مغامرة مليئة بالمفاجآت عاشها أزيد من 800 مصطاف
عاش أول أمس حوالي 800 مصطاف تنقلوا على متن القطار في أول رحلة أطلق عليها «قطار بحر» ، عبر خط مسيلة ـ بجاية، صدمة حقيقية أفسدت عليهم الاستمتاع برحلة الاستجمام و الترفيه إلى شواطئ عاصمة الحماديين ، بعدما تحولت فرحتهم بركوب القطار السريع و المريح، إلى معاناة دامت أزيد من 18 ساعة كاملة، بدأت منذ الساعة الخامسة صباحا أول أمس الخميس، وانتهت في حدود منتصف الليل، توقيت العودة على متن قطار ليس ذلك الذي انطلق بهم في أجواء بروتوكولية كبيرة، حضرها والي مسيلة و المدير العام للشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية، رفقة المدير الجهوي للمؤسسة، حيث تم استبداله بآخر قديم وصفه المصطافون بالمدفأة الفولاذية. هذا التغيير صدم العائلات، و ضاعف إحساسها بالتعب و حول رحلة العودة إلى رحلة غضب و معاناة.
روبورتاج : فارس قريشي
رحلة «قطار البحر» التي سبقتها دعاية كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف الوسائط الإعلامية، وانتظرها المئات من سكان المسيلة لتقرب شواطئ بجاية منهم أكثر فأكثر ، تأخر موعد انطلاقها بساعتين، بعدما كان مقررا في حدود الساعة السادسة صباحا، على أن تكون العودة على العاشرة ليلا.
المشرفون على هذه المبادرة، أرادوا أن يتم إعطاء إشارة انطلاقها الشرفي من قبل السلطات الولائية لتبدأ حكاية ظهرت ملامحها قبل الساعة السادسة وعلى مشارف محطة القطار بعاصمة الولاية، عندما ترك الكثير منهم يفترشون الأرض بمحيط المحطة، ليس لسبب سوى أن والي الولاية والسلطات ستشرف على انطلاق رحلة ليست كغيرها من الرحلات الصيفية التي يتطلع اليها المواطنون، و لم يتم السماح لهم بالتقرب من الشباك لاقتناء تذاكر السفر، إلا قبل نصف ساعة من قدوم السلطات.
سعر التذكرة حدد مسبقا بـ 360 دج للفرد ذهابا وإيابا، غير أن الكثير منهم تفاجأوا بإلزامهم بدفع مبلغ 235 دج، على أن يسددوا باقي المبلغ بمحطة بجاية عند عودتهم ، و ما حدث في الأخير أنهم اكتشفوا أن المبلغ ارتفع إلى 470 دج للفرد،بعدما قاموا بتسديد نصف المبلغ، وليس كما أعلن عنه مسبقا من قبل المشرفين على العملية.
توفير كتب للتشجيع على المطالعة في القطار
انطلاق الرحلة كان على الساعة الثامنة صباحا وسط أجواء من البهجة و الفرح و الأمل في قضاء يوم ممتع ومفيد، خصوصا وأن المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية الشهيد بودراي بلقاسم، وفي إطار اتفاقية موقعة مع مؤسسة النقل بالسكك الحديدية، وفرت مجموعة مهمة من الكتب والقصص للركاب، قصد تخفيف مشقة السفر عنهم و تقليص المسافة من خلال قراءة ما توفر من كتب في شتى المعارف الأدبية والدينية والعلمية والتاريخية والروايات.
حتى قصص الأطفال كانت حاضرة بعد أن خصص حيز في العربة الأولى المكيفة للمطالعة ،و قد سبق و أن صرح المدير العام للشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية ياسين بن جاب الله للصحافة بمحطة المسيلة، بأن هذه المبادرة سيتم تعميمها مستقبلا عبر جميع الولايات على متن قطارات الشركة لتشجيع المسافرين على القراءة.
