قطع نشاط تربية المائيات بولاية سكيكدة في الآونة الأخيرة، أشواطا كبيرة وحقق قفزة نوعية أهلته لاحتلال الريادة على مستوى ولايات الجهة الشرقية للوطن، بفضل المشاريع الاستثمارية المنتجة للثروة والتي دخلت حيز الخدمة مطلع السنة الجارية بمزرعة الأقفاص المائية في منطقة المرسى، بطاقة إنتاج تقدر بـ700 طن في السنة ومزرعة أخرى ينتظر أن تتجسد قريبا، ما يساهم في توفير مناصب الشغل وتحريك عجلة التنمية الاقتصادية، فيما يرتقب أن تشرع مديرية الصيد البحري وتربية المنتجات الصيدية خلال الأيام القادمة، في فسخ عقود المستثمرين المتقاعسين والوهميين، الذين لم يجسدوا مشاريعهم.
ولتسليط الضوء على هذا النشاط الحيوي الهام بسكيكدة التي تصنف بكونها أكبر ولاية ساحلية بالوطن، كان لنا لقاء مع المدير الولائي للصيد البحري والمنتجات الصيدية، نعيم بلعكري، حيث أوضح أنه تعرف حاليا 9 ولايات، نشاط تربية المائيات، وسكيكدة كانت السباقة في الشرق الجزائري، إلى تجسيد أول مشروع من هذا النوع في تربية المائيات، حيث من شأنه تشجيع المستثمرين على مستوى الشرق وبمختلف مناطق الولاية، حتى ينخرطوا في مثل هذه الاستثمارات المنتجة للثروة والخلاقة لمناصب الشغل.
خصائص مدروسة لاختيار مواقع تربية المائيات
وعاد بنا المتحدث إلى الخطوات الأولى قبل تجسيد هذا المشروع من خلال الدراسة السابقة التي قام بها المركز الوطني للبحث والتنمية في الصيد البحري وتربية المائيات، لتحديد أهم وأفضل المواقع الملائمة لتربية المائيات، ولم يقتصر ذلك على مستوى موقع المرسى فقط، فالدراسة توصلت إلى اختيار عدة مواقع أخرى على الشريط الساحلي بولاية سكيكدة.
وتتم عملية اختيار المواقع باعتماد عدة مقاييس وخصوصيات، انطلاقا من كونها مناطق غير مقصودة من طرف الصيادين أو غير مصنفة للصيد البحري حيث تكون في عمق معين ومحمية من الأمواج الكبيرة، كما يجب أن تكون مناطق خالية من التلوث البحري. وقد تم اختيار كركرة، القل، واد بيبي، واد زهور ومن المنتظر أن تكون فيها استثمارات في تربية المائيات.
وتعتبر مزرعة «أكوا سارل رويال»، حسب المتحدث، أول مزرعة نموذجية في تربية المائيات في الأقفاص العائمة، تدخل حيز الخدمة والاستغلال رسميا، بقدرة إنتاج تصل إلى 700 طن سنويا، بعد أن قام صاحبها بعملية الاستزراع في 2021، ثم تلتها عملية تسويق المنتج للمستهلك مباشرة، حيث يحتوي المشروع على ثمانية أقفاص، بينها خمسة مستزرعة بسمك القاجوج الملكي بما يوفر 18 منصب عمل، كما توجد مزرعة ثانية ستشرع في العمل بعد وصول التجهيزات من الخارج والشروع في تركيبها قريبا.
وأشار المتحدث، إلى أن عدد المستثمرين الذين أودعوا ملفاتهم للاستثمار في هذا المجال، يعرف زيادة، حيث تم تسجيل ما يفوق 20 ملفا سيتم عرضها أمام اللجنة الولائية لدراستها ومعرفة من هم المستثمرون المؤهلون ومن تتوفر فيهم القدرات، حيث سيتم أخذها بعين الاعتبار، لاسيما المستثمرين من الصيادين، بحكم معرفتهم الجيدة بهذا النشاط البحري.
ودعا المتحدث، الصيادين لدخول مجال الاستثمار والانخراط في هذا المسعى، لكونهم يتوفرون على إمكانيات كبيرة ويمارسون نشاط تربية المائيات الذي يعتبر أقرب للصيادين من غيرهم، بحكم حسن معرفتهم وتعاملهم مع السمك والتسويق، مؤكدا أن باب الاستثمار يبقى مفتوحا أمامهم وبأن المرافقة متوفرة، خصوصا أن تربية المائيات لا تنافس الصيد البحري وإنما تكمله، حيث اقترح تشكيل تعاونيات من مجموعة من الصيادين ودخول مجال الاستثمار في تربية المائيات، على أن يجدوا كل المرافقة والدعم.
