أطفال يقطنون بالقرب من السواحل يكتشفون البحر لأول مرة
رافقت النصر أطفالا معوزين وأيتاما يقيمون بمناطق نائية ومعزولة بولاية البليدة في رحلة استجمام إلى شاطئ خلوفي01 بزرالدة بالجزائر العاصمة، نظمتها رابطة نشاطات الهواء الطلق والترفيه و تبادل الشباب لولاية البليدة، بالتنسيق مع مديرية الشباب والرياضة، وبالرغم من أن بعض الأطفال المعنيين بالرحلة الاستجمامية لا تبعد مساكنهم عن الشواطئ إلا ب 20 كيلومترا، إلا أن هذه الرحلة حققت لهم الفرجة و زرعت في وجوههم البسمة فكانت فرحتهم كبيرة، و تفاجأنا خلال تواجدنا رفقة هؤلاء الأطفال طيلة يوم كامل، لحالات أطفال يدخلون البحر لأول مرة، رغم أنهم يقطنون بمناطق قريبة من السواحل، كما أن عددا كبيرا منهم يعملون خلال موسم الاصطياف في الفلاحة و التجارة، رغم صغر سنهم، حيث لا تتجاوز أعمارهم 13 سنة، و ذلك من أجل توفير مستلزمات الدخول المدرسي أو لمساعدة أوليائهم المعوزين، وفي نفس الوقت فإن بعض الأولياء رفضوا مشاركة أبنائهم في هذه الرحلة، حتى يقوموا بمساعدتهم في العمل، خاصة في ميدان الفلاحة.
كان انطلاق الرحلة في حدود الساعة الثامنة والنصف صباحا من مقر رابطة نشاطات الهواء الطلق والترفيه بالمركز الثقافي بونعامة الجيلالي، بعد أن توزعت ثلاث حافلات على الأحياء المعنية بنقل الأطفال لشواطئ البحر، كما شارك في هذه الرحلة الصم البكم الذين خصصت لهم حافلة خاصة، كما نقلت عددا من المسنين و العجزة و النساء الذين قضوا أوقات ممتعة في الشاطئ، فهم نادرا ما يستفيدون من مثل هذه الرحلة.
توجهنا بالحافلة إلى الحي البلدي بوادي العلايق، و وصلنا إلى الحي في حدود التاسعة والنصف صباحا، وجدنا الأطفال في الانتظار و كانت فرحتهم كبيرة ، فرغم أن هذا الحي لا يبعد عن شاطئ خلوفي01 الذي توجهنا إليه سوى 15 كيلومترا و لا يستغرق الوصول إليه سوى15 دقيقة، إلا أن هؤلاء الأطفال الذين ينتمون إلى عائلات معوزة لا يتوجهون إلى الشواطئ إلا نادرا، وبعد التحقق من هوياتهم وفق القائمة المضبوطة من طرف رابطة نشاطات الهواء الطلق ،بالتنسيق مع ممثل الحي، صعد الأطفال إلى الحافلة وخلقوا أجواء جميلة من المرح و الحيوية إلى أن وصلنا إلى الشاطئ ، و تم تنظيمهم من طرف المؤطرين ووضع حبل مخصص للسباحة، حتى لا يتجاوزه الأطفال لحمايتهم من الغرق أو التيه، وكانت في هذا الجانب مسؤولية المؤطرين كبيرة ، حيث كانوا يحرصونهم طوال الوقت خوفا عليهم، و تنوعت أنشطة الأطفال بالمكان المخصص لرابطة الهواء الطلق بالشاطئ، بين السباحة والأنشطة الترفيهية والرياضية، كما شارك عدد من الفنانين و المهرجين الذين أمتعوا هؤلاء الأطفال بفقرات فنية ترفيهية و ألعاب بهلوانية و غيرها من النشاطات.
