"طريق جديدة" تتحوّل إلى قطب تجاري يخنق وسط مدينة قسنطينة
تحول شارع العربي بن مهيدي أو «طريق جديدة» مثلما يسميه سكان قسنطينة، إلى ما يشبه قطبا تجاريا، يقصده الآلاف من المتسوقين يوميا بحكم فتح المئات من المحلات المتخصصة في بيع مختلف أنواع السلع من أقمشة و ألبسة و أواني منزلية و غيرها، و رغم وجود العديد من الأماكن التجارية الأخرى كشارع بلوزداد، و كذا العشرات من المحلات المنتشرة وسط المدينة، إلا أن الحركية الكثيفة بهذا الطريق و حجم التردد الواسع على محلاته طيلة اليوم، رشحته لاحتلال المرتبة الأولى بين المواقع التجارية الأكثر ترددا من طرف المتسوقين، و هو ما يطرح العديد من المشاكل منها انعدام أماكن الركن و نقص النظافة و الضجيج الذي يؤرق سكان أعرق حي بقسنطينة.
روبورتاج : خالد ضرباني
كانت الساعة تشير إلى الثانية زوالا لحظة وصولنا إلى المدخل الشمالي لشارع العربي بن مهيدي، أين بدأ المكان يكتظ بالسيارات و الراجلين كلما توغلنا أكثر، في حين كانت الأرصفة ممتلئة بالراجلين ما يضطر العشرات من المارة إلى التسلل ما بين المركبات بهدف العثور على ممر فارغ للعبور، و هو نفس المظهر الذي يتكرر باستمرار في الاتجاهين خاصة و أن المساحة بين الرصيفين الأيمن و الأيسر للشارع ضيقة و قد لا تصل حتى إلى 30 مترا بين الجانبين.
النساء الأكثر إقبالا على الشارع
إضافة إلى ذلك لاحظنا وجود حركة كثيفة للراجلين من خلال تقاطع المارة القادمين من الجهة العلوية مع آخرين يقصدون الشارع من الجهة السفلية، و هو ما يخلق ازدحاما يوميا بهذا الحي على مدار الساعة، حيث أكد لنا كل من تحدثنا إليهم من سكان و أصحاب محلات و مرتادي «طريق جديدة»، أن الحركة و النشاط التجاري دائمين بهذا الحي و لا يعرف الركود على مدار أيام الأسبوع سوى خلال الجمعة فقط، بحكم تواجد المئات من المحلات المتخصصة في بيع كل أنواع السلع و المواد المطلوبة من طرف المتسوقين.
و قد خلق ذلك حسب السكان، تنافسية بين التجار خاصة في ما يتعلق بعرض السلع و مواكبة الموضة و إنتاج أحدث السلع في الأسواق و كذا الأسعار، و هو عامل أساسي لجلب المتسوقين من خلال التعامل مع الزبائن بنوع من الثقة، خاصة و أن العديد من المحلات لها زبائن معينون بحكم خبرة أصحابها و قدم تواجدها في نفس الحي، حيث أخبرنا بعض التجار أن العديد من محلات الشارع تعود لملاك السكنات المتواجدة في الطوابق العلوية، منها ما هو مستغل من طرف أصحابها و البعض الآخر مستأجر من تجار يقطنون بأحياء أخرى من المدينة، في حين أخبرنا آخرون أن هناك تجارا من ولايات مجاورة قاموا بشراء محلات بهذا الشارع من أجل ممارسة التجارة، بحكم التردد المكثف للزبائن على هذا المكان.
و رغم ارتفاع درجة الحرارة خلال فترة تواجدنا بشارع العربي بن مهيدي، إلا أن المكان كان يعج بالمتسوقين خاصة من فئة النساء، حيث لاحظنا أن أكثر من 80 بالمائة من مرتادي المحلات من العنصر النسوي على اختلاف أعمارهن، أين تجلت غالبية أذواق النساء في معاينة القماش و الأفرشة المنزلية و الأواني، إضافة إلى اقتناء ألبسة الأطفال و مواد صنع الحلويات و غيرها، فيما كانت معظم محلات الألبسة النسائية مكتظة بفئة الشابات، حيث كانت هذه الأنواع من التجارة الأكثر رواجا تقريبا من خلال تخصص العشرات من المتاجر في بيع هذه الأصناف من السلع الأكثر استهلاكا.
