تصنع الملاكمة النسوية بقسنطينة، التميّز في عالم الرياضات الفردية بفضل أسماء لمع نجمها عاليا، ودعّمت صفوف الفريق الوطني، ووقّعت اسم الجزائر في سجلات بطولات إفريقية و عالمية، على غرار ما تفعله الملاكمتان منال محرزي وإشراق شايب، اللتان تعتبران حسب مدربين ورؤساء فرق، قدوة لعاشقات الفن النبيل، أما عن سر تفوق نساء سيرتا في عالم القفاز، فقد كشفوا بأنه مرتبط بعدة عوامل أبرزها تغيّر النظرة الاجتماعية وتوفير شروط النجاح.
يرجع الفضل في تألق القفاز النسوي القسنطيني، إلى ملاكمات عبّدن الطريق لأجيال لاحقة ونجحن في تغيير النظرة الاجتماعية السلبية التي كانت تقيد الفتاة الملاكمة، وذلك بفضل تميزهن و رفعهن للراية الوطنية في المنافسات العالمية، حيث تعد بطلة الملاكمة منال محرزي، من أوائل من مارسن هذه الرياضة بالولاية، ولم تكن تجربتها سهلة حينذاك بسبب ازدراء المجتمع، لكنها اليوم شاهدة على رحلة تطور ونجاح الملاكمة النسوية في الجزائر، بداية بتضاعف عدد الرياضيات و وصولا إلى تأسيس الفريق الوطني وذلك حسب ما صرحت به الرياضية للنصر.
روبورتاج / أسماء بوقرن
قالت منال، إنها التحقت بالفريق الوطني بعد فوزها بعديد المنازلات ونيلها لكأس وبطولة الجزائر، ونازلت في صفوفه لمدة 12 سنة كاملة، نجحت خلالها في إحراز ألقابا دولية، ورفعت الراية الوطنية بفوزها بالميدالية الذهبية ونيل كأس أمم إفريقيا للملاكمة سيدات سنة 2010، وهي في سن 21 سنة، ثم تتويجها بالميدالية البرونزية للبطولة الإفريقية بالكاميرون، كما جاءت في المرتبة الخامسة خلال طبعة الهند 2006، لبطولة كأس العالم للملاكمة.
عقب نجاحها، برزت عديد الأسماء التي استلهمت القوة من قصتها، على غرار ميسون عبيد من فريق بلدية حامة بوزيان، التي شاركت في منافسة دولية بصربيا، والبطلة إشراق شايب التي صنعت الاستثناء بتحقيقها ألقابا عديدة، كفوزها بالميدالية الفضية في ألعاب طوكيو، وتتويجها ببطولة إفريقيا مرتين على التوالي بعد إحرازها الميدالية الذهبية، كما أن في رصيدها ميدالية برونزية في بطولة العالم سنة 2002، و قد فازت كذلك بالحزام الذهبي.
وحسب مدربين حاورناهم، فإن تتويجات ملاكمات قسنطينة، ضاعفت الإقبال على الفرق الناشطة في عالم الملاكمة، والتي زاد عددها استجابة لذلك، حيث توجد خمسة فرق بالولاية نجحت في افتكاك لقبي بطولة وكأس الجزائر والفوز بالميداليات، كما تقدم سنويا أسماء رياضية لامعة للفريق الوطني.
منال محرزي بطلة ورئيسة لجنة الملاكمة النسوية
فرضنا مكانتنا وطنيا بفضل مستوى التنافس
قالت نائبة رئيس الاتحادية الجزائرية للملاكمة ورئيسة لجنة الملاكمة النسوية في المكتب الفيدرالي، البطلة منال محرزي، إن الملاكمة النسوية في قسنطينة تشهد تطورا ملحوظا، تعكسه نشأة العديد من الفرق، حيث نجحت خمسة فرق منها في ظرف قياسي واستطاعت أن توجد لها مكانة وطنية بفضل نتائجها الجيدة و الألقاب والميداليات التي أحرزتها، كما ساهمت في استقطاب شريحة واسعة من الفتيات اللواتي يرغبن في الصعود إلى الحلبة.
وأرجعت منال نوعية التنافس و النتائج المحققة، إلى عوامل عدة، منها تغير طبيعة التعامل بين الملاكمات، و تكريس مبدأ المنافسة الشريفة وتبادل الدعم، كما غير مدربون استراتيجية التعامل معهن، بتجاوز عائق التمييز على أساس الجنس و تثمين مجهوداتهن وتقدير ما تقدمه الملاكِمة من نتائج للفريق، لأن كل فوز يضيف إلى رصيده 15 نقطة تضمن من خلالها الرياضية تقدم فريقها في الترتيب، مؤكدة بأن اهتمام الكونفدرالية النسوية للملاكمة بالرياضيات الشابات، انعكس إيجابا على نوعية التدريب.
