانا الرومانية التي لاتزال بعض من اثارها تبدو بارزة، بالإضافة إلى تواجد آثار أخرى أرجع مختصون حسب المير تاريخها إلى الحقبة النوميدية، موضحا بأن المبادرة أتت بالتنسيق مع مديرية الثقافة، والمجلس الشعبي الولائي ومصالح حماية الآثار.
والزائر للموقع الأثري ديانا، سينبهر بالطبيعة المحيطة به والتي تمتد غربا من جبل الركنية، والذي تتواجد به حسبما يتداوله سكان المنطقة، مغارة يرجح أنها ترجع لإنسان ما قبل التاريخ، وتتواجد بها أيضا محجرة كانت تستخرج منها المادة الأولية في تشييد مدينة ديانا من طرف الرومان، وأشار مرافقنا حسان ونحن في الطريق إلى موقع ديانا، إلى تواجد مغارة أخرى بجبل بوكعبن لم يتم استكشافها، وليس ببعيد عن ديانا، تحدث حسان عن تواجد موقع روماني بمنطقة بوزعباطن، عبارة عن أرضية مبلطة وفسيفساء جميلة قال محدثنا بأنها لم تحظ بعد بالتنقيب والدراسة.
وأشار أيضا لتواجد جزء من إقليم زانة البيضاء بالحظيرة الوطنية بلزمة المحمية، بحيث تضم طبيعة عذراء وخلابة، تتألف من ثروة حيوانية ونباتية متنوعة، منها العرعار والبلوط، بالإضافة لتواجد ينابيع مياه واتخاذ مجموعات من الطيور المهاجرة محطة لها، وقال بأن، منطقة تيطاوين التي هي عبارة عن سهل تحيط به الجبال، كانت في سنوات الثمانينات مقصدا سياحيا تقام فيه المخيمات الكشفية، وتحدث عن إقامة مهرجان للفروسية قبل سنتين، وتأسف لصعوبة الوصول لمناطق يمكن أن تلعب دورا في السياحة الجبلية بسبب انعدام المسالك، منها موقع برج مراقبة يعود للحقبة الاستعمارية استغلته مصالح الغابات بعد الاستقلال في حراسة الثروة الغابية، قبل أن يطاله التخريب في العشرية السوداء، وقال حسان بأن إقليم زانة البيضاء يضم جزءا من منطقة هضبة مستاوة المشتركة مع بلدية وادي الماء، والتي تعد منطقة شاهدة على بطولة الثائر عمر عقيني ضد المستعمر الفرنسي.
أقواس النصر وساحة الفوروم وحمامات ومعبد معالم لمدينة ديانا
وبمواصلة استطلاعنا بالتوجه نحو موقع مدينة ديانا فيتيرانوروم المتواجدة بإقليم زانة أولاد سبع، راحت تتراءى لأعيننا بمجرد الاقتراب من الموقع الأثري أقواس النصر الحجرية، التي تنسب للقائد الروماني بشمال إفريقيا تراجان، وهي تشبه تلك المتواجدة بالمدن الرمانية القديمة على غرار تيمقاد وتازولت، وغيرها، وكان الهدوء يخيم على المنطقة لا يوجد بها سوى فريق مكلف بالأمن، يتخذ من سكن قديم مقرا له كنا قد تقدمنا منه، أين وجدنا المكلف بالأمن إبراهيم جرادي، الذي استقبلنا بوجه باسم، وكله مرح متمتعا بروح الدعابة، بعد أن استأذن بتفقد موقد طبق اللوبيا الذي يعده قبل التنقل للتجوال بالمواقع الأثري.
