الأحد 29 سبتمبر 2024 الموافق لـ 25 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

الكاتب والمخرج المسرحي مصطفى بوري للنصر: المسرح الجزائري ليس وليد الفتوحات الفنية الحديثة

* الفن المسرحي الجزائري ساهم في إحياء الوعي الثوري في التفكير الجمعي
يعتقد الكاتب والمخرج المسرحي مصطفى بوري بأنّ المسرح الجزائري لم يكن وليد الفتوحات الفنيّة الحديثة. ولم يكن وليد مطلع عشرينيات القرن الماضي كما يقول كثير مِمَن أرَّخوا لهذا الفن في بلادنا والذين اِستقوا معطياتهم عن باحثين لا يعرفون الجزائر أصلاً. مؤكداً أنّ الفن الرابع لم يدخل إلى الجزائر لأوّل مرّة عن طريق فرقة جورج الأبيض ولا كانت الفرق التي يذكرونها ويقولون عنها إنّها قَدِمت من هذا البلد أو ذاك لتقديم عروضها في تلك الحقبة التي كان الاِستعمار الفرنسي يحتل الجزائر. مضيفاً أنّ الفن المسرحي في الجزائر لم يكن وليد القرن العشرين وإنّما له اِمتداداتٌ تعود إلى ما قبل تاريخ 1926 بقرون. للإشارة، مصطفى بوري، كاتب وفنان ومخرج مسرحي من مواليد العام 1975 بسعيدة، إلى جانب التأليف المسرحي، يُزاوج أيضاً بين مُمارسة التمثيل والإخراج، ومن أعماله «الحوش» التي أخرجها وكتبَ نصها، و«نينا كارهة الرجال» المُقتبسة عن مسرحية بلغارية. وفي يناير 2024 صدر له كتاب «الشبيه، القضية 22-22» في مسرح الخيال العلمي. تُوّجَ بوري، بمجموعة من الجوائز الوطنيّة والعربيّة في مجال المسرح: تأليفاً وإخراجاً، من بينها جائزة الدوحة للكتابة الدراميّة، في طبعتها الأولى 2020، فئة النص المسرحي، عن نصه «ذكريات من الزمن القادم». كما فاز بجائزة كتارا للرواية العربية، دورة 2023، فئة الروايات غير المنشورة، عن مخطوط روايته «البروفات الأخيرة».
حوار: نـوّارة لـحـرش

