سعـر زيـت الــزيـتون مـرشـح لـبـلــوغ ألـف ديـنـار
وسط مسالك جبلية وعرة و منحدرات خطيرة انطلقت حملة جني الزيتون بأعالي القل متأخرة بأسابيع عن موعدها المعتاد، ما يؤشر بتراجع في الإنتاج يتوقع الفلاحون أن يصل إلى الربع، وهو ما سيرفع سعر اللتر من الزيت حسب تقديرات أصحاب معاصر وسكان إلى ما لا يقل عن ألف دينار.الفلاحون ورغم ما أبدوه من تشاؤم يحرصون على تطوير زراعة الزيتون ويطالبون بآليات لتمكينهم من تجديد أشجار عاشوا على ثمارها مائات السنين، ويعترفون بأن حياتهم قائمة على زيت الزيتون لكنها تظل برأيهم زراعة معاشية مهددة بالإندثار في حال لم يتم الإهتمام بها وتقنين ودعم
الإنتاج والتسويق.
روبورتاج: خالد ضرباني/ تصوير: شريف قليب
على طول عشرات الكيلومترات عبر الطريق المؤدي إلى بلدية القل بولاية سكيكدة، تتربع مزارع أشجار الزيتون المترامية على الجبال و على جنبات الطريق الملتوية، حيث شاهدنا العديد من الحقول الصغيرة و الكبيرة التي كانت تختفي بين الحين و الآخر في الغطاء النباتي الكثيف الذي يميز المنطقة، خاصة أن هناك العديد من أنواع الأشجار و النباتات بهذه الناحية من الوطن، و ذلك نظرا لتوفر العوامل المناخية التي تساعد على نمو و تنوع الغطاء النباتي كالرطوبة، لكونها قريبة من الساحل.
و بالرغم من كثافة مزارع الزيتون التي تضم عددا هائلا من الأشجار المثمرة بأغلب مناطق دائرة القل، إلا أن ذلك لم يشفع للفلاحين و لأصحاب الحقول في ما يتعلق بتحسين مستوى الإنتاج خلال الموسم الحالي، حيث يجمع المعنيون بزراعة هذا النوع من المحاصيل و حتى العائلات المتموقعة في الجبال، على توقع انخفاض كبير في الإنتاج لهذا الموسم، و هو ما يعني، حسبهم، أن مادة الزيت ستعرف هي الأخرى تراجعا في الكمية و ارتفاعا في الأسعار كنتائج آلية لنقص المادة. و يرجع المزارعون الإشكال إلى عاملين أساسيين، أولهما شيخوخة الأشجار التي يعود أغلبها إلى ما قبل الحقبة الاستعمارية، و ثانيا مشكلة الجفاف التي شهدتها المنطقة الشمالية خلال العامين الأخيرين و هو ما سلطنا عليه الضوء في هذا الروبورتاج من خلال مرافقتنا للمزارعين و أصحاب المعاصر في عملية جني و عصر الزيتون بمختلف مناطق القل.
غلاء الآلات الحديثة يُطيل عمر المعاصر التقليدية
بداية جولتنا كانت نحو المعاصر للاطلاع على كيفية نشاطها و المشاكل التي تواجهها هذه المعامل الصغيرة التي يعود عمرها لمئات السنين، حسب العاملين بها و سكان المنطقة، حيث توجهنا في البداية إلى ناحية تلزة التي تبعد بثلاث كيلومترات فقط عن وسط دائرة القل، و تطلب الوصول إليها العبور عبر العديد من المزارع و البساتين الصغيرة الخاصة بزراعة بعض أنواع الخضار و أشجار الفواكه التي كانت تحيط بالمنازل، و خاصة منها فاكهة العنب و التين، وسط ديكور طبيعي خلاب خاصة و أنها تقع على بعد أمتار قليلة من شاطئ «أم القصب» الواقع في مدخل المدينة، قبل أن نصل إلى إحدى المعاصر التي تقع في مستودع صغير، إلا أننا تفاجأنا بعدم شروعها في العمل نظرا للانطلاقة المحتشمة التي يعرفها موسم جني الزيتون، بخلاف السنوات الماضية حسب صاحب المعصرة، و بعد تجاذب أطراف الحديث مع المعني و بعض العمال الذين التقينا بهم هناك، تبين أن الأخيرة تعمل بآلة عصر حديثة و هو شيء غير متاح لدى كل المعاصر التي لا تزال تسير بالطريقة التقليدية.