سباق الركن ينطلق في الساعات الأولى من الصباح
خلال تجولنا بـ «طريق جديدة» انطلاقا من المدخل الشمالي و إلى غاية المخرج الجنوبي، لاحظنا زحمة مرورية كبيرة رغم أن الطريق الذي يتوسط الشارع، يستعمل في اتجاه واحد فقط، حيث كانت السيارات القادمة من وسط المدينة مرورا بشارع العربي بن مهيدي تسير بمسافات لا تتجاوز خطوات المارة نتيجة صعوبة السير، و ذلك بسبب استعمال المارة للطريق خاصة و أن الأرصفة ضيقة و لا تتسع لعدد الراجلين الهائل، أين كان المتجولون و المتسوقون بهذا المكان يعبرون من ضفة إلى أخرى ما بين المركبات لدخول المحلات المقصودة و المتواجدة على الجانبين، في حين كانت المركبات تسير ببطء شديد و علامات الاستياء بادية على وجوه أصحابها المتذمرين من الانسداد المروري بهذه النقطة من وسط المدينة، حيث أكد لنا من تحدثنا إليهم أن الاكتظاظ مظهر يتكرر يوميا مع بداية كل صباح بالشارع، مضيفين أن سكان الحي و أصحاب المحلات تعودوا على الضجيج و الازدحام بحكم تحول المنطقة إلى مقصد للمتسوقين، و مركز أساسي للنشاط التجاري بوسط المدينة.
استحالة العثور على مكان للركن بهذا الشارع مشكلة أزلية، يعاني منها كل من يقصد «طريق جديدة» لاقتناء بعض الأغراض التي قد لا يجدها المتسوق في أحياء و مراكز تجارية أخرى، و هي إشكالية لم يسلم منها حتى السكان و أصحاب المحلات الذين لا يجدون مواقع لركن مركباتهم، فيما يعجز الممونون عن الظفر بموقع لتفريغ شحنات السلع للتجار بالرغم من وجود لافتات تمنع الركن في الاتجاهين، و ذلك نظرا لضيق جانبي الشارع من جهة و كثافة حركة الراجلين من جهة أخرى، حيث يلجأ العديد من التجار لوضع حواجز أمام محلاتهم لحجز أماكن للركن أو استقبال السلع، فيما يضطر العشرات من المتسوقين إلى ركن مركباتهم بالحظيرة ذات الطوابق الواقعة بشارع زعموش مقابل محطة النقل الحضري الجديدة، على أن يتنقلوا إلى «طريق جديدة» عبر جسر ملاح سليمان الذي يؤدي مخرج مصعده الكهربائي إلى وسط هذا الشارع مباشرة.
و قال بعض التجار ممن حدثونا عن المكان، أن سباق الركن ينطلق منذ الساعات الأولى من الصباح الباكر، حيث لا يجد السائقون مكانا لتوقيف المركبات بعد الثامنة صباحا، في حين يتحول الشارع إلى حظيرة خلال الفترة الليلية يتولى الحراسة بها بعض الشباب المتعود على ممارسة حراسة السيارات بهذا الموقع، في حين يتم استغلال جانبي الشارع لركن مركبات سكان الحي و حتى سكان الأحياء المجاورة كالسويقة، البطحة، القصبة، شارع فرنسا و غيرها، في ظل انعدام الحركة.
20 بالمائة من المتسوقين من الولايات المجاورة و تراجع في السرقات
من خلال الحديث مع بعض التجار و العارفين بالحي، تبين أن حوالي 20 بالمائة من المتسوقين يقطنون بولايات مجاورة و يترددون بصفة دائمة على شارع العربي بن مهيدي، و هو ما يعكس سمعة النشاط التجاري بالمكان و كذا مصداقية المواد و السلع المعروضة بالمحلات، خاصة من ناحية النوعية و كذا تنافسية الأسعار مقارنة بمحلات و مراكز تجارية أخرى، إضافة إلى وجود تنوع كبير للمواد الاستهلاكية سواء كانت لباسا أو أفرشة و أواني و غيرها، و هو ما يلبي طلبات المتسوقين و يغنيهم عن التنقل إلى أماكن أخرى، حيث يقضي بعضهم يوما كاملا بـ «طريق جديدة» لاقتناء حاجياتهم، و من ثم العودة مباشرة إلى وجهاتهم دون التنقل إلى محلات و أماكن أخرى، و يعتبر شارع العربي بن مهيدي الأكثر نشاطا و ترددا مقارنة بأماكن أخرى كشارع فرنسا المحاذي له مثلا، و كذا الوجهة الأولى لقاصدي وسط المدينة بهدف التسوق.
