سكنات علي منجلي تفتح نــافذة على الحيــاة لآلاف العائــلات
• عودة إلى القصدير هروبا من أزمة سكن متجددة
توصف بالحي العملاق والمدينة الأقل أمنا و يراها البعض مرادفا للفوضى العمرانية.. لكن المدينة الجديدة علي منجلي كانت بمثابة الخلاص بالنسبة لآلاف العائلات بعد أن وجدوا فيها حلا لأزمة سكن ظلت ملازمة لقسنطينة لعقود طويلة، المدينة المرقد كما يصطلح على تسميتها دشنت مرحلة جديدة في حياة الكثيرين ممن عانوا داخل أكواخ الصفيح وبيوت هشة تقاسموا العيش فيها مع الجرذان وصنع الخوف يومياتهم لسنوات، فمنذ 16 سنة شُرع في عمليات ترحيل بدأت محتشمة لكنها عرفت في السنوات الثلاث الأخيرة وتيرة متسارعة حولت المدينة إلى أكبر تجمع سكني في الجزائر، لتظهر مشاكل أمنية طغت على المشهد ونغصت على مرحلين معيشتهم كما زادت مشاكل النقل والتهيئة ونقص المرافق من صعوبات العيش، لكن هذه المعطيات لا تلغي واقعا يعرف خباياه من تحصلوا على شقة بهذا الفضاء العمراني الواسع.كثيرون كان حلمهم النوم في غرفة مستقلة وتناول وجباتهم في مطبخ أو الجلوس في شرفة عند غروب الشمس، أطفال لم يكن يسمح لهم بالتحرك بحرية ما بين تلك الأكواخ المتراصة، ونساء لطالما حلمن بحياة عادية دون تسربات ولا انهيارات..هي متطلبات عادية لكنها كانت بمثابة الحلم بالنسبة للكثيرين ولم تتحقق إلا عند الترحيل.الترحيلات غيرت نمط حياة عائلات ومكنت أخرى من تحاشي الأمراض المترتبة عن الرطوبة، كما كانت بداية مرحلة جديدة لا مكان فيها للقصدير، لتصنع بذلك علي منجلي مرحلة جديدة بالنسبة لآلاف العائلات فيما تنتظرها أكثر من 16 ألف عائلة أخرى ممن تحصلوا على مقررات الاستفادة، رغم ما يظهر على المدينة من عيوب و إختلالات ورغم صعوبات التأقلم والحنين لأحياء المنشأ التي تمت استعارة أسمائها لخلق ألفة مع المكان.
روبورتاج: ياسمين بوالجدري
ودّع الآلاف من المواطنين البيوت الهشة و سكنات القصدير بولاية قسنطينة، و رحّلوا على مدار الخمس عشرة سنة الأخيرة باتجاه المدينة الجديدة علي منجلي، التي احتضنت عائلات أصبحت جزء من هذه المدينة الآخذة في التوسع، لكن أفرادها اصطدموا، في البداية، بصعوبات في التأقلم مع حياة جديدة أملتها اختلافات و نقائص كثيرة، لا يزال المرحلون يعيشونها لليوم و تعد السلطات بتداركها بصفة تدريجية، فيما يحذر مختصو علم الاجتماع من تكرار أخطاء الترحيلات السابقة، بتجنب “التفريغ” العشوائي تحاشيا لتكرار مظاهر العنف.
شهدت ولاية قسنطينة قبل أزيد من 10 سنوات ترحيلات متتالية تم خلالها إعادة إسكان آلاف العائلات من أكواخ و بيوت هشة، نحو شقق جديدة يقع معظمها بالمدينة الجديدة علي منجلي التي يتوقع أن يصل عدد سكانها في ظرف سنوات قليلة، إلى نصف مليون نسمة، و قد كانت بداية الترحيلات نحو علي منجلي سنة 2000، بإعادة إسكان 490 عائلة من المدينة القديمة بقسنطينة باتجاه مجمع سكني كان رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، قد وضع حجر أساسه في بداية عهدته الرئاسية الأولى و أصبح يطلق اليوم اسم الوحدة الجوارية 6.
