مقاهي أنترنت تتحوّل إلى وسيط إداري
يعرض العديد من أصحاب مقاهي الانترنيت بولاية قسنطينة خدمات متعددة مقابل مبالغ مالية مختلفة، حيث تحولوا إلى ما يشبه الوسيط بين المواطن والإدارات وبعض الهيئات، بعد أن صارت الكثير من الإجراءات الإدارية تتطلب المرور عبر البوابات الإلكترونية من أجل ملء استمارات أو تحميلها أو إيداع طلبات، على غرار إيداع ملف الحصول على تأشيرة بلدان أجنبية وتحميل وثائق خاصة بالسكن، في وقت يشتكي فيه مواطنون من عدم تمكنهم من الاستفادة من الربط بالشبكة العنكبوتية ما يدفعهم إلى اللجوء لمقاهي الانترنيت رغم هاجس التعرض إلى قرصنة معلوماتهم الشخصية.
روبورتــاج: سامي حباطي
وفي هذا الروبورتاج قامت النصر بنقل طريقة تعامل مجموعة من مقاهي الانترنيت ومحلات أخرى والعروض التي يقدمونها، واطلعنا على الأسعار التي يطلبها أصحابها مقابل بعض الخدمات، التي من المفترض أنها تتم بشكل مجاني على الشبكة العنكبوتية، لدرجة أن بعض الهيئات وضعت تحذيرا على مواقعها لتنبيه زبائنها بضرورة عدم دفع أية أموال لمن يقدمون أنفسهم كوسطاء.
طلبات التأشيرة مقابل 500 دج
وخلال جولة قمنا بها بوسط مدينة قسنطينة، لاحظنا وجود محل يعلق فوق مدخله لافتة كتب عليها “وكالة اتصالات” وأسفلها مجموعة من الملصقات الإشهارية على الواجهة الزجاجية، وردت فيها العديد من خدمات التسجيل على الشبكة العنكبوتية التي يوفرها المحل، على غرار التسجيل في قرعة الحج لسنة 2017، الذي ينتهي أجله في 7 مارس المقبل حسب ما جاء في الملصق، بالإضافة إلى خدمة إيداع طلبات التأشيرة إلى عدة بلدان هي دبي والولايات المتحدة وفرنسا ومالطا ومصر، واستمارات بطاقات الهوية وبطاقات الزيارة وجوازات السفر وكتابة السير الذاتية، والتسجيل في البطاقة الذهبية للحساب البريدي واستمارات التوظيف وخدمات تجليد الكتب وإعداد مذكرات التخرج وغيرها.
ويعرض نفس المحل خدمة أخذ موعد “اكسبريس فرانس”، مقابل 180 أورو ما يساوي 20 ألف دينار جزائري حسب ما هو وارد في الملصق، في حين دخلنا إلى المحل فوجدنا شخصين يجلسان خلف شاشتي كمبيوتر وآلة طبع ، حيث سألنا صاحب المحل عما يجب أن نُحضره من أجل طلب تأشيرة سياحية لفرنسا، فأخبرنا بأنه ما علينا إلا أن نحضر جواز السفر في الوقت الحالي، لكن موعد إيداع الملف سيكون في شهر ماي المقبل حسبه، وعندما سألناه عن السعر الذي ندفعه مقابل التسجيل، أخبرنا بأن العملية تتم مقابل 500 دج. في المقابل تقربنا من مقهى انترنيت آخر بحي يقع بالجهة الشرقية للمدينة، فأوضح لنا بأنه يعرض خدمة تحديد موعد لإيداع طلب التأشيرة لفرنسا مقابل 250 دج، في حين يأخذ عن خدمة التسجيل في قرعة الحج 150 دج.
ولجنا إلى موقع الوكالة الرسمية “تيالاس”، التي تتعامل مع السفارة الفرنسية وسفارات بلدان أوروبية أخرى كوسيط في عملية إيداع طلبات الحصول على التأشيرة، ولم يستغرق منا ذلك إلا بضع ثوان، حيث وجدنا على موقع الوكالة “تحذيرا من محاولات التحايل” جاء فيه “إن أخذ موعد لإيداع ملف الفيزا على مستوى فروع الوكالة مجاني، باستثناء ما يكلفه استعمال الانترنيت أو الاتصالات الهاتفية لذلك، واللجوء إلى خدمات شخص ما من أجل أن يقوم كوسيط لأخذ موعد على مستوى الوكالة، مقابل مبلغ مالي يفوق ما يكلفه اتصال هاتفي أو استعمال الانترنيت، قد يسبب لصاحبه المشاكل مع القنصلية أثناء قيامكم بإنشاء طلب التأشيرة الخاص بكم. لا يُطلب منكم تسديد أية مبالغ مالية، باستثناء رسوم وتكاليف الخدمة المعتمدة من طرف القنصلية”.