مساع لرفع العراقيل وتطهير القطاع من المتقاعسين
أما العوائق التي كانت تعرقل تجسيد هذه المشاريع الاستثمارية، فأرجعها مدير الصيد البحري إلى تراكم الملفات الذي حال دون تنفيذ المشاريع، لكن بمجيء الوالية، تم إيجاد الحلول المناسبة لدفع الاستثمار في هذا المجال، مثمنا مجهوداتها الجبارة لدفع القطاع الذي أعطته مثلما قال، أولوية كبيرة من منطلق أن سكيكدة تصنف أكبر ولاية ساحلية بالجزائر وهذا أمر شجعه كثيرا، يقول، على مضاعفة الجهود لإعادة تحريك عجلة التنمية بهذا القطاع، وقد شُرع في قطف أولى الثمار، من خلال مشروع المرسى، حيث بدأ المستثمر في تسويق السمك للمستهلك والأمور تسير بوتيرة متسارعة وتبشر بمستقبل واعد، يبرز المسؤول. وكشف المتحدث، أنه سيشرع خلال الأيام القادمة، في عملية تطهير واسعة لفسخ عقود جميع المستثمرين الوهميين والمتقاعسين، الذين لم يجسدوا مشاريعهم رغم أن الدولة رافقتهم وقدمت لهم الدعم، حيث ظلت حبرا على ورق ولم تجسد على أرض الواقع وهناك من ضمنهم مستثمرون حائزون على عقود امتياز في البحر، مضيفا بان هناك استعدادا لمرافقتهم من أجل تجسيد المشاريع وفي حال تأخروا عن ذلك، فإن المصالح المعنية ستضطر في الأيام القادمة لفسخ عقودهم بالموازاة مع وجود طلبات للاستثمار في تربية المائيات على طاولة اللجنة الولائية، ستتم دراستها قريبا.
تأخر في إنشاء مزارع الجمبري
ويرتبط تجسيد مشاريع المستثمرين الذين قاموا بعرضها أمام وزير القطاع السابق خلال زيارته الأخيرة للولاية، بإتمام أشغال تهيئة منطقة النشاط بالمرسى والتي تتربع على 18 هكتارا، وقال بلعكري إن نشاط هؤلاء ليس في البحر وإنما على اليابسة ويخص تربية الجمبري، بحكم أن ملفاتهم لدى اللجنة الولائية، حيث وبعد الدراسة منحت لهم الموافقة الأولية والامتياز لمدة 25 سنة قابلة للتجديد لإنشاء مؤسسات يختص نشاطها في تربية المائيات، لكن بسبب تأخر تهيئة منطقة النشاطات، تم التريث في الأمر وسيتم حل هذا الإشكال قريبا. وسيُسمح للمستثمرين حال الشروع في تجسيد مشاريعهم على اليابسة ولاسيما في الجمبري، بالاستفادة من قطعة أرضية لإنجاز ملاحق صغيرة خاصة بالمزارع البحرية مثل المرائب، فضاءات تخزين العلف والسمك ومكاتب إدارية على ألا تتجاوز المساحة 1500 متر مربع، وذلك في إطار مشاريع متوسطة تعتمد على تقنيات تكثيف الإنتاج.
وبخصوص نقص الجمبري في السوق رغم وجود محطة خاصة به، فأكد المتحدث أن الوضع سيكون أفضل وستكون هناك وفرة للمنتوج في السوق بعد الانتهاء من إعادة تهيئة المحطة، لأن تربية الجمبري، حسبه، تتطلب مساحة كبيرة جدا، بالإضافة إلى تكوين المستخدمين والتقنيين من طرف مهندسين وخبراء من المركز الوطني للبحث والتنمية في الصيد البحري، وهذا ما سيتم العمل على القيام به في محطة المرسى، مع المرافقة إلى غاية تجسيد مشاريعهم وتمكينهم من أساليب وطرق التسيير دون الاستعانة بالأجانب.
وثمن المتحدث القرار الوزاري المتعلق بتخصيص غلاف مالي لإعادة الاعتبار لمحطة الجمبري، حيث سيتم الشروع قريبا في الإجراءات الخاصة بها والتي تتضمن ثلاث عمليات أساسية، أولها دراسة ومتابعة لإنجاز محطة ضخ من مياه البحر، ستكون جاهزة خلال هذه السنة والتجسيد سيكون بداية من العام القادم، بينما تخص العملية الثانية تهيئة المفرخ لأن المحطة تتكون من عدة منشآت فنية مثل أحواض التسمين، تهيئة السطح والنوافذ والأبواب، حيث لم تستفد من أي عملية تهيئة منذ إنشائها قبل 15 سنة، أما العملية الثالثة فتتمثل في اقتناء تجهيزات علمية وملابس وتجهيزات لإعادة تشغيل المحطة بكامل قدراتها.