و بعد ذلك بسنة، نُظم أول ترحيل لفائدة قاطني الأكواخ القصديرية بمدينة قسنطينة، و بدأت العملية حينها من حي “نيويورك” بمنطقة الكيلومتر الرابع، ثم مست بعد أشهر حي “القاهرة” القصديري ببوذراع صالح، و أكواخ من منطقة “الفوبور»، ثم عددا من أحياء الصفيح التي انتشرت بقسنطينة في فترة العشرية السوداء، و قد توالت بعد ذلك عمليات الترحيل باتجاه السكنات الاجتماعية و توسعت ورشاتها بعلي منجلي التي كان معروفة آنذاك باسم “عين الباي»، حيث ارتفع عدد وحداتها الجوارية في ظرف سنوات قليلة إلى 20 وحدة و استُحدثت منطقتا توسع بغرب و شرق المدينة لاستيعاب مختلف البرامج السكنية، لتبدأ معالم الحياة الجديدة تتضح داخل مدينة فاق عدد سكانها اليوم 300 ألف نسمة.
“القاهرة” و “عوينة الفول” بعلي منجلي!
و قد استقبلت علي منجلي آلاف العائلات التي قدمت في إطار عمليات ترحيل كبرى ضمن برنامج القضاء على السكن الهش، شملت بعضها قرابة 6 آلاف عائلة في ظرف سنة فقط، حيث تم إزالة أحياء قصديرية و هشة اعتُقد أنها لن تختفي يوما نظرا لقدمها و ضخامة عدد سكانها، و من بينها «باردو»،»سوطراكو»، «فج الريح» و حي «بالسيف» و كذا أكواخ “الكاطريام» بوادي الحد و حي “فلاحي” بالزيادية و قاطني عمارات بوذراع صالح و غيرهم، كما يُتوقع الشروع، خلال أسابيع قليلة، في برنامج ترحيل ضخم يمتد إلى غاية نهاية السنة ليشمل حوالي 8 آلاف عائلة، دون احتساب مكتتبي باقي الصيغ السكنية, و هو واقع دفع بالسلطات العليا بالبلاد للتفكير في ترقية هذه المدينة إلى بلدية، لكن بعد إجراء دراسة معمقة حول تسييرها الحضري.
و رغم المتناقضات الكثيرة التي تجتمع بعلي منجلي، استطاعت الكثير من العائلات المُرحلة أن تتأقلم فيما بينها متجاوزة الصدامات، أو الخلافات الطبيعية كما يراها البعض، لتكون النتيجة تجمعات وجد مرحلوها أنفسهم أمام حتمية التعايش، رغم أن الكثير منهم فضلوا الاحتفاظ بأسماء أحيائهم القديمة التي لم يعد لها وجود، فقد صار مألوفا استعمال تسميات “نيويورك”، “القاهرة”، “وادي الحد”، «عوينة الفول” و غيرها و حتى تدوينها على العمارات، و هو ما يفسره البعض باستمرار ارتباط المرحلين ببيئتهم القديمة و بشساعة الوحدات الجوارية، أمام غياب اللافتات التوجيهية و تشابه الكثير من العمارات فيما بينها.
صرنا نستحمّ كالبشر!
في جويلية 2015 عرفت الولاية عملية ترحيل كبرى مست 3 آلاف عائلة أعيد إسكانها بالوحدة الجوارية 16 بعلي منجلي، حيث قدم أكثر من نصفها من نهج الثوار وسط مدينة قسنطينة، فيما توزع الباقي على سكنات قصديرية و أخرى مهددة بخطر الإنزلاقات.. بعد حوالي 8 أشهر من الترحيل اقتربت “النصر” من هذه العائلات، التي أكد لنا أفرادها أنهم يحمدون الله كل يوم بانتهاء معاناة دامت لقرابة 20 سنة، بعد الانتقال إلى شقق لائقة يتوفر محيطها على مساحات للعب الأطفال و تقع بمكان يتميز بهدوء لم يجدوه في الأحياء الهشة التي كانوا يعيشون بها.
