32 مفرغــة فوضويــة تحاصــر غابــات البــرج
تتصاعد سحب الدخان الناجم عن الحرق اليومي لفضلات مفرغة فوضوية خلف أشجار الصنوبر و البلوط، مشكلة غيوما بسماء غابات منطقة زروجيدار التي كانت مقصدا للتنزه و استنشاق الهواء النقي برائحة الصنوبر و التمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة، لكنها تحولت بفعل انتشار المفارغ الفوضوية إلى مكان تشمئز منه النفوس و بؤرة تهدد سكان المنطقة الشمالية لولاية برج بوعريريج بكارثة بيئية، بعدما عمدت سلطات البلديات المجاورة إلى استغلال مساحات غابية شاسعة لرمي القمامة و الأوساخ و النفايات اليومية، في صورة تعكس جانبا من الإهمال الكبير للغطاء الغابي بعاصمة البيبان، الذي يتجسد في انتشار أزيد من 32 مفرغة فوضوية تحاصر الغابات، فضلا عن التدمير الكبير الذي يطال الأشجار الغابية بفعل الحرائق و جرائم القطع المتعمد للأشجار التي عادة ما تقيد ضد مجهولين.
روبورتاج ع/بوعبدالله
عاصمة البيبان تعاني من نزيف في قطاعها الغابي تزيد حدته و خطورته من عام إلى آخر، بفعل الحرائق و التهديدات البيئية على الغطاء النباتي بصفة عامة و الغابات على وجه الخصوص.
لكن العامل البشري يمثل العدو الأول المتسبب في تلف الغطاء الغابي سواء عن طريق الحرق أو قطع الأشجار غير المشروع لاستعمال حطبها في التدفئة، أو القطع غير الشرعي لأشجار الصنوبر من قبل عصابات محترفة، تعمد على تقطيع الأشجار من الجذور لبيع أخشابها و استعمالها كأوتاد و دعائم للأسقف بورشات البناء. تلك السلوكات و الجرائم تسببت في تقلص مساحة الغطاء الغابي بولاية البرج إلى حوالي 83 ألف هكتار، ولا زالت مهدد بالتناقص إلى أقل من 22 بالمائة من المساحة الإجمالية، رغم امتلاكها لمؤهلات طبيعية هائلة، و تعد هذه النسبة بحسب مختصين ضئيلة جدا، حيث أن النسبة الوطنية تقدر بحوالي 25 بالمائة، دون إهمال المساحات الشاسعة بالصحراء الجزائرية و المساحات القاحلة التي تدخل هي الأخرى في نسبة الغطاء الغابي الوطني.
و تشمل نسبة 22 بالمائة من المساحة الغابية بالبرج أربع دوائر غابية و 12 اقليم و 32 مفرزة موزعة على دائرة الغابات بالبيبان التي تتربع على مساحة تقارب 32 الف هكتار، تأتي بعدها دائرة الغابات برأس الوادي بمساحة تزيد عن 18 ألف هكتار و دائرة الغابات بمجانة بمساحة تقارب 17 ألف هكتار ، و يتنوع الغطاء الغابي بين الغابات الطبيعية التي تتربع على مساحة تقارب 60 ألف هكتار و غابات اصطناعية بمساحة تفوق 18 ألف هكتار بالإضافة إلى الأدغال ،غير أن هذه المساحات الغابية يتهددها التلوث و الحرائق و القطع المتعمد للأشجار التي تتزايد مخاطرها في كل عام.
نفايات منزلية وسط غابة زروجيدار
لا تتوقف التهديدات المحدقة بالغابات عند هذا الحد، بل تتعداها حسب جمعيات مهتمة بالبيئة و منتخبين إلى تورط المواطنين و المسؤولين على حد سواء في تدمير الطبيعة، و لعل أصدق مثال على ذلك تحويل مساحات غابية بمنطقة زروجيدار التابعة لإقليم بلدية جعافرة إلى مفرغة فوضوية، تستغل في تجميع النفايات المنزلية اليومية من ثلاث بلديات و هي القلة الجعافرة و ثنية النصر، و الغريب أن المفرغة أقيمت وسط الغابة بأمر من سلطات البلديات الثلاث، بحجة انعدام العقار .
تنقلنا إلى عديد الأماكن الغابية للإطلاع عن كثب على حقيقة تزايد شكاوي المواطنين من حجم التهديدات المحدقة بالغطاء الغابي و التحذيرات من مخاطرها الوخيمة على السكان، و التي أكدتها رئيسة لجنة الفلاحة و الري و الغابات بالمجلس الولائي محذرة من كوارث بيئية استنادا لما تمت معاينته و الاطلاع عليه بعد الاجتماعات المتكررة للجنة مع المسؤولين على دوائر الغابات بعاصمة البيبان .