كان لنا خلال هذا اليوم الذي قضيناه مع الأطفال دردشة طويلة معهم لرصد أوضاعهم وانطباعاتهم عن الرحلة، فعلمنا بأنهم معوزون، وتفاجأنا بأن عددا كبيرا منهم يمارسون نشاطات تجارية كبيع الخضر والفواكه أو الأعشاب العطرية أو الخبز ، لتوفير احتياجاتهم في الدخول المدرسي أو شراء ملابس العيد، إلى جانب مساعدة أوليائهم في توفير مستلزمات الحياة اليومية، لهذا فإن الترفيه والاستجمام لا يوجد في سجلات حياتهم وأجندتهم، ومن حسن حظهم أن الرحلة تزامنت مع غلق سوق الجملة للخضر والفواكه بالحطاطبة، المجاور لبلدية وادي العلايق، أين كان يتوجه عدد من هؤلاء الأطفال في الأيام الماضية مع أوليائهم لشراء الخضر و بيعها في السوق المحاذي للحي البلدي على حافة الطريق الرابط بين وادي العلايق والقليعة.
و توقع عدد منهم بأنهم كانوا سيمنعون من طرف أوليائهم من المشاركة في هذه الرحلة لو لم يغلق السوق، و ذكر في هذا السياق الطفل مناد، صاحب 12 ربيعا، بأنه و منذ حلول فصل الصيف وغلق المدارس أبوابها وهو يرافق والده إلى سوق الحطاطبة لمساعدته في تجارة الخضر والفواكه، وذلك من أجل توفير مستلزمات المنزل و توفير احتياجاته في الدخول المدرسي، وشراء ألبسة العيد.
و يقول الطفل بأن هذه الرحلة كانت ممتعة بالنسبة إليه، وبالرغم من أن الشواطئ لا تبعد عن حيهم سوى ب15 كيلومترا، لكن لم يتنقل للبحر سوى مرتين فقط، وذلك لارتباطه بالعمل مع والده.
و يقول محمد أمين، صاحب 11ربيعا ، بأنه يبيع الأعشاب العطرية بالسوق المحاذي طيلة فصل الصيف، من أجل توفير تكاليف الأدوات المدرسية، مشيرا إلى أن والده يعمل بناء، و لا يستطيع توفير لكافة أشقائه حاجياتهم وحاجيات المنزل، لهذا فهو يساعده.
أما مروان البالغ من العمر 13 سنة، فيقول بأنه لا يعمل في فصل الصيف فقط، بل خلال فترات التمدرس كذلك، فعندما يغادر المدرسة يبيع الخبز، وذلك لمساعدة والده العاطل عن العمل.
و كانت قصة عبد الوهاب، البالغ من العمر 11 سنة، أكثر مأساوية فقد أكد لنا بأنه يبيع الخبز والديول لمساعدة والدته في توفير المال لإجراء عملية جراحية على القلب تقدر تكلفتها ب200مليون سنتيم، حيث لم يستطع هذا الطفل الذي يحمل هموم الحياة منذ الصغر مواصلة الكلام وأجهش بالبكاء.
بينما قال أحمد، البالغ من العمر 12 سنة، بأنه يعمل في حقول الفلفل بأجرة يومية تقدر ب800 دج و يبدأ العمل على الساعة الخامسة صباحا إلى غاية التاسعة صباحا، و قد حدثنا أغلب الأطفال في هذه الدردشة عن هموم الحياة التي حملوها في سن مبكرة و اقتسموها مع أوليائهم أكثر من حديثهم عن الترفيه واللعب.
وفي نفس الإطار كانت لنا في هذه الجولة الترفيهية مع الأطفال، دردشة مع المؤطرين الذين يرافقونهم في مختلف الرحلات السياحية، وكشف لنا هؤلاء حقائق مدهشة، تتعلق بأطفال يزورون البحر لأول مرة، رغم أنهم يقيمون بمناطق تقع على مشارف البحر، حيث لا تبعد سوى بمسافة لا تزيد عن 20 كليومترا.