يقول السيد مراد و هو موظف في قطاع الصحة، و رب عائلة تم ترحيلها من حي “عوينة الفول” للوحدة الجوارية 16، أن حياة عائلته تغيرت بصفة جذرية، فقد كان يعيش بمنزل آيل للسقوط يتألف من غرفتين فقط، ما حرم أبناءه الأربعة و زوجته من أبسط ظروف الراحة و العيش الكريم، لكنهم أصبحوا ينعمون اليوم بحياة أفضل داخل شقة واسعة من ثلاث غرف، خصصت إحداها لابنتيه اللتين صار بإمكانهما مراجعة الدروس و التحضير للامتحانات في جو مناسب، حتى أن معاناة الاستحمام في الشتاء صارت من الماضي بالنسبة لمراد و عائلته، فقد أصبح لديه حمام ملائم مُجهز بالسخان.
بالمقابل، يطرح قاطنو الوحدة الجوارية 16 بعض النقائص، و من بينها غياب محلات التغذية العامة و الخدمات و عدم وجود ساعي بريد، كما يأملون الإسراع في مشاريع المدارس و في إجراءات تحويل بعض التلاميذ لعلي منجلي، و يضيف السكان بأن النقل غير متوفر للمرحلين من «المنية» و «عوينة الفول” و “رود براهم” و غيرهم، كما سجلوا نقصا في الإنارة العمومية و في جمع القمامة.
أكواخ قطار العيش للتخلص من جحيم «أقفاص نيويورك”
و خلافا للأحياء التي رحلت إليها العائلات في السنوات الأخيرة، لاحظنا أن تلك التي انتقل إليها المرحلون قبل أزيد من عقد و الواقعة بوسط علي منجلي، بدأت تعرف تدهورا في المساحات الخضراء و الطرق و الأرصفة، كما كسى اللون الأسود واجهات عمارات امتلأت بالكتابات الحائطية و لم تخضع لأية عملية طلاء منذ إنجازها، و شاهدنا مداخل و سلالم تآكلت و كأن الأمر يتعلق بحي أنشئ قبل 30 سنة أو أكثر.
«الحياة مرة».. بهذه العبارة لخص لنا أحد الشيوخ القاطنين بالعمارات القريبة من فندق معروف و التي رحل إليها سكان حي قصديري بـ «الفوبور» قبل حوالي 15 سنة.. الشيخ قال أنه يعيش في الطابق الأرضي لعمارة تعرف تسربات مستمرة بعد أن صارت هشة مع مرور السنوات، فيما أخبرنا شاب كان يقف بجانبه، أنه قدم مع عائلته عندما كان عمره 14 سنة، و علّق قائلا “صحيح أن حياتنا تغيرت و تخلصنا من معاناة القصدير، لكني اصطدمت عندما كبرت بغياب أماكن الترفيه و استفقت على انتشار البنايات و الاسمنت في كل مكان من حولي”.
توجهنا بعد ذلك صوب التجمع السكني الذي يقطنه مرحلو حي “نيويورك” بوسط علي منجلي.. و هنا يعترف السكان بأنهم تخلصوا من معاناة القصدير و “الترنيت» و انتقلوا إلى منازل لائقة حفظت لهم كرامتهم تحت أسقف تقيهم من حرّ الصيف و برد الشتاء، لكن العديد منهم يشتكون اليوم من ضيق الشقق التي يعيشون بها، خاصة داخل تلك التي تتألف من غرفة و غرفتين، حيث تعدد أفرادها مع مرور السنوات و صارت غير قادرة على استيعاب الجميع، ما دفع بالكثيرين إلى القيام بتوسعات على حساب الشرفات، كما أودع الأبناء طلبات للحصول على السكن الاجتماعي لدى مصالح الدائرة.
و يقول سكان المنطقة أن هناك عائلات تضم أزيد من 7 أفراد يعيشون بشقة تتألف من غرفة واحدة فقط، و وسط ظروف جد صعبة داخل ما يشبه “الأقفاص”، ما اضطر الكثير من الأبناء الذين أسسوا عائلاتهم، للهروب باتجاه أكواخ قطار العيش و الأماكن أخرى، بعدما كان آباؤهم قد تخلصوا من معاناة بيوت الصفيح.