تنقلنا عبر الطريق الولائي رقم 43 باتجاه بلديات دائرة الجعافرة، قبل الوصول إلى هذه البلديات و على امتداد الشريط الغابي تقابلك بمرتفعات تاركابت أكوام القمامة المنتشرة بجوار الطريق، الناجمة عن الرمي العشوائي لبقايا الردم و فضلات المذابح و أوساخ ورشات الخياطة، حيث يعمد أصحاب المذابح و ورشات الخياطة على التخلص من نفاياتهم المتمثلة في ريش الدواجن و الزوائد و العظام و كذا بقايا القماش و العلب الكرتونية و الأقفال و النفايات المعدنية بجوار الطرقات و وسط الغابات مستغلين بعدها عن أعين الرقابة و مصالح الأمن، في صورة تتنافر مع المنظر العام . و ما يثير الانتباه و الاستغراب هو تنقل شاحنات نقل القمامة التابعة لبلديتي ثنية النصر و القلة يوميا باتجاه هذه الغابات لرمي النفايات المنزلية في مساحة تم تخصيصها وسط الغابات بمنطقة زروجيدار كمفرغة عمومية، كما يقوم أعوان النظافة بحرق النفايات للتخلص منها، في اعتداء صارخ على الطبيعة و البيئة بعلم من مصالح هاتين البلديتين و كذا مديرية البيئة و محافظة الغابات، حسب تصريحات مواطنين من سكان المنطقة أكدوا لنا على مراسلتهم للسلطات مطالبين بوقف الاعتداء على البيئة و تشديد الرقابة لردع المخالفين، الذين يقومون برمي النفايات بجوار الطريق و وسط الغابات.
أميار يطالبون بمراكز للردم التقني
قصد الاستفسار أكثر قمنا بالاتصال بمصالح البلديات المعنية و مديرية البيئة، أين أكدت الأخيرة على إعدادها لتقرير شامل تم ارساله للسلطات، كما تم توجيه مراسلات و إعذارات للبلديات المعنية و مطالبتها بالتوقف عن الرمي العشوائي للنفايات وسط الغابات غير أنها لم تتقيد بهذه الأوامر.
كما كشفت مديرية البيئة أن الأمر لا يتوقف على البلديتين المذكورتين بل يتعداها إلى أغلب بلديات الولاية، مشيرة إلى إحصاء 32 مفرغة فوضوية عبر إقليم الولاية، و مفارغ عشوائية لرمي نفايات ورشات الخياطة و المذابح و بقايا الردم أغلبها بالمناطق الغابية.
من جانبها أشارت سلطات بلديتي ثنية النصر و القلة أن اللجوء لهذه المنطقة نجم عن حتمية فرضها الواقع في ظل انعدام العقار لإقامة مراكز للردم التقني للنفايات بعيدة عن الغطاء الغابي، مشيرين إلى أن أغلب بلديات الجهة الشمالية للولاية تعاني من مشكل العقار ما حرمها من مشاريع كبيرة في قطاعات الشباب و الرياضة و السكن و التربية و غيرها.
رئيس بلدية الجعافرة أكد على التقيد بالتعليمات و ذكر أن مصالح بلديته توقفت عن الرمي العشوائي للنفايات بمفرغة زروجيدار و اختارت مكانا آخر بعيد نوعا ما عن الغابات، موضحا أن مشكل محاصرة الغابات للبلديات و انعدام العقار أضحى بحاجة إلى اتخاذ إجراءات جريئة للتوسع.
و أشار رئيس بلدية الجعافرة إلى متابعته قضائيا من قبل مديرية الغابات في ثلاث قضايا بتهمة الاعتداء على الغطاء الغابي لتجسيد مشاريع تنموية بالبلدية، و أكد على السعي للقضاء على مشكل المفرغة بالمنطقة من خلال الاجراءات التي باشرتها مصالح البلديات المعنية لإقامة مركز للردم التقني للنفايات.
حرائق تتلف آلاف الهكتارات
مشكل الرمي العشوائي للنفايات لا يقتصر على المنطقة الشمالية بل تشترك فيه دوائر الغابات الأربع المنتشرة بإقليم ولاية البرج، و تتعداه إلى مشاكل أخرى، فالمسافر عبر الطريق السيار يمكن له أن يرى ما خلفته الحرائق من تدمير للأشجار بغابات البيبان على طول السلسلة الغابية الممتدة من اقليم بلدية الياشير إلى غاية بلدية أولاد سيد ابراهيم، ناهيك عن الغابات المتواجدة بمرتفعات الجهة الغربية للولاية ببلديات حرازة و بن داود، و كذا الغابات المنتشرة على طول المرتفعات على الحدود بين ولايات البرج، البويرة و بجاية الى غاية الحدود مع ولاية سطيف، و غابات مزيطة التابعة لدائرة رأس الوادي. و تسجل محافظة الغابات و مصالح الحماية المدنية في كل عام اتلاف مئات الهكتارات من الأشجار الغابية و الأشجار المثمرة بفعل الحرائق، نذكر منها إتلاف أزيد من 136 هكتار خلال العام الفارط و قبلها بعام أتلفت الحرائق 323 هكتارا من الأشجار الغابية و 6058 شجرة مثمرة. كما تم تسجيل خسائر فادحة في الغطاء الغابي بلغت معدلات تصل 4700 هكتار في السنة الواحدة، و الغريب أن الخسائر الناجمة عن الحرائق كانت معدلاتها لا تتعدى 38 هكتارا طيلة سنوات التسعينات و إلى غاية سنة 2006.