أخبرنا صاحب المعصرة أن مثل هذه الآلات معمول بها اليوم بكل الدول المتطورة، خاصة منها بلدان البحر المتوسط كاليونان و إيطاليا و فرنسا و إسبانيا و غيرها، موضحا أن الآلات الحديثة تم الاستفادة منها في إطار الدعم الفلاحي و انطلق العمل بها سنة 2008، و هو ما لعب دورا كبيرا، حسبه، في تخفيف الأعباء عن أصحاب المعاصر و خاصة تقليل عدد العمال، مع المحافظة على نظافة المنتوج و ضمان سرعة في العصر، إلا أن صاحب المعصرة قال إنه و على مستوى دائرة القل بأكملها، لا توجد سوى معصرتان حديثتان من هذا النوع، مبررا ذلك بارتفاع أسعار هذه الآلات التي تقدر بـ 3 ملايير و 200 مليون سنتيم، مبلغ ليس بإمكان كل المعاصر توفيره لاقتناء مثل هذه الآلات الحديثة، و هو ما لاحظناه في الميدان و من خلال حديثنا مع أصحاب المعاصر، حول استمرار بعضها في العمل بطريقة العصر التقليدية عن طريق وضع عجينة الزيتون في أسطوانات من الخيط، ثم عصرها باستعمال أخرى حديدية و آلة ضاغطة.
أشجار عمرها 300 سنة ولا جني دون النساء
و حسب سكان المنطقة و العارفين بهذا النوع من الزراعة، فإن غالبية حقول و بساتين الزيتون بالمنطقة تتركز في المصيف القلي و خاصة بوادي زهور و بني زيد و كركرة، حيث لاحظنا من خلال جولتنا في عمق جبال القل، أنها تتموقع خصوصا في مساحات جبلية و منحدرات وعرة، إلى درجة لم تسمح لنا بالتوغل في بعض البساتين و الحقول المتشعبة، و التي كانت تتميز بصعوبة المسالك بين الصخور من جهة، و كثافة الغطاء النباتي من جهة أخرى، كما أخبرنا أهالي المنطقة أن هناك بعض الحيوانات التي قد تشكل خطورة على حياة الإنسان، منها الذئاب و بشكل كبير الخنازير التي قد تصل إلى المحيطات القريبة من السكنات التي كانت مترامية على السفوح و بين غابات الزيتون.
و من بين المؤشرات التي تحدث عنها الفلاحون و أصحاب المعاصر و العائلات المهتمة بنشاط زراعة الزيتون، أنه يتوقع انخفاضا كبيرا في الإنتاج هذه السنة بخلاف المواسم السابقة، كما سجلنا تأخر الانطلاق الفعلي لجني المحصول خاصة أنه من المعتاد الشروع في جمعه ابتداء من منتصف شهر نوفمبر من كل سنة، حيث اقتصرت العملية على بعض العائلات التي تمتلك بساتين صغيرة و تقتات على عائدات بيع الزيتون و الزيت، حيث أجمعت العائلات التي التقينا بها في هذه الحقول الصغيرة، على تسجيل تراجع كبير في الإنتاج إلى حوالي الربع مقارنة بالسنوات الماضية، و هو ما وقفنا عليه ببعض البساتين التي كان أصحابها يقومون بعملية الجني، حيث لاحظنا تجميع كميات قليلة لا تتجاوز، حسبهم، القنطارين في أحسن الأحوال، في حين برّر آخرون نقص الإنتاج هذه السنة بالجفاف الذي عرفته المناطق الشمالية خلال السنوات الأخيرة، و هو ما أدى إلى جفاف حبات الزيتون بفعل الحرارة و تساقط الكثير منها قبل موسم الجني.
و قال أصحاب المعصرات إنه من المتوقع أن لا تتجاوز الكميات المعنية بالعصر لدى كل فلاح أو ملاك أشجار الزيتون، 10 قناطير من المحصول في أحسن الأحوال، و هي كميات قالوا بأنها قليلة جدا مقارنة بالسنوات الماضية أين كانت المعاصر تشهد طوابير طويلة، و تصل مدة انتظار بعض الزبائن إلى 10 أيام أمام بوابات المعاصر، فيما أكد المزارعون أن سعر الزيت مرشح للارتفاع إلى نحو 1000 دج للتر، علما أنه يباع حاليا بـ 650 دج بالنسبة للمستخلص من الزيتون الأخضر و 750 دج للمستخلص على الساخن، في يحين يصل سعر الزيت المُعدّ تقليديا من طرف العائلات التي تقطن في الجبال، إلى 800 دج.