عروض للمساعدة على إعداد الملفات الإدارية عبر المواقع
أما في بعض مواقع الانترنيت المختصة في التسويق والخدمات، وجدنا عروض حجز فنادق في دول أجنبية مقابل مبالغ مالية مختلفة، على غرار منشور وجدنا فيه رقم هاتف وعرضا لحجز غرف بفنادق تقع ببلدان أخرى، بالإضافة إلى حجز مجاني لتذكرة السفر بالطائرة، كما وجدنا منشورا آخر يعرض فيه صاحبه خدمة مساعدة لتمكين الزبون من الحصول على بطاقة ائتمان افتراضية مقابل 10 آلاف دينار، بالإضافة إلى عرض آخر للمساعدة في طلب تأشيرة رقمية إلى تركيا مقابل 11 ألف دينار، على عكس آخر لم يحدد فيه السعر لكن من وضعه نوه بأنه يمكن لمن يتقدمون إليه الحصول عليها في ثلاثين دقيقة، وأضاف صاحبه الكثير من العروض إلى البلدان الأخرى ولأنماط مختلفة من الفيزا، حيث وضع إمكانية التسديد عبر الحساب البريدي الجاري أو البنكي.
لكن الهوية الحقيقية للذين يضعون هذه العروض على الانترنيت، تبقى مجهولة ولا يمكن التأكد منها، رغم أن كثيرا منهم يدعمون ما ينشرونه بأرقام هواتفهم وعناوين البريد الالكتروني الخاصة بهم، بالإضافة إلى أن آخرين يقومون بإضافة اسم لوكالة اتصال أو جهة ما، من الصعب التأكد من حقيقة وجودها.
برنامج عدل يجذب زبائن من نوع آخر
واصلنا جولتنا بوسط المدينة، وتوجهنا إلى أحد مقاهي الانترنيت، حيث لاحظنا على واجهته مجموعة من الملصقات تحمل عروض طلبات التأشيرة مكتوبة بألوان الأعلام الوطنية للبلدان المعنية بها، في حين دخلنا إلى مقهى آخر لا يعلق أية لافتات، لكن جاء خلفنا بعض الشباب وسألوه عن إمكانية الإطلاع على الموقع الالكتروني لوكالة “عدل” من أجل سحب تواريخ استلام الأوامر بالدفع لتسديد الشطر الثاني، لكنه أخبرهم بأن العملية لم تنطلق بعد، حيث أوضح لنا بعد ذلك بأن مكتتبي البرنامج السكني عدل يقصدونه بكثرة عند الإعلان عن أمور مماثلة، مشيرا إلى أنه لا يتقاضى منهم إلا قيمة الوقت الذي يشغل فيه جهاز الكمبيوتر من أجلهم، وحقوق طبع الأوراق الخاصة بهم.
لكن محدثنا أكد لنا بأن الكثير منهم يقومون بسحب وثائقهم بأنفسهم من الموقع الالكتروني، ويكتفي هو بطباعة ما يطلبونه منه، ما عدا بعض الذين لا يتحكمون جيدا في جهاز الكمبيوتر أو لا يحسنون استعماله ، ما يجعلهم يلجأون إليه لمساعدتهم. كما أضاف نفس المصدر بأن مقهى الانترنيت الذي يُّشرف عليه يستقبل عددا كبيرا من تلاميذ الطور الثانوي وعائلاتهم عند الإعلان عن نتائج البكالوريا خلال عطلة الصيف، ما يسبب له بعض المشاكل أحيانا، بسبب التوافد الكبير وشغل جميع الأجهزة الموجودة بمحله في وقت واحد، فيما أوضح لنا بأنه يوفر خدمات أخرى للمواطنين على غرار الصور طبق الأصل وخدمات كتابة مذكرات التخرج على جهاز الكمبيوتر وغيرها.
