تصريحات بوناطيرو حول ثبات الأرض كفر علمي يضرّ بسمعة الجزائر
يصف البروفيسور جمال ميموني نائب رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء، التصريحات التي أدلى بها لوط بوناطيرو بخصوص ثبات الأرض، بأنها «كفر علمي» من شأنه أن يضر بسمعة الجزائر في الخارج، خاصة أنها صدرت عن أستاذ جامعي يطرح، بحسب تأكيد ميموني، أفكارا بالية و مثيرة للسخرية تجاوزتها البشرية منذ قرون، كما يرى رئيس جمعية الشعرى لعلم الفلك في حوار مع النصر، بأن صمت المجتمع العلمي ببلادنا ساعد على تشكّل “الهالة” التي أحيط بها هذا الرجل المثير للجدل.
حاورته: ياسمين بوالجدري
أثار لوط بوناطيرو جدلا كبيرا خلال الأيام القليلة الماضية، عندما صرح في إحدى القنوات التلفزيونية بأن الأرض ثابتة، معارضا بذلك ما توصل إليه الباحثون على مرّ القرون الماضية و ما تثبته الحقائق العلمية، كيف تردون على هذا الأمر؟
ما أتى به بوناطيرو بمثابة فتنة علمية، فالشيء الذي كان معروفا و صار لا نقاش فيه عبر العصور السابقة منذ عهد نيكولاس كوبرنيكوس (عالم بولندي عاش في القرن الـ 16 و يعتبر مؤسس علم الفلك الحديث) ثم الثورة العلمية في أوروبا، أي أن الأرض و بقية الكواكب تدور حول الشمس، أصبح اليوم يطرح على الساحة كأنه أمر جديد و قابل للنقاش.. إنه يريد الرجوع بنا إلى الوراء بـ 5 قرون بالقول إن ما أتى به كوبرنيكوس غير صحيح و بأن الأرض ثابتة و هي مركز الكون.
ما يحصل فتنة علمية عادت بنا إلى الوراء بقرون
لكنه يستند في خرجته الجديدة إلى مقولة عن كوبرنيكوس ذكر فيها أن عقله لا يقبل أن تدور الأرض و هي كوكب صغير على الشمس الأكبر حجما.
هذه من الاعتبارات التي جاء بها كوبرنيكوس في البداية عندما كان يؤسس لنظرية الشمس مركز الكون، و هذا لا معنى له، فلدينا قرون من الدلائل و الإثباتات العلمية التي جاء بها غاليلي و بعده نيوتن ثم عصر الفضاء الذي افتتح مع رائد الفضاء يوري غاغارين و غيره، و هذا كله دليل على أن الأرض متحركة، و لولا نظرية كوبرنيكوس و الثورة العلمية، لما كان هناك غزو للفضاء و لما كان هناك أقمار اصطناعية أو فيزياء أو كيمياء أو رياضيات.
بوناطيرو الذي يقول إنه مختص في الزلازل، يريد أن يزلزل القناعات التي بنيناها على مر القرون، و لا يهم هنا ما كان عليه تصور كوبرنيكوس خلال وضع نظريته، فقد أخطأ في بعض الجوانب، حيث كان يرى مثلا أن المدارات دائرية، إلى أن أتى بعده العالمان نيوتن و كيبلر و أثبتا أنها إهليلجية. الأفكار التي أتت بها نظرية كوبرنيكوس و التي كانت بسيطة في البداية، هي مجرد مراحل تاريخية.
أضيف أيضا أن القرون الأخيرة تؤكد أن الأرض ليست ثابتة و إنما تدور حول مركز الثقل و هو الشمس، و هذا أمر لا نقاش فيه، و طرح القضية على الساحة العمومية بهذا الشكل و باسم العلم و استنادا إلى آيات من القرآن يقول بوناطيرو إنها تدعم ما يأتي به، هراء و أمر غير سليم و غير حكيم.. هذا كلام خطير.
سيكون علينا قلب المنظومة التربوية إذا سلمنا بثبات الأرض
ألا ترى أن حرص بوناطيرو على الاستناد إلى الآيات القرآنية عند عرض أفكاره، يوحي لفئة معينة من الجمهور أنه يمتلك قوة الحجة؟
هو لم يأت أبدا بأشياء ملموسة حتى من الناحية القرآنية، فدائما يقول عموميات و يكرر آية «آتوا برهانكم إن كنتم صادقين» و عبارة «القرآن يساندني»، و حتى القرآن الكريم فيه اجتهادات و تأويل، و زعم بوناطيرو أن عدد كواكب المجموعة الشمسية هو 11 و ليس 8، بالاستناد إلى منام سيدنا يوسف عليه السلام الذي ورد في القرآن، فقط من أجل الإثبات أن القرآن صحيح، وفقه، أصنفه كبريكولاج ديني و كارثة.