وبالموازاة مع ذلك، يضيف المتحدث، ستتم عمليات مشتركة مع محطات أخرى، من خلال اقتناء الأمهات والهرمونات الموجودة في السمك، لإجراء عمليات التفريخ وتخص ولايات ورقلة، سطيف، عين الدفلى بلعباس وسكيكدة التي ستستفيد من الأمهات المستوردة، وكذا من الجمبري المحلي الذي سيتم العمل خلال السنوات القليلة القادمة، على أن يكون الموجود منه في السوق المحلية ناتجا عن تربية المائيات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المحطة ستستعيد دورها الحقيقي لتكون المحطة التجريبية لتربية الجمبري تحت الوصاية المباشرة للمركز الوطني للبحث والتنمية في الصيد البحري وتربية المائيات، من خلال استهداف الأسماك البحرية المحلية، وتطوير تفريخها وتسمينها، والشق الثاني من البحث، يكون حسب طلبات المستثمرين والمهنيين.
الصيد القاري حقق 34 طنا من أسماك المياه العذبة
وبشأن تربية المائيات المدمجة مع الفلاحة والتي شرع في تجسديها من طرف بعض المتعاملين الخواص، ذكر محدثنا أن سكيكدة ولاية ساحلية والاهتمام الكبير فيها ينصب على الصيد البحري وتربية المائيات لكن لا يجب أن ننسى أنها فلاحية بامتياز أيضا وتحوز على قدرات مائية كبيرة، مشيرا إلى أهمية نشاط الصيد القاري في السدود، خاصة أن سكيكدة يوجد بها خمسة متعاملين بإنتاج يصل إلى 34 طنا من أسماك المياه العذبة، التي يتم تسويقها بسهولة داخل وخارج الولاية.
أما بخصوص تربية الأسماك المدمجة مع الفلاحة، فبدأت العملية السنة الماضية، من خلال مشروع تجريبي مع فلاحين وآخر نموذجي «أكوا بوني» أو ما يعرف بالزراعة الأحيومائية وهو الأول من نوعه بالولاية، ويُقام بمدينة الحروش حيث يبشر بمستقبل واعد لهذا النوع من النشاط.
وأضاف ذات المصدر، أنه قد تمت مرافقة هذا النظام المدمج وهو فرع من نظام المائيات المدمجة، وقد لفت انتباه الوالية بعد وقوفها على النتائج الإيجابية المحققة وأسدت تعليمات بالاهتمام بهذا الجانب، ولهذا الغرض تم الاتفاق مع مدير المصالح الفلاحية على مخطط العمل وشرع في إحصاء الفلاحين الذين يحوزون على أحواض كبيرة، على أن يتم البدء بالسمك البلطي الأحمر الموجود في السوق، خاصة أنه سهل في التربية، كما أنه سمك يحب العيش في درجة حرارة معتدلة.
وأكد المتحدث في هذا الإطار، أن مصالحه قامت بإرسال إطارات من المديرية إلى بسكرة التي تتواجد بها مجموعة كبيرة من المشاريع، فيما ستتم إعادة إرسال دفعة أخرى لإجراء تكوين تطبيقي، حتى تتمكن من مرافقة الفلاحين بسكيكدة، كما ينتظر توفير كل الشروط الضرورية لإنجاح هذه العملية، خاصة أن بذور الأسماك موجودة، كما سيتم استقدام متعاملين ومختصين وتنظيم لقاءات عمل مع الفلاحين بداية من الصيف القادم.
ولهذا النوع من تربية المائيات، حسب المتحدث، آفاق واسعة في المستقبل على مستوى ولاية سكيكدة، لاسيما مع الدعم والمرافقة، مضيفا أن ذلك تحديا كبيرا لا بد من النجاح فيه، في ظل الاهتمام والمرافقة من طرف الوزارة الوصية التي قامت بعمل كبير تجاه مهنيي الصيد البحري، حيث تم اتخاذ إجراءات وصفها بالهامة للتكفل بالحماية الاجتماعية، تجديد أسطول الصيد البحري وتشجيع الصيد الكبير، بالإضافة إلى سن نصوص تنظيمية لإنشاء تعاونيات وهو مكسب كبير ومهم ستظهر آثاره الإيجابية على المدى القريب.
كمال واسطة