هذه المبادرة لم تلق صدى كبيرا في رحلة المسيلة ـ بجاية، على اعتبار أن عدد الذين أقبلوا على اختيار كتب لقراءتها، لم يتجاوز 07 من ركاب العربة الأولى المكيفة، ومعظمهم من الأطفال الذين وجدوا في قراءة القصص متعة كبيرة، في حين انشغل الكثير من الركاب الراشدين بتجاذب أطراف الحديث، خاصة النساء اللائي وجدن في الرحلة فرصة للتعارف، في حين فضل العديد من الركاب النوم أو استعمال الهواتف الذكية والاطلاع على الفاسبوك و التقاط صور سيلفي .
الأمور لم تسر كما أراد منظمو الرحلة، بعد ان بدأت جحافل من الشباب تغزو القاطرة الأمامية بحثا عن الجو المنعش، بعدما وجدوا أنفسهم في عربات خلفية، قال البعض أنها شبيهة بحمامات «السونا»، لاسيما وأن تأخر انطلاق الرحلة الى غاية الساعة الثامنة صباحا، ساهم كثيرا في هذه المتاعب ، على اعتبار أن أشعة الشمس أصبحت حارة، ما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة التي انعكست على العربات الخلفية.
وفي هذا الصدد كان المدير العام للشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية قد كشف من مسيلة أن العام المقبل سيعرف تجديد حوالي 232 عربة لاستغلاها في رحلات خلال الصيف المقبل، والتي قال بشأنها أنها مبادرة شرع فيها صيف سنة 2016، بإطلاق أول رحلة من بسكرة ، وتم توسيعها هذه السنة، قصد ربط ولايات الجنوب بولايات الشمال، والسماح لعدد كبير من المواطنين بالتنقل إلى الولايات الساحلية.
اجتياح الشباب و المراهقين للعربة المكيفة
أعوان الامن الداخلي وجدوا صعوبات كبيرة في وقف زحف عشرات الشباب والمراهقين الذين بدا على البعض منهم الاستياء والغضب بسبب التفريق بينهم وبين العائلات التي خصصت لها عربة مكيفة، في حين العربات التي وجهوا إليها الحرارة داخلها لا تحتمل، و بالمقابل أعربت العائلات عن انزعاجها من هذا الوضع.
و قضى أعوان الأمن ما تبقى من الرحلة في إخراج الشبان ، ليعودوا و هكذا، و قد توقف القطار في عدة محطات كالبرج ، المنصورة، بني منصور و تازمالت، ما جعل القطار يتأخر عن موعد الوصول علما بأن المسافة الفاصلة بين المسيلة وبجاية لا تزيد عن 210 كلم.
و بالرغم من تلك الإزعاجات و التوقفات، فقد استمتع الركاب بالمناظر الطبيعية الخلابة والمتنوعة التضاريس والتي تجلب الأنظار بجمالها وكثرة غاباتها وجبالها ووديانها، بداية من منطقة سد القصب الذي لم يسبق للعديد من المسيليين أن شاهدوه من الضفة الأخرى، فعبروا عن أسفهم لما آلت اليه هذه المنشأة المائية، بعد أن ضرب الجفاف المنطقة في السنتين الأخيرتين، حيث كانت الفرصة متاحة لاستكشاف هذه الوضعية الحزينة لسد القصب الذي أنشء خلال أربعينيات القرن الماضي في الفترة الاستعمارية، وبدت الأشجار محطمة الأغصان وباهتة الألوان والأنهار جفت من مياهها التي كانت لا تتوقف عن الجريان.
و شاركت في هذه الرحلة عدد من المديريات ومنها الشباب والرياضة والنشاط الاجتماعي ، وجمعيات رافقت عدد كبير من الأطفال و ذوي الاحتياجات الخاصة على متن القطار، ومن بينها جمعية بصمة إبداع لترقية المرأة والفتاة التي رافقت حوالي 18 فردا في هذه المغامرة الأولى من نوعها، والتي ستحفر، يقول أحد مرافقي الشباب المصطافين، لا محالة في ذاكرتهم ، فمهما كانت ظروف الرحلة ومتاعبها و مشاقها النفسية، تبقى ، حسبه، ممتعة وجميلة ولا يجب أن ينكر ذلك أحد.