من الناحية العلمية من المرفوض أن يتحكم نص ديني في النظريات، و القرآن بريء من هذا الأمر لأن له مواصفات عامة و لا يمكن أن يكون محل نظريات علمية، حتى أن المنهجية القرآنية في البحث في الطبيعة تسير حسب ما جاء في آية “قل سيروا في الأرض فانظروا” و ليس بالبحث و الخربشة في الآيات لإيجاد العجائب!
بوناطيرو يقول إن الرفض الذي تلقاه “نظرياته” حدث أيضا لمن سبقوه من العلماء عندما أتوا بأفكار “جديدة”، هل تتفق معه؟
الأصل في الإشكال أن ما يأتي به بوناطيرو ليس طرحا جديدا، فالحديث عن الأرض الثابتة قديم و بالٍ، حيث وُجد منذ آلاف السنين لدى البابليين و الآشوريين و اليونانيين القدامى، و قد تخطته الإنسانية بمراحل منذ القرون الوسطى و ما قبلها، ليتم دحضه تماما و رفضه مع التطور الذي شهدته البشرية.
بوناطيرو لم يقدم أدلة و اعتمد على تصور خاطئ لكوبرنيكوس
ما رأيكم في التبريرات التي قدمها حول «ثبات الأرض»؟
بوناطيرو لم يقدم شيئا ملموسا يسمح لي بالرد عليه.. هو يقول إن لديه حججا لكن أين هي فهو لم يقدمها؟ في حين هناك متخرجون من المدرسة الجزائرية يصفقون له بسبب الحماس و الهالة العلمية التي أحيط بها، رغم أن ما يقوله بهتان و كفر علمي يعني أن جميع ما درسوه في الجغرافيا خاطئ و يعني إعادة النظر في كل ما تعلموه و هذا دليل على أن الجمهور ليس معيارا.
نفهم من كلامك أنك تلوم وسائل الإعلام على استضافته؟
من المقبول علميا أن يأتي أشخاص ما بأشياء مختلفة، لكن المطلوب من وسائل الإعلام إذا أرادت استضافة شخص كهذا له آراء مخالفة للآخرين، أن تجلب أناسا من الجانب الآخر ليردوا عليه و يكون النقاش علميا، عوض أن يتحول الأمر إلى مسرح مثلما نراه في البلاتوهات التلفزيونية.
رغم كل هذا، لا تزال تصريحات بوناطيرو تلقى صدى لدى الشارع الجزائري، و هو نفسه يرى أن هذا التفاعل دليل على أن أفكاره صائبة، كيف تفسر ذلك؟
هو من يقول ذلك، و رغم هذا فلبوناطيرو قبول عند الجمهور لكن من عامة الناس، و السبب أنه يُستضاف في بلاتوهات التلفزيونات لينفرد بقوله و يجد مصفقين لا علم لهم بالأمور التي يتحدث عنها، فهو يُقدَّم لهم على أنه عالم و هذا رد فعل طبيعي عندما يكون الجمهور غير متخصص.
غياب أكاديمية للعلوم من أسباب الوضع القائم
لكنه أستاذ في جامعة البليدة و سبق له التدريس في كلية الطيران؟
صحيح أنه أستاذ في جامعة البليدة و له دكتوراه في الفيزياء الفلكية، لذلك أرى أن تصريحاته حول ثبات الأرض و التي تعارض آراء لا نزاع فيها عالميا، ليست أمرا مشرفا لهذه الجامعة، لأن بوناطيرو ضمن هيئتها التدريسية. أعتقد أن جامعة البليدة ستقع في حرج لو وصلت تصريحات بوناطيرو إلى وسائل الإعلام في الخارج. في هذه الحالة ستحصل مهزلة بشكل عظيم مثلما حدث في السعودية عندما قال رجل دين إن الأرض ثابتة، رغم أنني لا ألوم هذا الرجل لأنه تحدث حسب مبلغ علمه، هناك أيضا قضية الطالبة التونسية التي حضرت رسالة دكتوراه حول هذا الأمر ما أخجل الجامعة التونسية و اضطر الأستاذ المؤطر إلى أن يتبرأ من الأمر.. أرى أن سمعة الجزائر أصبحت في خطر خاصة أن التصريحات صدرت عن أستاذ جامعي.