سيطرة مطلقة على منافسات وزن الذبابة و الديكة
وذكرت محدثتنا عاملا آخر تراه مهما كما قالت، وهو تغير نظرة المجتمع للمرأة الملاكمة فالأسر لم تعد ترفض ممارسة الفتيات لهذا النوع من الرياضات الفردية التي كانت في وقت سابق حكرا على رجال، بل صار هناك دعم للمواهب و مرافقة أسرية طوال المشوار الرياضي، وهناك عائلات قسنطينية تفخر حسبها، بتتويج بناتها في الملاكمة، كما لا يمكن إغفال الاهتمام الذي توليه السلطات المحلية للمجهودات الفردية للملاكمات، خاصة المتوجات في المنافسات الدولية.
وأشارت محدثتنا، إلى أن رياضة الملاكمة بقسنطينة، تملك تمثيلا جيدا و في كل الفئات و تحقق نتائج قوية في الفئات الصغرى « صغريات و شبلات و وسطيات»، فيما تعد الملاكمة إشراق شايب، الوحيدة التي تمثل الولاية ضمن فئة الكبريات، وهي قدوة للملاكمات الصغيرات بفضل نتائجها الممتازة، حيث تعد أول قسنطينية تتفوق في الوزن الثقيل، مشيرة إلى أن الولاية تسيطر في وزن الذبابة 52 كيلو، و وزن الديكة 54 كيلو، مؤكدة في ختام حديثها، بأن فرق الملاكمة تتوسع بشكل ملحوظ وتسجل إقبالا كبيرا، كما تضم ملاكمات بمستوى عال، و تنافس اليوم في البطولات بـ 4 إلى 6 ملاكِمات.
فوزي لعجال مدرب ورئيس فريق
العناية بالجانب النفسي وزرع الثقة بالنفس أهم أسرار النجاح
من جانبه، قال المدرب فوزي لعجال، رئيس فريق مولودية علي منجلي، بأن الذي تحظى به الفئة النسوية أثمر نتائج جيدة في الميدان، إلى جانب العناية بالجانب النفسي وزرع الثقة في النفس، وهما عاملان رئيسيان لتحقيق معادلة النجاح، التي لا تكتمل حسبه، دون الدعم الأسري لملاكِمة وتشجيعها من قبل محيطها.
محدثنا أوضح، بأن هناك إقبالا كبيرا للفتيات على رياضة الملاكمة، حيث يضم فريقه حاليا 12 ملاكمة تتراوح أعمارهن بين 8 سنوات حتى 21 سنة، نجحن في فترة وجيزة في تحقيق الألقاب وبرهن عن مستوى أدائهن الجيد، من بينهن الملاكمة عبير لعداسي، التي توجت بكأس وبطولة الجزائر، بعد أن هزمت منافستها في الدور الأول للمنازلة، لتنضم بذلك إلى صفوف الفريق الوطني، و الملاكمة هديل بودماغ، التي نالت لقب بطل كأس الجزائر السنة الفارطة، مشيرا إلى أن فريقه دعّم الفريق الوطني بملاكمتين هذه السنة، حيث يتوقع أن تحرز عبير، ألقابا دولية لصالح الفريق، لما تتمتع به من إمكانيات خارقة للعادة، على حد وصفه، كونها لم تهزم منذ بداية مشوارها، وعادة ما تُوقع بمنافِساتها في الدور الأول.
وأرجع سر نجاح ملاكمات فريقه إلى التدريب الجيد، الذي لا يختلف عن أسلوب تدريب الذكور فضلا عن تحسن ظروف الممارسة، بتغير النظرة الاجتماعية للملاكمات، والتي كانت عدائية نوعا ما كما عبر، ناهيك عن انفتاح الأسر على هذا النوع من الرياضات، كما أضاف بأن هذه الرياضة ساهمت في تكوين شخصية قوية للمنافسات و ساعدتهن على تعزيز روح التفوق و تحسين المستوى الدراسي كذلك، لأنها تعلم الانضباط في الحياة.
عبد الحق دربال نائب رئيس جمعية النادي القسنطيني للملاكمة
الانفتاح على الرياضات الفردية صنع التميّز
وحسب عبد الحق دربال، نائب رئيس جمعية النادي القسنطيني للملاكمة، فإن هناك انفتاحا ملحوظا على الرياضات الفردية من قبل الإناث، بما في ذلك الرياضات القتالية، وهو ما مكن من إبراز الكفاءات النسوية في هذا المجال، مؤكدا بأن هناك إقبالا كبيرا للفتيات على الرياضيات الفردية والقتالية، و تحسنا كبيرا في المستوى والنتائج.
وقال، إن النظرة الإيجابية لممارسات هذه الرياضة ساعدت على زيادة الثقة في النفس عند المتنافسات، كما نشطت القفاز النسوي، خصوصا في ظل الدعم الذي صارت الأسرة تقدمه للملاكِمة و المرافقة التي تخصصها لها خلال المنافسات إلى جانب التشجيع الدائم في المدرجات و الثقة الكبيرة في الموهبة، الأمر الذي انعكس على مستوى الملاكمات اللواتي يقمن بجهود كبيرة تستحق الثناء حسبه.