العنف.. كابوس ينتهي بالوحدة الجوارية 14
و قد ارتبط اسم علي منجلي بالعنف خلال الأربع سنوات الأخيرة، بسبب حروب العصابات التي شهدتها بعض الوحدات الجوارية و كانت أخطرها تلك التي عرفتها الوحدة رقم 14، غير أن الكثير من سكان المدينة يرون بأن مظاهر العنف ستتلاشى تدريجيا، و يستشهدون في ذلك بعودة الهدوء إلى الأحياء التي يقطنها المرحلون منذ 15 سنة، على غرار الوحدة الجوارية 8 التي شهدت مواجهات عنيفة استعملت فيها سيوف لم نعد نراها أو نسمع بها اليوم، بحيث تحسن الوضع الأمني بالمكان، حتى أن أغلب الشباب الذين كانوا يشعلون أحداث العنف نضجوا و تزوجوا بل و انتقلوا للعيش بمناطق أخرى.
الوحدة الجوارية 14 استعادت هدوءها اليوم، بعد أشهر من حروب العصابات بين مرحلي فج الريح و وادي الحد، و التي بدأت صيف 2012 و كان أعنفها المسجلة شهري نوفمبر و ديسمبر من سنة 2014، حيث تطلب الأمر حينها تدخلا عناصر مكافحة الشغب و ضمان التواجد الأمني لعدة أشهر، بعد أن وصل الحد ببعض المنحرفين إلى اقتحام المنازل، ما اضطر عائلات لهجرة شقق انتظرتها لسنوات و عرضها للبيع.
بدخولنا الحي لاحظنا أن كل شيئ اختلف، فقد غابت مظاهر القلق و التوجس التي كنا نراها في أعين السكان، حيث بدا كل شيئ طبيعيا.. الأطفال كانوا يلهون في الخارج و كان الباعة يعرضون الخضر بين العمارات، فيما انهمك بعض الشيوخ في تنظيف الحدائق و خرجت الأمهات لاصطحاب أبنائهن من المدرسة، كما لم نشاهد تجمعات كثيرة للشباب أسفل العمارات، بحيث كان عددهم قليلا و انشغلوا في تبادل أطراف الحديث، و غير بعيد عنهم شاهدنا عجائز اخترن الجلوس فوق العشب للاستمتاع بأشعة الشمس في يوم ربيعي.
الجيل القديم بين الحنين و حتمية التأقلم
يقول تلاميذ التقينا بهم قرب الثانوية أن الوضع الأمني تحسن بشكل كبير بالوحدة الجوارية 14، حيث يدرس المرحلون من فج الريح و وادي الحد مع بعضهم البعض بشكل عادي و بعيدا عن هاجس الخوف، رغم تسجيل حالات لمراهقين يقومون برشق المؤسسة و التلاميذ بالحجارة، و هنا طرح لنا العديد من السكان مشكلة استمرار عمليات تخريب المؤسسات التربوية و الرشق بالحجارة من طرف غرباء و حتى من بعض التلاميذ، و هي مظاهر يؤكدون أنهم لم يروها في أحيائهم القديمة، و لم يجدوا لها تفسيرا، لكن مرحلي وادي الحد و فج الريح، يؤكدون بأن 4 سنوات كانت كافية للتعايش فيما بينهم، رغم الصدامات التي وقعت و يرى بعضهم بأنها كانت طبيعية، و سبق أن سجلت لدى المرحلين قبل عدة سنوات، حيث علق أحدهم “الحرب لن تعود أبدا”.
و لمسنا لدى العديد من الشيوخ و الكهول و حتى النسوة اللواتي رُحلن مؤخرا نحو علي منجلي، حنينا لأحيائهم القديمة التي تركوا خلفها معاناة دامت لسنوات، حيث يعترف بعضهم بأنهم لاقوا صعوبة في التأقلم مع الوضع الجديد، على عكس الشباب الذين وجدوا أنفسهم في فضاء أرحب يتوفر على الكثير من الخدمات، بالرغم النقائص المسجلة، حيث يقول الشاب رابح المرحل من منطقة بوذراع صالح، “عندما جئنا هنا عرفنا الدنيا و انفتحنا أكثر على العالم، كما أن فرص العمل متوفرة لمن يريد و هناك مؤسسات تربوية و جامعات من حولنا تسمح لكل شاب بتسطير حياته”، و عن العائلات التي سترحل قريبا إلى علي منجلي، يضيف رابح “ نعيش الإخوة مع بقية الجيران و نرحب بمن سيرحلون إلى هنا و سنستقبلهم بالورود”.