بعض السكان اشتكوا من مشكلة الضجيج و كثافة الحركة التي يعيشونها يوميا بهذا الشارع، خاصة و أن الطوابق الأرضية كلها عبارة عن محلات ملتصقة ببعضها انطلاقا من المدخل الشمالي و إلى غاية المخرج الجنوبي على مسافة أزيد من 1 كيلومتر، و هو ما حول الشارع إلى ما يشبه مركزا تجاريا على الهواء الطلق تعمه فوضى حركة الراجلين و المركبات بشكل دائم، أما بخصوص الأمن بهذا الشارع الذي يشهد ترددا يوميا للآلاف من المواطنين، أخبرنا السكان و أصحاب المحلات أن هنالك انخفاضا في عدد حالات السرقة و الاعتداءات خلال السنوات الأخيرة، خاصة منذ تركيب كاميرات المراقبة خلال تظاهرة عاصمة الثقافة العربية و وضع تشكيلات أمنية إضافية من خلال الدوريات الراكبة و الراجلة خصوصا بوسط المدينة، و هو ما أدى إلى تراجع الجريمة مقارنة بسنوات ماضية أين كان يتعرض المتسوقون للسرقة باستعمال العنف و الاعتداء على مرأى من المواطنين و أصحاب المحلات.
و أوضح العارفون «بطريق جديدة» أن الطابع التجاري و التردد الكثيف للمتسوقين على الشارع، كان يعتبر بمثابة طعم للمسبوقين و المنحرفين الذين كانوا يتجولون بكثرة في المكان خلال فترات سابقة، أين حدثت العديد من السرقات و الاعتداءات خاصة بحق فئة النساء، إلا أن توفير الأمن و تنصيب الكاميرات في الآونة الأخيرة أدى إلى تراجع الجريمة و بسط نوع من السيطرة الأمنية، خاصة أن العديد من المجرمين و المبحوث عنهم تم توقيفهم بناء على تسجيلات الكاميرات التي تم تنصيبها تقريبا بكل زوايا وسط المدينة.
غلق جسر سيدي راشد يغرق «طريق جديدة»
و يؤكد مندوب القطاع الحضري سيدي راشد عبد الحكيم لفوالة، أن غلق جسر سيدي راشد بهدف الصيانة أغرق شارع العربي بن مهيدي بحركة الراجلين و المركبات، خاصة و أن الآلاف من المركبات و المواطنين كانوا يعبرون الجسر يوميا بصفته أحد الشرايين الأساسية بين ضفتي المدينة، مضيفا أن حظيرة المركبات عرفت ارتفاعا كبيرا في عدد السيارات و هو ما يؤدي إلى انسداد الطرقات، خاصة أن»طريق جديدة» تعد أقرب منفذ حاليا باتجاه أحياء الضفة الأخرى خاصة الشمالية منها، ليتحول بذلك إلى نقطة عبور من وسط المدينة باتجاه باب القنطرة.
كما أوضح ذات المتحدث أن شارع العربي بن مهيدي حي عريق تعود حقبة إنجازه إلى سنوات العهد الاستعماري، في إشارة إلى تغير المعطيات بالنسبة لحركة المرور و الكثافة السكانية مقارنة بالوقت الحالي، حيث لم يعد الشارع، حسبه، قادرا على تحمل أو استيعاب ضغط إضافي أكبر مما هو عليه، خاصة و أن هناك أزيد من 500 محل بواجهتيه و كثافة سكانية بالطوابق العلوية واصفا إياه بالقطب التجاري المعروف بحركيته الدائمة.
أما بخصوص النظافة، ذكر مندوب القطاع الحضري أن البلدية قامت بإبرام عقود مع شركة «سوبت» المكلفة حاليا بجمع القمامة و تنظيف شارع العربي بن مهيدي، مشيرا إلى أن مصالح المندوبية قامت بتحسيس السكان و أصحاب المحلات باحترام مواقيت رمي القمامة، مؤكدا أنه سجل تحسن في هذا الخصوص على مستوى الحي في الآونة الأخيرة، خاصة و أن العديد من التجار كانوا يقومون برمي العلب و الأكياس الفارغة أمام المحلات، ما أدى إلى انتشار الأوساخ و مضاعفة مجهودات أعوان مؤسسة «سوبت».