وكان عمي إبراهيم، وهو ابن المنطقة يحفظ كل ركن وكل زاوية من الموقع المحمي المسيج لمدينة ديانا الأثرية، بعد أن قضى 30 سنة في حراسته، فحفظت ذاكرته ما باحت به بعض الآثار البارزة وما كتبه الباحثون وأهل الاختصاص، حيث أن الموقع الذي يتربع على مساحة 99 هكتارا منها 76.5 مسيجة، لايزال بحاجة إلى استكشاف وإقامة حفريات وتنقيب، وهو ما لم يحدث طيلة فترة 30 سنة سوى مرة واحدة حسب عمي إبراهيم، وذلك خلال سنة 1990 من طرف فريق بحث ترأسته أمريكية تدعى إليزابيث بانترس لإجراء مسح واسع شمل إقليم سهل بلزمة، كما أشار عمي إبراهيم خلال جولتنا معه بموقع مدينة ديانا إلى توافد باحثين من جامعات مختلف ولايات الوطن، وتحدث أيضا عن بحث أكاديمي كان قد أجراه سنة 1986 الدكتور محمد فيلاح حول الموقع.
وتبرز بمدينة ديانا عديد المعالم، التي راح يتحدث لنا عنها لنسافر معه للحظات في الزمن، وكانت انطلاقتنا من أقواس النصر البارزة وهما اثنان أحدهما كبير يعرف بقوس ماكران ذي ثلاثة مداخل، وآخر في الاتجاه الشمالي يبعد عنه بأمتار، وهو قوس صغير ينسب للقائد العسكري الروماني ماركورال، الذي يعد أصغر قائد عسكري في الفرقة الأغسطسية الثالثة التي أقامت بمنطقة الزانة، وخلف القوس الكبير نجد ساحة كبيرة هي الفوروم الذي قامت عليه فيما بعد الكنيسة البيزنطية، وقد أشار لنا مرافقنا حسان إلى تميز هذه الكنيسة بالصليب الأحادي بالرسم الإغريقي المنقوش على حجارة تعد الوحيدة من نوعها، ولا تزال رغم مضي قرون من الزمن ساحة الفوروم والأقواس صامدة تبرز فكر وفلسفة حضارات في التصميم والبناء، و تطرق عمي إبراهيم لغياب آثار المسرح الذي عادة ما يكون متواجدا بالمدن الرومانية، وقال بأن احتمال هدمه واستغلال حجارته في تشييد الحصن البيزنطي فرضية واردة حسب بعض الباحثين، وأشار في سياق اخر، لذهاب أحد الباحثين لتواجد جيش من الخيالة بالمنطقة، بالنظر لوجود مربعات حجرية تمثل اسطبلات الخيول.
وأسفل قوس ماركورال، أشار لنا عمي إبراهيم لنقيشة ديانا التي ترمز في الأساطير الرومانية والإغريقية لإلهة الصيد والقمر، وأشار محدثنا أيضا إلى قنوات تصريف مياه الأمطار متناهية الدقة بساحة الفوروم بالإضافة لخزانات تجميع المياه، وقال عمي إبراهيم بأن الباحثين أكدوا بأن هذه المسالك والخزانات بهندستها لها دور في الحفاظ على ما تبقى من آثار المدينة خاصة منها ساحة الفوروم، التي لم تتضرر كثيرا بفعل تعاقب الحضارات بالمنطقة مقارنة بمعالم أخرى، حيث وقفنا أيضا على معالم للحمامات المعدنية المتواجدة بالجهة الشرقية والغربية، والتي تنتشر بمحيطها آثار للفخار والفسيفساء، وتتواجد أيضا آثار منازل النبلاء ومعصرة ومقبرة، والمذبح الروماني وقوس معبد ديانا حسب الشروحات التي كان قد تلقفها عمي إبراهيم من زيارات الباحثين، وتضم المدينة أيضا ما تبقى من أنقاض الحصن والقلعة البيزنطيين المشيدين بحجارة أقواس ماكران
وقبل أن نغادر موقع ديانا، الذي لايزال يحفظ أسرارا تنتظر البحث، كشف عمي إبراهيم عن تواجد اثار أخرى بمنطقة القرقور الواقعة بين إقليمي زانة البيضاء وسريانة تتمثل في نقوش بالكتابة الليبية القديمة، وهي محفوظة بمتحف تيمقاد، الأمر الذي اعتبره باحثون حسب عمي إبراهيم دليلا على تنوع الحضارات من نوميدية ورومانية، وأن سكان الموقع وصلوا إلى قمة الحضارة باستعمال الكتابة.