و رغم كل هذه المزايا التي توفرها علي منجلي، يجمع شبابها على تسجيل نقص في المرافق الرياضية و منشآت الترفيه، كما يتخبط العديد منهم في الفراغ و البطالة، ما دفع بهم إلى ممارسة نشاط النقل غير الشرعي “الفرود» و العمل من حين لآخر في الورشات السكنية.
أميونت «سوطراكو» جحيم تم التخلص منه
و يُعدّ القاطنون السابقون بشاليهات «سوطراكو»، من أكثر السكان الذين عانوا لسنوات داخل منازل هشة مصنوعة بمادة “الأميونت» المسرطنة التي حصدت أرواح العديد منهم، حيث تم ترحيلهم قبل حوالي 5 أعوام نحو الوحدة الجوارية 18.. بهذا المكان لاحظنا هدوء لم نلمسه بأحياء أخرى، حيث صادفنا لدى دخوله مجموعة من الشيوخ اتخذوا من حائط إحدى العمارات مكانا للجلوس، فيما كانت الحركة قليلة و تكاد تقتصر على تلاميذ المدارس.
سكان الوحدة 18 التي يعيش بها أيضا مرحلو سكنات هشة بحي بوذراع صالح، قالوا بأنهم تخلصوا من معاناة دامت لعقود و صاروا يرقدون مطمئنين داخل منازلهم، دون الخوف من استنشاق رذاذ مادة الأميونت القاتلة، غير أنهم يطرحون مشاكل كثيرة، من بينها نقص في الخدمات و وسائل النقل و عدد المساجد، و كذا المساحات الخضراء، إضافة إلى قلة دوريات رفع القمامة و انتشار الجرذان.
هاجس الاعتداءات و السرقات يؤرق أيضا السكان، خصوصا بعد حادثة اختطاف الطفلين ابراهيم و هارون سنة 2013 و قتلهما على بُعد أمتار قليلة من سكناتهم، بحيث ذكرت سيدات أنهن صرن يصطحبن أبناءهن في كل مكان بل و يغلقن عليهم داخل الغرف، و تقول امرأة كانت متجهة لاصطحاب ابنها من المدرسة «صحيح أن حياتنا تحسنت، لكننا نعيش داخل شقة تتألف من غرفتين»، فيما علّقت أخرى «حادثة اختطاف و قتل الطفلين جعلتنا نرتعب كلما رأينا امرأة أو رجلا غريبا يدخل الحي”.
حيول فريد مدير مؤسسة تهيئة علي منجلي و عين النحاس
سنجعل من علي منجلي "مدينة ألوان" و حياة سكانها ستتغير للأفضل
يؤكد السيد حيول فريد مدير عام مؤسسة تهيئة المدينة الجديدة علي منجلي و القطب الحضري بعين النحاس، أن وجه علي منجلي سيتغير خلال السنوات المقبلة و بشكل تدريجي، بعد اعتماد و تنفيذ مشاريع تهيئة و تزيين من شأنها «ترقية” حياة سكانها بمن فيهم العائلات المرحلة.
و قد قام والي قسنطينة قبل أشهر قليلة، بتنصيب مدير عام مؤسسة تهيئة المدينة الجديدة علي منجلي و القطب الحضري بعين النحاس، و هي هيئة تتبع مباشرة وزارة السكن و العمران و المدينة، استحدثت بموجب مرسوم تنفيذي صدر سنة 2014، و تعد هذه المؤسسة بمثابة أداة عمل في يد السلطات العمومية لرفع النقائص و الاختلالات المسجلة و لتحريك المشاريع المتأخرة بالأخص في علي منجلي.
و من بين المهام الموكلة لهذه المؤسسة، وضع الدراسات العامة و الخاصة المنبثقة عن مخطط التهيئة و التعمير، و كذا إعداد الدراسات و المصادقة عليها طبقا للتشريع المعمول به، والاستعانة عند الحاجة بالخبرة الوطنية و الأجنبية، إضافة للسهر على جودة الإطار المعيشي و البيئة و ضمان التنسيق المشترك بين القطاعات المتدخلة، مع إحصاء النقائص و تقديمها للجهات المختصة.