ويوفر محدثنا أيضا البحوث المدرسية لتلاميذ المدارس، حيث قال إن العديد من المتمدرسين يقصدونه لهذا الغرض، لكنه في الحقيقة يوفرها لهم جاهزة دون أن يبذلوا جهدا، على حد تعبيره، والمشكلة الأولى بالنسبة إليه تكمن أن أغلبيتهم يتوجهون إليه من أجل إعداد بحوث حول نفس الموضوع، في فترات متقاربة من السنة الدراسية، ما يضطره إلى البحث عن مصادر مختلفة حتى لا يقدم مواضيع متطابقة للتلاميذ، ويتقاضى مقابل ذلك مبالغ من المال بحسب عدد الأوراق، دون أن يحتسب الوقت الذي يمضيه في البحث، وهي تتراوح أحيانا بين مائة ومائتي دينار.
مواطنون متخوفون من قرصنة معلوماتهم الشخصية
تحدثنا إلى بعض المواطنين الذين التقينا بهم داخل مقهى الانترنيت، حيث أخبرنا أسامة بأنه يعتمد على مقاهي الانترنيت من أجل القيام ببعض الإجراءات الإدارية، على غرار إيداعه لطلب الحصول على بطاقة التعريف البيومترية، مضيفا بأنه رغم الاحتياطات التي يقوم بها وتحفظه على منح صاحب مقهى الانترنيت الحق في الإطلاع على معلوماته الشخصية من خلال اعتماده على نفسه في تعبئة الخانات المخصصة لذلك، لكنه يجد نفسه مضطرا في بعض الأحيان إلى الاستعانة به عندما تقابله حالات لا يتحكم فيها، على غرار التسجيل في قرعة “الغرين كارد” الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، التي تستوجب صورة هوية بمواصفات تقنية محددة وبرامج أخرى تتطلب تحميل الوثائق المصورة بمواصفات معينة.
وأشار محدثنا إلى أن عدم تمكنه من الحصول على اشتراك انترنيت هو ما يجعله يلجأ إلى مقاهي انترنيت من أجل القيام ببعض التسجيلات على مضض، موضحا بأن المكان الذي يقطن فيه لا يتوفر على تغطية بشبكة الهاتف الثابت، بالإضافة إلى أنه حاول عدة مرات الحصول على اشتراك الجيل الرابع دون جدوى، بحجة تشبع الهوائي الذي يوزع لسكان وسط المدينة، التي يقطن على بعد كيلومترات قليلة منها، حيث أضاف بأن المقهى قد لا يكون مؤمنا من الناحية الالكترونية أيضا حتى لو قام بإجراءاته بنفسه، ما يعرضه لخطر قرصنة معلوماته أو حساباته الشخصية، مضيفا بالقول “لا حيلة لي في الوقت الحالي إلا أن ألجأ إلى هذه المقاهي إلى أن أتمكن من الحصول على اشتراك خاص بي”.
وقال شاب آخر التقينا به في نفس المكان، إن مقاهي الانترنيت وغيرها من المحلات أصبحت تلعب دور الوسيط بين المواطن والإدارات العمومية، في استخراج العديد من الوثائق، مشيرا إلى مشكلة نسخ صور طبق الأصل عن الوثائق الشخصية، التي من المفترض، حسبه، أن يقوم بها الزبون بنفسه داخل المحل المخصص لذلك مثلما يتم العمل به في دول أخرى، لكن تخوف بعض أصحاب المحلات من تعرض أجهزتهم للتلف أو العطب بسبب استعمالها بطريقة خاطئة يجعلهم يمنعون الزبائن من لمسها.
مديرية التجارة : هي خدمات غير قانونية
مدير التجارة لولاية قسنطينة، أوضح لنا بأنه من غير القانوني أن تعرض مقاهي الانترنيت خدمات المساعدة على التسجيل وإيداع طلبات على شبكة الانترنيت مقابل المال، حيث أشار لنا إلى أن السجل التجاري الخاص بها ينص على أن تقتصر خدماتها على استعمال الأنترنيت والطباعة وإعداد الصور طبق الأصل فقط، ما يعني بأنه لا يجب أن يُدفع لصاحب المقهى إلا ثمن الوقت الذي يمضيه الزبون في استعمال جهاز الكمبيوتر. كما أوضح لنا بأن المخالفة المذكورة قد تعرض صاحبها إلى عقوبات من مديرية التجارة، قد تصل إلى حد الغلق لمدة شهر.
س.ح