لا مرافق ولا خدمات
خلال زيارتنا لمنطقة زانة البيضاء، من حسن حظنا كان الشاب حسان ابن المنطقة بمثابة دليلنا فالمنطقة لا توجد بها إشارات توجه أو توحي بأننا سندخل إقليم منطقة أثرية، وعلى الرغم مما يزخر به الموقع من اثار ضاربة في التاريخ، إلا أنها لاتزال لم ترو أسرارها التي تنتظر التنقيب والاستكشاف للبوح بها، وهو من المطالب التي أكد حسان طرحها بمناسبة احتفالية إحياء اليوم الوطني للسياحة، إضافة لمجموعة من المطالب الموجهة للسلطات المختصة للنظر فيها، منها ضرورة توفير هياكل ومرافق لتشجيع السياحة الداخلية.وبموقع ديانا الأثري لاحظنا غياب الكهرباء لإنارة الموقع ليلا، على عكس مواقع أخرى تمت إنارتها، كما أن الموقع المعزول يفتقد لمراحيض، الأمر الذي جعل عمي إبراهيم يقع في مواقف حرجة مع زوار ووفود طلابية من الجامعات أتوا إلى موقع ديانا، وقال لنا عمي إبراهيم بأنه اجتهد لإنجاز مرحاض بمصب على الطريقة التقليدية، في انتظار إنجاز مراحيض للزوار، وأوضح من جهته حسان بأنه أعد تقريرا مفصلا حول النقائص، يتضمن ضرورة إنجاز مراحيض بمحيط الموقع بالإضافة لمقترحات أخرى، منها إنجاز مجسمات تحاكي الآثار المتواجدة بالزانة على غرار أقواس النصر عند تقاطع طرقات مداخل البلدية حتى يعرف مستخدمو الطريق أن المنطقة أثرية وسياحية، ومن المقترحات التي أعدها المجلس البلدي أيضا، تهيئة طرقات وإنجاز مرافق لتشجيع البحث العلمي، وبعث السياحة بالمنطقة. ويرى الإعلامي طاهر حليسي في حديثه لـ»النصر»، بأن مدينة ديانا فيتيرانوروم من المواقع الأثرية المهمة، شأنها شأن مدينتي تيمقاد ولامبيز، غير أنها لاتزال غير معروفة لعدة أسباب، منها عدم وجود دراسات تعريفية وبحثية في مختلف الدوريات المتخصصة، وفي الإعلام، وبعدها عن المراكز الحضرية الكبرى مقارنة بغيرها من بعض المدن الأثرية، مؤكدا إمكانية تثمين الموقع عبر بعث مهرجان أو نشاط رياضي خاص بالمنطقة، ما سيساهم في الترويج لها بشكل كبير كما نجح في ذلك مهرجان تيمقاد الدولي في التعريف بتيمقاد، وكما فعل ماراطون إمدغاسن ومهرجان إمدغاسن للفيلم القصير، للتعريف بالضريح الملكي النوميدي، وأضاف محدثنا بأن هذه الطريقة تعتمدها الدول للفت انتباه السياح إلى الكنوز الأثرية، مثمنا مبادرة لإقامة مهرجان للضحك بزانة البيضاء في حال تنظيمه معتبرا ذلك خطوة أولى للتعريف بالمدينة.
من جهة أخرى، أفاد مدير قطاع السياحة بولاية باتنة لـ «النصر»، بأن مصالحه بادرت بالتنسيق مع مديرية الثقافة والمنظمة الوطنية للسياحة الداخلية، والمجلس البلدي للزانة البيضاء، إلى تنظيم يوم دراسي بمناسبة اليوم الوطني للسياحة، قصد تنشيط السياحة بالمنطقة لما تتوفر عليه من مؤهلات طبيعية وأثرية وتاريخية.