وعن التحضير للمنافسات، قال بأنه يركز خلال قرب البطولات على المنازلات بين الجنسين لرفع مستوى الأداء، حيث يضم الفريق ثلاث ملاكمات توجن بلقب بطل الجزائر وثلاث أخريات نلن المرتبة الثانية لبطولة الجزائر، فيما جاءت ملاكمتان في المرتبة الثالثة و حققت الملاكمة شمس بن جدو، بطولة وكأس الجزائر لسنتين متتاليتين، مشيرا إلى أن فرق قسنطينة، تسجل سنويا لقبين إلى أربعة ألقاب وطنية، مرجعا الفضل لرئيس ومدربي النادي العريق، ندير دمان ذبيح وعمار دمان ذبيح، وبن عشرين وليد.
بطلة الجزائر في الملاكمة شمس بن جدو
فزت في أول منازلة في مشواري وتوّجت بالبطولة
تعد البطلة شمس بن جدو، من الملاكمات اللواتي فرضن مكانتهن في عالم الفن النبيل حيث فازت في أول منازلة لها خلال مشوارها وافتكت الميدالية الذهبية في بطولة الجزائر.
وقالت شمس، إن الملاكمة غيرت حياتها بشكل إيجابي، وساعدتها على التخلص من بعض السلوكيات التي تراها سلبية، كالانفعال، بعد أن أصبحت هادئة وتتحكم في ردود أفعالها، كما جعلتها منضبطة ومنظمة وتجيد تسيير وقتها وتقسيمه بين الدراسة والتدريبات، التي ساهمت في تحسين مستواها الدراسي، وجعلتها تتبع نظاما غذائيا صحيا للحفاظ على وزنها، موجهة الشكر للمدربين مامي دربال وعمار وندير دمان ذبيح، متمنية أن ترفع الراية الوطنية في منافسات عالمية.
تبلغ شمس من العمر 17 سنة، تدرس بثانوية علي بومعزة بالمدينة الجديدة علي منجلي، بدأت مشوارها الرياضي في سن 14 سنة، وتحديدا سنة 2021، بعد أن كان اهتمامها مقسما بين كرة القدم والملاكمة، لتستقر على الخيار الثاني بتشجيع من كل أفراد العائلة وبالأخص شقيقها الأكبر، معتبرة الدعم الأسري من أسباب تألقها في بداية مشوارها.
فتح لها التحاقها بالنادي القسنطيني للملاكمة، باب ممارسة شغفها الرياضي الذي عززه المدرب وليد بن عشرين، بعدما وفر لها كل الظروف المحفزة من خلال معاملته الجيدة وتمكنه من مجاله، وضاعف ثقتها بنفسها ما أهلها للفوز بأول منازلة وهزم منافستها في الدور الأول، خلال منافسات كأس الجزائر التي خاضتها بعد أربعة أشهر من التحاقها بالنادي.
فازت الملاكِمة بكأس الجزائر للصغريات سنة 2021، وهو تتويج حفزها أكثر للمواصلة خاصة بعد تلقيها التشجيع من العائلة وتكريمها من قبل مدربها، لتخوض بعدها منافسة بطولة الجزائر بتيبازة، وبسبب ظرف صحي أحرزت المرتبة الثالثة فقط، إلا أنها عادت للريادة بعد أن اعتلت الحلبة سنة 2023، في منافستي كأس وبطولة الجزائر أصاغر وفازت بهما، ما أهلها للانضمام لصفوف الفريق الوطني.
والدة الملاكمة عبير لعداسي
طلبها الفريق الوطني بعد ثلاث سنوات فقط من بداية المشوار الرياضي
وقالت، نيني سهام ، وهي والدة الملاكِمة عبير لعداسي، بأن ابنتها شقت طريقها بنجاح منذ البداية، حيث التحقت أولا بفريق مولودية علي منجلي، لحبها الكبير لهذه الرياضة أين طورت من مهاراتها و استطاعت أن تحصد التتويجات داخل وخارج الوطن. وأوضحت محدثتنا، بأنها قامت بتسجيل ابنتها في الفريق، بعد إصرارها على لذلك وعمرها لا يتعدى 14 سنة، حيث اطلعت على ايجابيات هذه الرياضة و قررت السماح لها بالتجربة وقد لاحظت تحسن وضعها النفسي، وأنها صارت أقوى و أكثر انضباطا في الدراسة مرجعة الفضل في ذلك إلى التأطير الجيد لمدربها فوزي لعجال، مضيفة، بأن ابنتها أحرزت ألقابا وطنية هامة منها لقب بطلة الجزائر للملاكمة، وهدفها المنافسة دوليا، ملتزمة بحضور التدريبات وقد حصلت مؤخرا على شهادة التعليم المتوسط.
أ ب