و يؤكد مدير المؤسسة السيد حيول فريد أن هيئته لا تزال في طور التحضير لتدعيمها بالموارد البشرية اللازمة، لكنها أعدّت، في انتظار ضبط هيكلها التنظيمي، بطاقات تقنية تخص النقائص المسجلة بكل وحدة جوارية بالمدينة الجديدة علي منجلي، سيما المتعلقة بشبكات تصريف المياه و التهيئة الخارجية للعمارات و إنشاء المساحات الخضراء، و كذا إعادة النظر في الطرقات و ممرات الراجلين.
و قد بدأت الدراسة التقنية من الوحدات الجوارية الأقدم و الأكثر تضررا، و يتعلق الأمر بالوحدات 6، 7 و 8 التي تقطنها العديد من العائلات المرحلة قبل أزيد من 10 سنوات، و التي اختيرت لبدء العمل منها، لأن أغلب سكناتها مأهولة كما أن جميع الهياكل الواقعة بها استكملت و تشهد تدفقا كبيرا من المواطنين القادمين حتى من خارج الولاية، باتجاه المراكز التجارية المتمركزة بهذه النقاط التي تحولت بمرور السنوات إلى وسط المدينة.
و بينت الدراسات الأولية التي أعدّتها مؤسسة تهيئة المدينة الجديدة علي منجلي و القطب الحضري بعين النحاس، تحوّل أغلب المساحات الخضراء الواقعة بالأحياء القديمة إلى حظائر لركن السيارات، إضافة إلى اهتراء واجهات الكثير من العمارات، و تسجيل انسداد مروي مزمن ببعض النقاط السوداء و اختلالات كثيرة في أنظمة تصريف المياه، و غيرها من النقائص المتعلقة بالحياة اليومية للمواطن، و التي سيتم بموجبها رفع مقترحات للوالي، قريبا.
و بين المقترحات التي ستقدمها المؤسسة للسلطات المحلية، حسب مديرها، فتح منافذ أخرى بعلي منجلي لإضفاء سيولة أكبر على حركة المركبات، و كذا استحداث شوارع رئيسية جديدة من أجل فك الخناق عن الشارع الرئيسي الوحيد، كما سيتم إنشاء مساحات خضراء داخل الوحدات الجوارية و وضع مقاعد للجلوس و نافورات و ورود للتزيين، موازاة مع إعادة إنجاز الطرقات و الأرصفة المهترئة.
و تطمح المؤسسة إلى تغيير النظرة السائدة عن علي منجلي بكونها مدينة للتسوق فقط، بحيث ستعمل على تحويلها إلى قطب حضري بلمسات جمالية مميزة، و في هذا الخصوص كشف السيد حيول فريد للنصر، عن مشروع لجعل علي منجلي «مدينة ألوان» على غرار ما هو موجود بعدة دول في العالم، من خلال طلاء كل وحدة جوارية بلون مختلف و بشكل مُتناسق يضفي جمالية على المكان، كما سيتم رفع مقترح باستغلال الفضاءات غير المستغلة لإنجاز مرافق ترفيه و لعب جديدة، الهدف منها ترقية المحيط الذي يعيش وسطه المواطن، كما ستلعب المؤسسة دورا في التحسيس بضرورة الحفاظ على البيئة و المرافق العمومية، بالاستعانة بجمعيات الأحياء، و من بينها تلك التي تم ترحيلها.
ياسمين.ب
الباحثة في علم الاجتماع الحضري بغريش ياسمينة للنصر
التفريغ العشوائي للمُرحّلين ولّد العنف بعلي منجلي
ترى الدكتورة بغريش ياسمينة المختصة في علم الاجتماع الحضري بجامعة قسنطينة 2، أن العنف الذي تشهده أحياء المرحلين بالمدينة الجديدة علي منجلي، سببه اعتماد طريقة “عشوائية” و “غير مدروسة” في إعادة الإسكان و كذا عدم إنجاز المرافق الخدماتية الضرورية و فضاءات الترفيه، التي من شأنها تخفيف التوتر عن العائلات و كسر صورة الكتل الإسمنتية المنتشرة في كل مكان.