هناك من يقول إن الأمر تحوّل إلى أشبه بخلاف شخصي بين بوناطيرو و ميموني، بسبب آرائهما المتضاربة دوما خاصة في مسألة رصد الهلال، كيف ترد بروفيسور؟
لا يوجد نزاع شخصي مع بوناطيرو، فالمشكلة أن ما يأتي به يتعارض مع المجتمع العلمي الدولي. إن رأيه شاذ و مخالف للعالم بأسره و لم يدعمه بأية براهين، في حين لا توجد له أية مقالة علمية منشورة في أية مجلة محكمة، و مجرد ما يملك هو مقالات صحفية، لذلك فإن مناقشته علميا غير ممكنة و لا يمكن أن تتم بناء على كلام طائش و غير مفهوم.
الجمهور الذي يصفق له غير متخصص
لكنه يحظى بتكريمات في صالونات المخترعين و مؤخرا حصد تكريما بفرنسا؟
التكريم الأخير حصل عليه خلال معرض نُظم بباريس و خُصص للابتكارات التي يأتي بها الكبار و الصغار، حتى أن مكنسة كهربائية كانت من بين الاختراعات، كما أن التكريمات شملت العشرات من هؤلاء الأشخاص و ليس بوناطيرو فقط الذي لم يستضف على أساس أنه باحث، و قد لاحظت أنه جلب الجائزة التي تحصل عليها و المتمثلة في مجسم صغير لبرج إيفل، إلى أحد البلاطوهات التلفزيونية!
برأيك، ما هي الأسباب التي جعلت بوناطيرو يحاط بالهالة العلمية التي ذكرتها؟
أول شيء هو جرأته، إذ أنه يقدم نفسه دائما للصحافة خلافا لزملائه الأقل اهتماما بمخاطبة الجمهور، فهو متوفر و يتصل دوما ليعرض خدماته، على عكس المجتمع العلمي الذي ظل صامتا لا يتفاعل مع الجمهور.
الحديث عن وجود 11 كوكبا بحجة منام سيدنا يوسف “بريكولاج» ديني
العامل الثاني، هو أن بوناطيرو يأتي دائما بأشياء جدلية تتنبأ مثلا بالكوارث كالزلازل و موجات تسونامي، كما يتهم «الكراغ» (مركز مركز البحث في الفلك والفيزياء الفلكية والجيوفيزياء) بارتكاب أخطاء و غيرها، و هي أمور تحبها الصحافة لأنها تجلب اهتمام الجماهير.
ما ساعد أيضا على هذا الوضع، هو غياب أكاديمية للعلوم، أما الجمعيات العلمية الوطنية فأغلبها محلية أو مهنية محضة، كذلك المجالس العلمية في الجامعات، كلها بيداغوجية تعمل على ترقية الأساتذة و تحديد أوقات الامتحانات، لكنها لا تناقش قضايا علمية، لذلك لا نتوقع منهم الرد على تصريح كاذب. في مؤسسات الدولة أيضا لا يوجد طرف عنده صلاحية بذلك، كما أنها لا تبادر و ليست لديها الجرأة لوضع نفسها في هذه المعمعة.
أنصح بوناطيرو بطرح أفكاره على المتخصصين قبل عرضها للجمهور
ما هي الكلمة الأخيرة التي قد ترغب في قولها؟
المجتمع العلمي الجزائري برمته مستاء مما يأتي به بوناطيرو من أشياء تخالف العلم الحديث بكامله، و إذا أخذنا بجدية ما يقول فسيكون علينا قلب المنظومة التربوية رأسا على عقب، و هذا يعني أيضا أننا نعلم أبناءنا أمورا خاطئة.. إنه أمر مثير للسخرية. على بوناطيرو القيام بواجبه و نشر نظرياته في مجلات محكمة لمناقشتها من طرف الزملاء في مجتمع متخصص يوافق عليها أو لا، و ذلك قبل نزولها إلى الساحة العمومية بهذه الطريقة. من الناحية العلمية يمكن له أن يعبر عن رأيه، لكن وفق التقاليد العلمية التي ذكرتُها.
ي.ب