* الدكتور جمال مسرحي أستاذ التاريخ القديم بجامعة باتنة 1 للنصر
مدينة ديانا إرث حضاري يكتسي أهمية تاريخية في شمال إفريقيا
أكد الدكتور الباحث في تاريخ الجزائر القديم جمال مسرحي، بأن الموقع الأثري لمدينة ديانا الرومانية يشكل إرثا حضاريا وجب الحفاظ عليه ولو استدعى ذلك الاستعانة بالخبرات الأجنبية المختصة، من أجل قراءة صحيحة لتاريخ المنطقة، مبرزا في هذا الحوار مع النصر، أسباب اهتمام الرومان منذ القديم باحتلال مواقع بالأوراس شيد عليها مدنا عسكرية على غرار تيمقاد ولامبيز وديانا، كما أبرز الباحث أن منطقة زانة تعد من إحدى أقدم مناطق الاستيطان البشري والتي بدأت فيها الإشارات الأولى للحضارة الإنسانية في الشمال الافريقي، كونها تقع في محيط يضم مواقع مهمة لفترة ما قبل التاريخ كموقع عين الحنش قرب العلمة، وموقع مشتة العربي غير البعيد أيضا عن العلمة والذي عثـر به على جماجم للإنسان العاقل الذي ينتمي إلى العصر الحجري القديم
حاوره: يـاسين عـبوبو
النصر: كيف نشأت مدينة ديانا؟
معسكر مدينة زانا يكتسي موقعه أهمية بالمنطقة الواقعة في السفوح الشمالية الغربية لجبال الأوراس ذات التربة اللحقية التي يعود تكوينها إلى الزمن الكريتاسي (وهو جزء من الزمن الجيولوجي الثاني) الذي ظهرت خلاله قارتا إفريقيا وأمريكيا الجنوبية .. وكانت هذه المنطقة إحدى أقدم مناطق الاستيطان البشري والتي بدأت فيها الإشارات الأولى للحضارة الإنسانية في الشمال الافريقي ومنطقة زانا واقعة في هذا المحيط الذي يضم مواقع مهمة لفترة ما قبل التاريخ كموقع عين الحنش قرب العلمة، ثم موقع مشتة العربي غير البعيد أيضا عن العلمة والذي عثر به على جماجم للإنسان العاقل الذي ينتمي إلى العصر الحجري القديم الأعلى، ناهيك عن مناطق أخرى ذات أهمية تاريخية كبيرة تعود إلى العصر الحجري الحديث وغيره.
وأطلق على مدينة زانا اسم ديانا فيتيرانوروم (Diana Vétéranorum) وديانا هي آلهة (معبودة) رومانية نجدها في الاساطير الاغريقية الرومانية تختص بالصيد والطبيعة المتقلبة، أما كلمة فيتيرانوروم اللاتينية فتعني نسبة مدينة ديانا إلى الجنوب المتقاعدين (Les Vétérans) الذين أنهوا عملهم العسكري في الجيش الروماني، الذي غالبا كان يتكون من الفيلق الأغسطي الثالث (La 3eme Légion Auguste) والفرق المساعدة له. وقد أنشئت حسب ما تشير إليه الكتابات التاريخية أثناء فترة حكم الامبراطور تراجان (Trajan) (98-117م) من قبل الجنود المسرحين، كمدينة عسكرية على غرار المدن التي شيدها الرومان في المنطقة خلال هذه الفترة تحديدا.