«الشدادة» و»بومثالث» و»العكاز».. أدوات الحملة
طريقة جني الزيتون عملية محسوبة و ذات أهمية كبيرة عكس ما يعتقده البعض، حيث سمح لنا تواجدنا بالبساتين رفقة أصحاب الأشجار، بالاطلاع على بعض التفاصيل الخفية للعملية، منها استعمال نوع من العصي الخشبية لنفض الزيتون، و هي ثلاثة أنواع أولها ما يعرف بـ «الشدادة» و يتميز بطوله الذي قد يصل إلى ثلاثة أمتار، و «بومثالث» يقل طولا نوعا ما عن الأول و كذا ما يسمى بـ «العكاز» و هو أصغر الأنواع طولا وهي عبارة عن وسائل خشبية يتم صناعتها عن طريق ليّها باستعمال النار حتى تصبح صلبة و غير قابلة للانكسار، و يتم الاستعانة بها عن طريق نفض أغصان الأشجار لإسقاط حبات الزيتون من الشجرة دون كسرها.
من خلال حديثنا مع العائلات التي تقطن بالمناطق الجبلية المجاورة لبساتين الزيتون في ناحية «الطهرة» التي تبعد بحوالي 7 كيلومترات عن بلدية بني زيد و بحوالي 25 كيلومترا عن القل، لاحظنا مشاركة العنصر النسوي بقوة في عملية الجني، حيث أخبرنا بعض من تحدثنا إليهم أن المرأة و حسب التقاليد المتوارثة، تشارك زوجها في العملية بحيث يتم تكليفها عادة بالجمع فقط، في حين يقوم الشباب و الكهول و حتى الشيوخ بإسقاط حبات الزيتون على الأرض قبل أن يتم وضعها في أكياس بلاستيكية كبيرة و من ثم عصرها.
أما بخصوص أشجار الزيتون المغروسة، فقال أصحابها أن المئات منها تعود إلى الحقبة ما قبل الاستعمارية و هناك بعض الأشجار، حسبهم، يفوق عمرها 300 سنة، و هي متوارثة أبا عن جد حسب روايات أهالي المنطقة، حيث قالوا أن بعضها أصبحت قليلة الإنتاج و أخرى غير منتجة تماما، مشيرين في ذات السياق إلى عدم الاهتمام بزراعة شتلات حديثة و الاعتماد فقط على غابات أشجار الزيتون القديمة و هو ما تسبب في انخفاض كميات الإنتاج موازاة مع العوامل الطبيعية الأخرى و عدم الاعتناء بالأشجار سوى في موسم الجني، فيما أشار آخرون إلى نقص اليد العاملة على جني الزيتون، في حين يستعين آخرون بشباب مقابل 2500 دج لليوم.
الزراعة العائلية تعيق التصدير
تتميز أغلب البلديات و القرى الواقعة على مستوى دائرة القل بطابعها الريفي و تضاريسها الجبلية الصعبة المحاطة بالغابات، و مكنتنا الجولة التي قمنا بها على مستوى البساتين من الاطلاع عن قرب على معاناة أهالي القرى الصغيرة في ظل غياب العديد من ضروريات الحياة، ولاحظنا تمسك السكان بنمط العيش التقليدي، مع تسجيل عودة الأمن إلى هذه المواقع التي كانت محرمة حتى على سكانها خلال العشرية السوداء.
و أخبرتنا العديد من العائلات التي تجاذبنا معها أطراف الحديث، أنها تعيش على عائدات بيع الزيتون و الزيت المستخلص منه في ظل الظروف الاقتصادية التي تعاني منها أغلب عائلات المنطقة بسبب انعدام مناصب شغل، حيث تتوارث تلك القاطنة بالمنطقة أشجار الزيتون و تقوم باقتسام المحصول فيما بينها و من ثم بيعه للزبائن في الطرقات أو في المدن، مضيفين أن غالبية كميات الزيت و الزيتون التي يتم إنتاجها يتم استهلاكها عائليا أو بيع جزء منها للزبائن، حيث أكد لنا المعنيون أنه لا توجد آليات لجمع منتوج الزيت من طرف الدولة و من ثم تصديره إلى الخارج على غرار دول أخرى كتونس مثلا، و قالوا إن كمية الإنتاج الإجمالية لا يمكن تقديرها بسبب عادات الاستهلاك المحدود و انعدام ثقافة التصدير، بالرغم من كون الزيتون المحلي يمتاز بجودة النوعية و توسع رقعة المحاصيل تقريبا على طول الشريط التلي للبلاد و ليس فقط بمنطقة القل.
خالد .ض