يشهد سوق السيارات المستعملة بحامة بوزيان بقسنطينة حالة ركود مترتبة عن وضعية الحذر التي اتخذها الراغبون في اقتناء مركبات، على خلفية المعطيات الجديدة التي برزت خلال الأسبوع الماضي بخصوص منح الاعتمادات لثلاثة متعاملين بإدخال مركبات جديدة ابتداء من الشهر الجاري، حيث يلاحظ أن حجم العرض في السوق قد تجاوز الطلب، بسبب رغبة ملحة لدى العارضين من أجل البيع تجنبا لمزيد من الخسارة وخوفا من المجهول الذي تحمله الأيام القادمة بالنسبة إليهم، في مقابل التردد الكبير الذي يبديه المشترون، خصوصا المقبلون منهم على الأنواع التي تسجل انتشارا ويقصدها ذوو الدخل المتوسط، حيث يستبشرون خيرا.
روبورتاج: سامي حبّاطي
وبدا سوق حامة بوزيان للسيارات المستعملة بقسنطينة عامرا بالبائعين قبل الساعة الثامنة صباحا خلال زيارتنا له يوم أمس، حيث سجل وجود مركبات تحمل ترقيم العديد من الولايات، على غرار سكيكدة وميلة وجيجل، فضلا عن أخرى من سطيف، لكن بدرجة أقل، كما تغلب على المكان المركبات التي تحمل ترقيم ولاية قسنطينة. وقد كانت مركبات أخرى تتوافد على السوق خلال تواجدنا فيه، حيث كان أصحابها يسعون إلى إيجاد مكان للركن بين السيارات الأخرى التي سبق أصحابها بالوصول، فضلا عن بعض البائعين الذين أكدوا لنا أنهم قضوا الليلة السابقة في المكان من أجل الحصول على زبون.
بائعون يتنقلون
بين الأسواق
ولاحظنا في المكان عددا أقل من المواطنين الراغبين في اقتناء مركبة والفضوليين الذين اعتادوا التجول في السوق، حيث تحدثنا إلى عدد من أصحاب المركبات التي تحمل ترقيم ولايات أخرى، وأكدوا لنا أنهم يزورون سوق حامة بوزيان بعدما جالوا بمركباتهم على العديد من الأسواق الأخرى، في حين اعتبر مشترون وجود ترقيم العديد من الولايات مؤشرا على حالة الركود التي تعرفها عمليات البيع، وقال أحدهم معلقا على وجود المركبات التي تحمل ترقيم سطيف “في سطيف يوجد سوق أكبر من سوق حامة بوزيان، ولو كان الإقبال على الشراء كبيرا هناك لما وصلت هذه المركبات إلى الحامة”، في الوقت الذي حدثنا فيه بائع عن أنه قرر التوجه بمركبته إلى سوق سطيف بعدما لاحظه من ركود في سوق الحامة.
وتحلق العديد من السماسرة وأصحاب المركبات في مجموعات في السوق، حيث انصب حديث الكثيرين منهم حول الركود في حالة البيع، كما لم يخفوا تذمرهم، رغم تغييرهم النبرة بمجرد تقرب أحد المواطنين للسؤال عن العروض التي تلقوها، سعيا منهم إلى إقناع الزبائن بالشراء وبأن السوق في وضعية طبيعية. وقد لمسنا في المشترين وحتى في البائعين العاديين من أصحاب المركبات، أملا في تراجع الأسعار بشكل أكبر خلال الأشهر القادمة مع دخول المركبات الجديدة.
وتقربنا من صاحب مركبة “سيمبول” مصنوعة في عام 2013، حيث قال إنه تلقى عرضا بـ145 مليون سنتيم لكنه ما يزال ينتظر أكثر لـ”يسرحها”، في حين تقرب منه شخص وسأله عن العرض، ثم قام بمعاينتها وفكر قليلا، ثم غادر، ليؤكد لنا هذا الشخص بعد ذلك أنه موظف ويمكنه بمبلغ مماثل أن يقتني مركبة جديدة عند بداية بيعها، مع الاستعانة بقرض بنكي، في حين رأى أن اقتناء مركبة مرت عليها عشر سنوات بهذا السعر أمر غير معقول بالنسبة إليه، خصوصا وأنه “سيجد نفسه عالقا في الكثير من الأعطاب” بعد ذلك. ولم يبد كثير من المتجولين في السوق تعاطفا مع البائعين، حيث اعتبر من تحدثنا إليهم أن السماسرة استغلوا السنوات الماضية لإلهاب السوق، حتى بلغت أسعار سيارات عادية سقفا خياليا لم تعد معه تختلف عن العلامات الفاخرة، رغم أنها لا تتوفر على الكثير من المزايا.
عروض أقل
من المتوقع!