شاطئ مغرة يستقطب الكثير من الركاب
وصل القطار إلى محطة بجاية في حدود منتصف النهار و47 دقيقة، و حدد موعد العودة إلى مسيلة في حدود الساعة السادسة والنصف مساء، وهو ما جعل المصطافين يبحثون لأنفسهم عن أقرب شاطئ بالمنطقة من أجل قضاء ولو ساعة واحدة في السباحة و الاستجمام ، و اختار الكثيرون شاطئ مغرة على مسافة 10 كلم، باعتباره الأقرب إلى مدينة بجاية قصد التمكن من العودة في الوقت المحدد لانطلاق القطار.
في حين أسرعت فئة أخرى للبحث عن وسائل النقل باتجاه شواطئ تيشي وباب البحر بمدينة بجاية على أمل أخذ قسط من الراحة و الترفيه بعد رحلة استغرقت ساعات طويلة ومتاعب عديدة و أن بعض المصطافين قضوا ليلة الخميس في محطة القطار بالمسيلة، علهم يجدون لمكانا في رحلة «قطار البحر» و علق أحدهم "في المرة المقبلة سيكون علينا المجيء سيرا على الأقدام، بدلا من ركوب مدافئ بمبلغ 360 دج".
استبدال القطار بآخر قديم في رحلة العودة
رحلة الإياب أيضا تأخرت كرحلة الذهاب، حيث تفاجأ الركاب بتغيير موعد العودة الذي حدد على الساعة السادسة والنصف، إلى غاية الثامنة إلا ربع ليلا، وهو ما أثار حالة من الاستياء والغضب في أوساطهم، خاصة من فئة الشباب و المراهقين الذين احتجوا لمسؤولي المحطة الذين دخلوا في حالة استنفار قصوى، خوفا من أن تتطور الأحداث إلى صدامات، وكانت الصدمة أشد عندما اكتشف الركاب تغيير القطار، حيث أحضروا قطارا قديما، يعود إلى سنوات حرب التحرير، كما قال البعض، معلقين على نوعية العربات، و أعرب الكثير من أرباب الأسر عن استيائهم من الشركة التي اتهموها بإهانتهم واحتقارهم واحتقار سكان هذه الولاية التاريخية التي انتظرت أن ترى قطارات سريعة مكيفة تجوب سكك الولاية وباقي ولايات الوطن بعد عشرية من الاستثمارات التي شهدها قطاع النقل بالسكك الحديدية، الا أن ما حدث جعلهم يصبون جام غضبهم على أعوان الأمن الداخلي وعمال المحطة الذين تعرضوا للكثير من الانتقادات و الكلمات الجارحة.
وزاد من امتعاض المسافرين الاستعمال المفرط للمنبهات من قبل سائق القطار طيلة أربع ساعات من عمر الرحلة ليلا، وهو ما أرجعه المشرفون، إلى نوعية القطار وظروف القيادة ليلا، جراء كثرة الأحراش والغابات والحيوانات التي تسلك السكة فجأة تحت جنح الظلام.
و وصل القطار في حدود منتصف الليل إلى محطة المسيلة، بعد أن بلغ الاستياء أشده بين الركاب الذين تعهدوا بعدم إعادة المغامرة وقطع الصلة بشركة النقل بالسكك الحديدية، غير أن منظمي الرحلة على المستوى الولائي، حاولوا تدارك ما حصل من خلال توفير حافلات لنقل المسافرين إلى بيوتهم ، حيث خصصوا ثلاث حافلات تابعة لمؤسسة النقل الحضري في خدمة المصطافين.
ف/ ق