و ذكرت الدكتورة بغريش أنها خلُصت من خلال دراسات و أبحاث ميدانية أعدتها حول المدينة الجديدة علي منجلي، إلى وجود أخطاء كثيرة في طرق تعمير هذه المدينة، حيث تم، برأيها، التركيز على الجانب التعميري دون الأخذ بعين الاعتبار توفير التجهيزات و الخدمات الحضرية الضرورية، مثل المرافق الصحية و التربوية و مراكز البريد و كذا المنشآت الرياضية و غيرها، معتبرة ما حصل أثناء الترحيلات، عملية “تفريغ” بكل ما للكلمة من معنى، اعتمد فيها على الكم و ليس النوع، و هو ما نتج عنه، كما أضافت، مدينة امتلأت بالكتل الإسمنتية و تكاد تغيب عنها المساحات الخضراء.
و ترى المختصة أن جميع هذه العوامل أدت إلى بروز المشاكل الاجتماعية التي تعيشها المدينة الجديدة علي منجلي اليوم، كما أظهرت دراسة أجرتها مؤخرا أن السبب الرئيسي في العنف الاجتماعي داخل هذه المدينة، هو إعادة إسكان كل حي بمكان واحد دون تفريق عائلاته عن بعضها البعض، ما خلق صراعات بين قاطني كل حي يحاول أفراده فرض سيطرتهم على الآخر، حيث غالبا ما تبدأ الخلافات بمحاولة بعض الشباب بسط سيطرتهم على حظائر السيارات، لينتهي الأمر بحرب عصابات و مواجهات عنيفة يحاول كل طرف، خلالها، حماية أهله و جيرانه بالاعتداء على من يرونهم أعداء.
و لتجنب تكرار الأخطاء السابقة التي فرضها، أحيانا، الطابع الاستعجالي لعمليات الترحيل، تقترح الدكتورة بغريش الاستعانة بعلماء النفس و الاجتماع في الترحيلات المقبلة، و ترى في هذا الخصوص أنه من الأحسن اعتماد طريقة جديدة في إعادة الإسكان، بوضع عائلات من أحياء مختلفة بكل مدخل عمارة، لتتشكل بينهم، مع مرور الوقت، علاقات جيرة طيبة تلغي محاولة السيطرة على الآخر، كما ستمنع أي شخص من التفكير في الاعتداء على جيرانه، لأنه سيكون واعيا، في هذه الحالة، بأن أهله و أصدقاءه بالحي القديم يعيشون أيضا في تلك العمارة.
و عن مشكلة عدم تأقلم بعض مرحلي علي منجلي مع الحياة الجديدة رغم مرور سنوات على وجودهم بالمدينة، تقول الدكتورة بغريش أن فهم ذلك يحتاج إلى دراسة معمقة يشترك فيها علماء النفس و الاجتماع، خصوصا و أن هؤلاء الأشخاص تخلّصوا، في الواقع، من حياة بائسة كانوا يعيشونها داخل سكنات غير لائقة، لكنها تؤكد بأن الزمن كان كفيلا بوقف مظاهر العنف بالعديد من الوحدات الجوارية، بعد أن اكتشف مفتعلوها بأنهم لم يجنوا شيئا من التخريب و الاعتداء على الآخرين و بأنهم الخاسر الأكبر.
بالمقابل، تحذر المختصة من قيام بعض الآباء بتخريب ألعاب الأطفال المنجزة داخل الأحياء التي رحّلوا إليها في السنوات الماضية، بحجة أن ضجيج اللعب يزعجهم في ساعات القيلولة، حيث أكدت أن هذا السلوك سيولد حقدا دفينا لدى الطفل ضد ذلك البالغ الذي شاهده يكسر ألعابه، لتكون النتيجة ممارسته العنف ذاته، و هنا يأتي، حسب الدكتورة بغريش، دور الأولياء و المعلمين في محاربة العنف عن طريق التوعية، بما يُنتج، في المستقبل، أجيالا تتقبل الآخر وقادرة على العيش بسلام.
ياسمين.ب