حولت الحرائق أجزاء هامة من المساحات الغابية إلى رماد، لأسباب تبقى في أغلبها غير واضحة و مقيدة ضد مجهولين، و لا يستبعد المهتمون بالأمر أن تكون للحرائق علاقة بالعصابات المحترفة في قطع الأشجار و كذا الرعاة الذين عادة ما يضرمون النيران في المساحات الغابية على أمل تجديد العشب لمواشيهم.
أشجار الصنوبر لتموين ورشات البناء
كشف لنا عون من حراس الغابات رفض ذكر اسمه أو حتى الإشارة إلى دائرة الغابات التي يشتغل بها، عن تسجيل عديد التجاوزات، خاصة ما تعلق منها بالاحتطاب من الغابات بدون رخصة و الرعي الجائر، و القطع غير الشرعي للأشجار الغابية، من قبل عصابات مختصة، تقوم باستغلال و تحين الفرص لقطع جذوع أشجار الصنوبر و بيعها لأصحاب ورشات البناء، و اعترف العون الذي تحدث إلينا رافضا الكشف عن هويته بتعرض زملائه لتهديدات من قبل أفراد هذه العصابات .
و يقوم أفراد هذه العصابات بتقطيع أشجار الصنوبر، التي يزيد طولها عن المترين إلى أربعة أمتار، من أجل بيعها لأصحاب ورشات البناء، الذين يستعملونها كأوتاد و دعائم خلال إنجاز أسقف المباني.
مساحات شاسعة تدمّر مقابل 600 دينار لجذع الشجرة
أكد بناؤون في حديثهم إلينا، أنهم يقومون بشراء الدعائم و الأوتاد الخشبية من قبل أشخاص معروفين، بأسعار تتراوح بين 400 إلى 500 دينار لجذع الشجرة الواحد الذي يزيد طوله عن 2.5 متر، خلال الأيام الأولى من قطعه عندما يكون طريا، فيما يتزايد الطلب على الدعائم الخشبية اليابسة التي تجف من المياه بعد عرضها لأشعة الشمس و تصل أسعارها إلى حدود 600 دينار.
و برر المشتغلون في مجال البناء توجههم لشراء هذه الدعائم الخشبية بانخفاض أسعارها مقارنة بالدعائم الحديدية التي يبلغ سعر الوحدة منها ذات النوعية المتوسطة من صنع صيني 1500 دينار، و بلغ سعر الدعائم المستوردة من إيطاليا 3000 دينار للدعامة الواحدة.
إجراءات ردعية و مشاريع للحفاظ على الثروة الغابية
أفادت محافظة الغابات أن حصيلة المخالفات المسجلة التي تمس بالثروة الغابية، خلال العام الفارط، تمثلت في 05 مخالفات تتعلق بالقطع غير الشرعي للأشجار، و 36 مخالفة متعلقة بتعرية الغطاء الغابي، و مخالفة واحدة بخصوص الرعي غير الشرعي، و هي المخالفات التي تنجر عنها متابعات قضائية، كما سجلت اندلاع 15 حريقا لأسباب متعددة لا يستبعد تورط الرعاة فيها، لتوسيع مساحات الرعي نحو المناطق الغابية و تجديد العشب، خاصة خلال العامين الفارطين، أين عرفت أسعار الكلأ و حزم التبن ارتفاعا كبيرا، ما دفع بمربي المواشي إلى البحث عن أماكن جديدة للرعي و توسيعها، كما سجلت مخالفات أخرى تتعلق بقطع الحطب من الغابات لأجل استعماله في التدفئة.
أشارت محافظة الغابات إلى جهود الدولة المتواصلة لحماية الثروة الغابية، من خلال تسجيل عديد المشاريع و تجسيد البرنامج القطاعي السنوي للتشجير و فتح المسالك الغابية لتسهيل دوريات فرق الرقابة، و تسهيل تنقل فرق الإطفاء للحد من توسع رقعة الحرائق و التصدي لها في ظرف وجيز، إضافة إلى حفر التنقيبات لتوفير المياه، و بناء أبراج للمراقبة