النصر: وماذا عن الجدل ما إن كانت موقعا عسكريا أم مدنيا؟
كانت نشأة المدينة ذات طبيعة عسكرية منذ الوهلة الأولى على غرار الكثير من مدن الأوراس كلاماسبا (Lamasba) مروانه، لامبيز (تازولت)، تيمقاد(Timgad)، لامجيغا (Lamgiga) (سريانه)، تاكاراتا (Tacarata) (عين التوته) ثم لامبيريدي(Lambiridi) وغيرها، وكما يلاحظ من تعدد المدن وانتشارها في مختلف مناطق الكتلة الاوراسية فإن الهدف من إنشائها كان واحدا هو تطويق الكتلة الأوراسية للحد من تحركات السكان المحليين، والتصدي لثوراتهم ضد الجيش الروماني والوصول إلى ما كان يعرف بالسلم الروماني (pax Romana) وبالتالي فتح الطريق وتسهيل المهمة أمام المؤسسة العسكرية الرومانية لتثبيت دعائم الاحتلال الروماني عن طريق الاعتماد على سياسة الاستيطان الروماني في المنطقة، وذلك بجلب المستوطنين من روما ومن المقاطعات الرومانية أو عن طريق تدعيم إقامة الجنود المسرحين بمنحهم أراضي فلاحية وتزويدهم بالعبيد لخدمتها.
وكانت وظيفتها الأساسية قيام الجنود المتقاعدين الذين يقطنون بها، بالحراسة و التصدي للهجمات التي كان يقوم بها من حين لآخر السكان المحليون، ضد مراكز الجيش الروماني أو منشآته الحيوية، وقد تنقل جنود الفيلق الأغسطي الثالث من مقر قيادة في لومبازيس (Lambaseis) تازولت حاليا إلى الشمال الغربي للأوراس، و غيره من المناطق للتصدي لهجمات الثوار أو حتى تحركات السكان التي كان تعيق نشاطهم العسكري واحتفظت المدينة المعسكر باسمها الأساسي ديانا فيتيرانوروم إلى فترة متأخرة، ولم يتغير ليصبح زانا إلا بعد انخراط المنطقة بالكامل في الفتوحات العربية الإسلامية للشمال الافريقي.
ويبدو أن المدينة لم تفقد استراتيجيتها حتى عشية الفتح الإسلامي أثناءه، حيث تشير إليها بعض المصادر الإسلامية كأبي عبيد الله البكري الذي ذكر أن القائد الفاتح عقبة ابن نافع الفهري، كان قد فتح مدينة زانا في معرض حديثه عن استيلاء عقبة على الأوراس، كما أن مدينة زانا قد تعرضت للتدمير بشكل كبير سنة 933 م، أي أثناء الحكم الفاطمي.
النصر: ما القيمة التاريخية التي يكتسيها الموقع الأثري لمدينة ديانا؟
كما رأينا من خلال ما استعرضناه من تاريخ المنطقة يمكننا أن نؤكد على أن هذا التاريخ هو إرث وطني سجله الزمن باسم الجزائر، وعليه فمسؤولية الحفاظ عليه تقع على الجزائر، سواء تعلق الأمر بالسلطة الوصية أي وزارة الثقافة أو السلطات المحلية في هذه المناطق التي تحتوي على المدن الاثرية، ولا أستثني بأي حال من الأحوال مسؤولية الشعب في الحفاظ على هذا الإرث الذي يعتبر كنوزا ثمينة تزخر بها بلادنا، بل ثروة حقيقية مادية ومعنوية في آن واحد. كيف لا وهي تجسد تعاقب الحضارات التي مرت بها بلادنا وعاشها شعبنا على مر العصور. ومن ثمة فمن الضروري تنسيق الجهود بين مختلف الهيئات لا سيما وزارتي الثقافة، والتعليم العالي من جهة ثم السلطات المحلية من جهة أخرى من أجل أولا حماية هذا الإرث الحضاري من التخريب والاندثار، ثم العمل على تسهيل عملية الحفر والتنقيب التي يجب أن تسند طبعا إلى فرق بحث مختصة في الاثار، ولا مانع من الاستعانة بالخبرة الأجنبية لأن هذا المجال دقيق جدا ويتطلب أخصائيين في علم الاثار من أجل القراءة الدقيقة والصحيحة لما يعثر عليه ثم ضرورة القيام بالترميم اللازم للمعالم التي يجب أن ترمم، كما يجب تفعيل وتثمين الاطار القانوني والتشريعي الذي يكفل الحماية اللائقة لهذه الاثار وهذه المعالم التاريخية التي تمثل حضارتنا وهويتنا.
ي.ع