وقد لاحظنا حضورا ضعيفا للسيارات التي كانت تركب محليا، على غرار «لوغان» و»سيتيبواي» و»سيمبول» وغيرها من العلامات التي تعود فترة تصنيعها إلى ما بين سنوات 2017 إلى غاية 2019، في مقابل حضور لافت لمركبات أقدم من حيث سنة التصنيع. أما المركبات الجديدة التي تعود إلى السنة الماضية فتعرف حضورا محتشما جدا، حيث لم نصادف إلا صاحب سيارة واحدة خلال جولتنا، قام بعرض مركبة من نوع «داستر» يعود تاريخ صنعها إلى السنة الماضية، وأوضح لنا أنه قد عرض عليه أول أمس مبلغ 480 مليون سنتيم مقابلها، وعندما سألناه عن طريقة استيرادها، اكتفى بالقول إنها اقتنيت من الشركة المصنعة.
وقد التقينا بعدد من أصحاب المركبات الذين لم يتلقوا عروضا رغم اقتراب الساعة العاشرة صباحا، على غرار صاحب مركبة من نوع «سيمبول» تعود إلى سنة 2017، أوضح لنا أنه لم يتلق أي عرض، مؤكدا أن عداد محركها قد تجاوز 130 ألف كيلومتر، في حين تلقى صاحب مركبة «سيمبول» أخرى عرضا بـ155 مليون سنتيم ويعود تاريخ صنعها إلى 8 سنوات وتجاوز محركها 180 ألف كيلومتر، في حين وقفنا على حديث بين شاب يعرض مركبة من نوع «سيمبول» تعود إلى 2017، وشابين تقدما منه وقاما بمعاينتها، ثم عرضا عليه مبلغ 130 مليون سنتيم مقابلها، ليقهقه صاحبها ثم قال «سيارتي في حالة ممتازة، بل إنها جديدة... من غير المعقول أن تعرضا علي مبلغا مماثلا».
ولم نصادف أي عملية بيع خلال تواجدنا في السوق، باستثناء حالة واحدة سألنا صاحبها عن العرض الذي تلقاه في سيارته من نوع «ماروتي» يعود صنعها إلى 2011، فرد علينا بإمكانية بيعها لشخص كان يقف معه وكانا في حالة تفاوض، في حين استوقفنا جدل بين كهل يعرض مركبة من نوع «سيمبول» يعود تاريخ تصنيعها إلى سنة 2010 وسارت لأكثر من 245 ألف كيلومتر، حيث قال إنه تلقى عرضا بـ125 مليون سنتيم، لكن شابا كان في المكان ألح عليه بقبول عرضه وبيعها له بنفس السعر، وهو ما لقي رفضا قاطعا من صاحبها، ثم بعد جدل طويل بينهما، رفع الشاب سعرها إلى 126 مليون سنتيم، وقد أصر على معرفة الثمن الذي يطلبه صاحبها، لكنه لم يتلق جوابا في البداية، ثم بعد حديث بينهما أسر له البائع بصوت منخفض أنه يطلب أكثر من 132 مليون سنتيم!
مواطنون ينتظرون المركبات الجديدة لمعرفة معدل الأسعار
وذكر لنا بائع في السوق، كان يعرض مركبة قديمة من نوع «رونو 21» أن زبائن السوق متخوفون من الشراء بسبب ضبابية الوضع، حيث قال إنه يتلقى عروضا منذ بداية الصباح، لكنها لا تأتيه من أشخاص راغبين حقا في الشراء، بسبب التردد الكبير وغلبة التوقعات بانخفاض الأسعار في المستقبل القريب. وأضاف نفس المصدر أنه تلقى عرضا بـ44 مليون سنتيم، حيث اعتبر أن هذا السعر منخفض مقارنة بفترات سابقة.
أما صاحب مركبة من نوع «أفيو» تعود سنة تصنيعها إلى 2004، فقد أوضح لنا أنه تلقى مقابلها عرضا بـ75 مليون سنتيم في سوق حامة بوزيان، مؤكدا أنه اقتناها منذ حوالي 6 أشهر بمئة مليون سنتيم. واعتبر محدثنا أن السوق قد انهار كثيرا، خصوصا يوم أمس على مستوى حامة بوزيان، مضيفا أن من يقصدون الشراء قليلون والأمر مقتصر على من يقدمون العروض فقط، في حين أكد أنه لن يبيع مركبته بهذا السعر المنخفض الذي تلقاه.
من جهته، توقع شاب، قال إنه قصد المكان من أجل الشراء، أن ينهار السوق، كما قال إنه يتوقع أن تجديد الحظيرة قد يؤثر سلبا على سير المركبات القديمة، خصوصا السيارات التي يعود تاريخ تصنيعها إلى القرن الماضي. وأضاف نفس المصدر أنه لن يقتني مركبة جديدة من سوق حامة بوزيان، حيث سيدرس وضعية السيارات المستعملة بحسب قدراته، ومن غير الممكن، بحسبه، أن يتجه إلى المركبات الفاخرة، إلا أنه اعتبر أن أرقام العروض المتداولة حاليا في السوق مجرد «قيم وهمية» ولا يمكنه الاستناد إليها لتقييم الوضع.