تقول لنا المؤطرة هدى بأنها تعاملت مع حالات لأطفال في رحلات سابقة يزورون البحر لأول مرة و كانت دهشتهم كبيرة، و كانوا يرفضون دخوله و يبقون على الشاطئ ، وحدثتنا في هذا الإطار عن طفلة تبلغ من العمر 14 سنة، من مركز بن شعبان ببلدية بن خليل التي اكتشفت من خلال حديثها معها بأنها لأول مرة تزور البحر، و أخبرتها بأنها كانت تشاهده في القنوات التلفزيونية فقط، وتضيف المؤطرة هدى بأنها تفاجأت لحالة هذه الصغيرة ،لأن المنطقة التي تقيم فيها لا تبعد عن السواحل سوى بكيلومترات معدودة فقط، ولو تعلق الأمر بالمناطق الداخلية أو الولايات الصحراوية، لكان الأمر عاديا، و عندما سألتها عن سبب عدم زيارتها للبحر من قبل، أخبرتها بأن والدها طاعن في السن، ولهذا لم تجد من ينقلها إلى الشواطئ.
وفي نفس الإطار يتحدث المؤطر إسلام الذي تحصل على شهادة البكالوريا هذا العام، عن حالة أخرى لطفلة من بلدية بوقرة التي تبعد عن شواطئ العاصمة ب25 كيلومترا فقط، إلا أنها لم تدخل البحر سوى خلال الرحلة التي نظمتها رابطة الهواء الطلق، و يضيف بأن الطفلة تفاجأت عندما ذاقت مياه البحر ووجدتها مالحة .
وفي نفس السياق تحدثت المؤطرة هدى عن حالات أخرى لأطفال اكتشفوا البحر لأول مرة من مناطق مختلفة بحمام ملوان، برج الأمير عبد القادر بعين الرمانة وغيرها، وذلك بالرغم من أن هذه المناطق ليست بعيدة عن الشواطئ، لكن الحرمان والظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها عائلات هؤلاء الأطفال هي التي جعلتهم يحرمون من الترفيه واللعب ولو باكتشاف شواطئ البحر القريبة منهم.
و يذكر المؤطرون بأنهم يحاولون من خلال هذه الرحلات التي تمس الأطفال المعوزين والأيتام بالأحياء النائية، أن يزرعوا البسمة والفرحة في وجوههم والتخفيف ولو القليل من معاناتهم، من خلال أنشطة مختلفة يقومون بها طيلة اليوم على مستوى الشواطئ، إلى جانب المساهمة في تربيتهم وغرس في نفوسهم قيم الأخوة والتضامن وروح العمل الجماعي، والمساهمة في حملات التنظيف على مستوى الشواطئ لتحسيسهم بأهمية الحفاظ على البيئة.
و ذكرت المؤطرة هدى بأنها و بقية زملائها المؤطرين اكتشفوا خلال مثل هذه الرحلات بعض المواهب لدى هؤلاء البراعم، على غرار موهبة طفل يبلغ من العمر 11سنة يغني الراب ويكتب كلمات الأغاني ، وأشارت إلى أن هذه المواهب يجب العناية بها وتطوريها، كما تذكر في نفس السياق رئيسة المنشطين حسيبة ، بأنهم يحاولون من خلال هذه الرحلات إلى الشواطئ، التقرب أكثر من الأطفال والاحتكاك بهم لمعرفة أوضاعهم الاجتماعية وتقديم مساعدات لهم، وأشارت إلى أنها وقفت خلال مرافقتها للأطفال المعوزين إلى الشواطئ على عدة حالات مأساوية، وذكرت منها حالة طفل الذي كانت وجبته التي اصطحبها معه من منزله تتمثل في قطعة خبر وحبة طماطم، و مثل هذه الحالات تدمع القلوب قبل العيون، ولهذا تؤكد بأن دورهم هو مرافقتهم من أجل تقديم يد المساعدة لهم، إلى جانب زرع البسمة في وجوههم من خلال الأنشطة المختلفة التي يقومون بها، والتي تشمل نشاطات فنية علمية ثقافية رياضية وغيرها.
يذكر في هذا السياق ممثل رابطة نشاطات الهواء الطلق والترفيه وتبادل الشباب لولاية البليدة سفيان عباد، بأن عدد الأطفال المعوزين والأيتام الذين يستفيدون من رحلات إلى شواطئ البحر يقدر بحوالي 1300طفل أسبوعيا، حيث تنظم لهم رحلات يومية باستثناء يومي الجمعة والسبت، أين تشهد الشواطئ اكتظاظا كبيرا، كما يتم تخصيص يوميا من03إلى 05 حافلات لنقل هؤلاء الأطفال من الأحياء التي يقيمون فيها إلى الشواطئ، وذلك بمعدل حوالي 500 طفل يوميا، مشيرا إلى أن هذه الرحلات التي تنظمها رابطة نشاطات الهواء الطلق والترفيه وتبادل الشباب التي يرأسها إسماعيل علواني، تتم بالتنسيق مع مديرية الشباب والرياضة لولاية البليدة، مضيفا بأن هذه النشاطات بادرت بها الرابطة مع نهاية الثمانينات وتتواصل إلى اليوم، وذلك من أجل زرع الفرحة في وجوه الأطفال المعوزين الذين لم تمكنهم ظروفهم من التنزه والترفيه ضمن الوسط العائلي.
وأوضح نفس المتحدث بأن هذه العملية رصد لها مبلغ 450 مليون دينار، و كل التكاليف على عاتق رابطة الهواء الطلق، من النقل والتأمين والتأطير، لهذا يتم نقل الأطفال مجانا، و يتم التنسيق مع جمعيات الأحياء ودور الشباب والكشافة الإسلامية لتسجيل الأطفال، ثم بعد القيام بإجراءات التأمين تتنقل الحافلات إلى الأحياء التي يقيم فيها هؤلاء الأطفال لنقلهم إلى الشواطئ، كما يرافقهم ممثل للحي، إلى جانب مؤطرين يتم توظفيهم من طرف رابطة نشاطات الهواء الطلق، ويحرص هؤلاء على حراسة الأطفال في الشواطئ لتفادي وقوع أي حوادث قد تفسد فرحتهم وفرحة عائلاتهم.
و بين سفيان عابد بأن الرحلات المخصصة للأطفال المعوزين موزعة على 03 مواقع، فأطفال الجهة الشرقية للولاية يتوجهون نحو شواطئ بومرداس القريبة منهم، وأطفال البلديات الوسطى يتوجهون إلى شاطئ خلوفي 01بزرالدة، على أن يتوجه أطفال الجهة الغربية إلى شاطئ شنوة بتيبازة، و بلغ عدد المستفيدين إلى غاية اليوم يقترب من 06 آلاف طفل، في حين خلال الموسم الماضي وصل عددهم إلى 12ألف طفل، مشيرا إلى أن هذه العملية التي تدخل في إطار المخطط الأزرق انطلقت في الخامس جويلية الماضي بمناسبة عيدي الاستقلال والشباب، وتتواصل إلى غاية 30أوت الجاري، و أضاف أن هذا المخطط يشمل كل بلديات الولاية ويمس بشكل أكبر أطفال المناطق النائية والمعزولة، كما أكد نفس المتحدث بأن الأهداف المرجوة من هذه التظاهرات تشمل إلى جانب الترفيه وزرع البسمة في وجوه هؤلاء الأطفال، غرس في نفوسهم قيم العمل الجماعي والأخوة والتضامن والمساعدة في إدماجهم اجتماعي و تحسيسهم بالعديد من الأعمال الإيجابية في المجتمع ومنها الحفاظ على البيئة.
روبورتاج: نورالدين عراب