تراجع بما بين 30 إلى 50 مليون سنتيم
في العروض
وقد عبر محدثنا عن الوضع بالقول إن أسعار عمليات البيع والشراء هي ما يمكنه أن يستند إليها، لكنه قال إن من يقومون بالبيع والشراء يخفون السعر الحقيقي غالبا، ولا يمكنه تكوين نظرة حول السوق من خلال ذلك، في حين ستكشف الأيام القادمة عن وضعية السوق عند دخول السيارات الجديدة لأن أسعارها ستكون معلنة وستقدم المعدل الحقيقي والواقعي لأسعار المركبات، حتى المستعملة منها. وأضاف نفس المصدر أن هامش الربح في السيارات المستعملة سينخفض حينها، وهو ما سيمس البائع والراغب في الشراء أيضا.
وقد التقينا مجددا بعدد من أصحاب المركبات الذين لم يتلقوا عروضا بعد، رغم مرور الساعة العاشرة، حيث أخبرنا أحدهم أنه سيغادر السوق، في حين تلقى آخرون عروضا منخفضة جدا، على غرار صاحب مركبة من نوع «كليو» يعود تاريخ صنعها إلى 2018، لكنه أكد لنا أنه لم يتلق أي عرض بعد بشأنها، كما بلغ التردد ببائعين، تقربنا إليهم على أساس أننا زبائن، حد رفض منحنا إشارة إلى أن قيمة العرض قريبة من السعر الذي يرغبون به أم لا، حيث ذكر لنا بائع أنه تلقى عرضا بـ145 مليون سنتيم مقابل سيارته من نوع «نيسان صاني»، المصنعة عام 2012، ثم اكتفى بالقول «قدم عرضك وسنرى» عندما سألناه عما إذا كان العرض قريبا مما يطلبه.
أما صاحب مركبة من نوع «بيكانتو» يعود تاريخ صنعها إلى 2012، فأوضح لنا أنه تلقى عرضا بـ147 مليون سنتيم، وقال إنه اقتناها منذ حوالي 15 يوما فقط، مؤكدا أن قيمة العرض الذي تلقاه قريبة جدا من سعر اقتنائها. ولاحظنا أن المركبات من نوع «شيري كيوكيو» قليلة جدا، حيث التقينا بصاحب مركبة أخبرنا أنه تلقى عرضا بسبعين مليونا، لكنه اعتبر أنها ما تزال بعيدة عن قيمتها، في حين قال صاحب مركبة من نوع «ليون» يعود تاريخ صنعها إلى 2018 إنه تلقى عرضا بـ465 مليون سنتيم. وأوضح لنا أصحاب مركبات فاخرة أن قيمة العروض لم تسجل تراجعا كبيرا بالنسبة إليهم.
سماسرة يلومون «فيسبوك» ومنصات البيع والشراء
وقدر من تحدثنا إليهم التراجع في قيمة العروض إلى ما بين 30 إلى 50 مليون سنتيم، مقارنة بالأشهر الأخيرة من العام فقط، حيث عزوا ذلك إلى الإجراءات الجديدة التي أعلِن عنها حول ملف السيارات، مؤكدين أن تراجع السوق قد وقع تباعا. وقد التقينا بصاحب مركبة من نوع «لوغان» يعود تاريخ صنعها إلى 2015، حيث أكد أنه تلقى عرضا بـ205 ملايين سنتيم، في حين أخبرنا شخص كان بالقرب منا أنه وجد مركبات من نفس النوع على منصات البيع والشراء الإلكترونية بسعر أقل.
في المقابل، يعزو بائعون «الاضطراب» الذي يعرفه سوق السيارات المستعملة إلى اعتماد الكثير من الراغبين في الشراء على منصات التواصل الاجتماعي ومواقع البيع والشراء، حيث قال أحدهم «إنها لا تعطي الأشياء قيمتها الحقيقية»، مضيفا أن البائعين عبر الانترنيت «يقدمون أسعارا غير حقيقية لإغراء الشارين فقط».
ويذكر أن سوق السيارات المستعملة تسجل الوضعية المذكورة بعد أقل من أسبوع من منح الاعتمادات لوكلاء ثلاث علامات من أجل استيراد السيارات الجديدة، حيث يتعلق الأمر بعلامة «فيات» الإيطالية و»جاك» الصينية و»أوبيل» الألمانية، فيما أكد وزير الصناعة أن أشغال إنجاز مصنع «فيات» تعرف تقدما كبيرا فضلا عن أن مصنع «رونو» يعرف ديناميكية جادة، كما أوضح أن منح الاعتمادات يأتي في سبيل تمكين المواطنين من اقتناء مركبات جديدة ابتداء من شهر
مارس. س.ح