الفن المسرحي في الجزائر تطوّر خلال القرن العشرين وشهد تجاذُبات إيديولوجية
* تشتغل في حقل المسرح بحثًا وتأليفًا وإخراجًا، وتمثيلاً أحيانًا. ما الّذي يمكن أن تقوله عن المسرح الجزائري؟
مصطفى بوري: لابدّ من الإشارة أوّلاً إلى أنّني لستُ مؤرخًا ولا أمتُ بصلة لهذا العِلم، ولكنّني مُمارس للفن المسرحي منذ ما يزيد عن العشرين عامًا، أدَّيتُ أدواراً مسرحية وألَّفتُ بعض النصوص وعالجتُ بعضها واقتبستُ وأخرجتُ أيضًا، إضافة إلى أنّني شاهدتُ مشاهدة الفنان لكثير من الأعمال المسرحية الجزائرية والأجنبية على حدٍ سواء، باِختصار؛ كنتُ ولا أزال في قلب الظاهرة المسرحية الجزائرية، وأحملُ قضايا فني، وقضايا وطني وهمومه مثلما يحملها كثير من الفنانين؛ وأعتقد أنّ وجودي في هذا الحقل يقتضي مني أن أنظر إلى الأمور بعين متفحصة ناقدة، وأتصوّر أيضاً أنّ هذا يُؤهلني لأن أتحدث عن الفن الرابع في بلدي بناءً على المعطيات التي أستقيها من واقعي ومن ما قالت به بطون أمهات الكُتُب بِمَا يتوافق مع عقلي بعيداً عن العاطفة الفيّاضة.
ربّما حدث اِنقطاعٌ للفن المسرحي لسببٍ أو لأسباب نجهلها وربّما كان قد طال أمده، فجعل تاريخ 1926 وكأنّه ضربٌ من الفتوحات الفنية في بلادنا، وربّما أيضًا لم يكن ذلك اِنقطاع ولكنّه كان اِنحصار في أمكنة لا نعرفها، ولكن هيهات، فالشواهد التي ذكرتها آنفًا تدل بِمَا لا يدع مجالاً للشك أنّ الفن المسرحي في الجزائر لم يكن وليد القرن العشرين، وإنّما له اِمتداداتٌ تعود إلى ما قبل تاريخ 1926 بقرون وقرون. لقد تطوّر الفن الرابع في الجزائر خلال القرن العشرين، وهو الكلام الّذي نجزمُ به، وشهد تجاذُبات إيديولوجية فتداخلت تياراته وتنوعت مدارسه، إن على مستوى الشكل أو على مستوى المضمون، وكانت العشرين سنة الماضية قد شهدت زخمًا إنتاجيًا هائلاً إلى ما قبل الجائحة التي اِجتاحت العالم كله، وأهم ما تميّزت به مختلف الحقب هو الغياب التام للنقد وللتأريخ المسرحيين، ولنقل أنّه نفسُ الخطأ الّذي اِرتكبه المجتمع طيلة قرون في تخليه أوّلاً عن ذاكرته الفنية ثمّ ثانيًا عدم مُمارسة أهم وسيلة لتطوير الفن وهي «النقد».
* وماذا عن ثنائية/وإشكالية ثورة المسرح.. ومسرح الثورة؟
مصطفى بوري: لنتفق على أنّ ثورة أي شعب ليست صخبًا صوتيًا ولا دويًا مدفعيًا إن هي لم تُنفخ فيها الرّوح الثّقافيّة التي تمنحها الحياة. الثقافة هي الكلّ الّذي يحيا به الكلّ. كان المُستشار الأمني لهتلر يقول: «كلّما سمعتُ كلمة ثقافة تحسستُ مسدسي» في إشارة إلى أنّ الثقافة هي السلاح الحقيقي، طبعًا فهي معركة الوعي.
لنعُد إلى ثورتنا، ولنتذكر الاِحتفالية الكُبرى التي أقامها المُحتل الفرنسي سنة 1930 بمناسبة مرور مائة سنة على اِحتلال الجزائر، لقد كانت معظم حركات المقاومات الشعبية والمعارك التي خاضها الجزائريون ليقاوموا وجود الاِستعمار على أرضه الطاهرة، كانت قد خمدت، وكان من الصعوبة بِمَا كان، بل من المستحيل على شعب أعزل أن يستعيد قواه لخوض حرب ضدّ واحدة من أعتى الإمبراطوريات في العالم آنذاك، ولم يكن بوسع دُعاة الاِستقلال أن يُعيدوا إذكاء مقاومة شعبية جديدة، فكان أن أخذ بعض العارفين بالشؤون السّياسيّة زمام المُبادرة لإعادة بسط أرضية جديدة تُعنى بالتوعية الشعبية الواسعة. كما كانت دعوات أخرى في مضمار النضال من أجل الاِستقلال، ولكنّها دعوات اِجتمعت على ضرورة التعبئة، فكانت ثورة السياسيين جميعهم ثورة ثقافية حقيقية صنعت ثقافة ثورية أو لنقل وعيًا ثقافيًا هو الّذي اِحتوى الثورة في الأخير.
ولنتساءل من أين اِستقى السياسيون على الخصوص والشعب الجزائري على العموم وعيهم الثوري إن لم يكن ثمّة حراك فكري هو من تكفل بتطعيم الطبقة السياسية بأصول النضال؟
كان المسرح من بين أهم عناصر التركيبة الثّقافيّة التي ساهمت في صناعة الوعي
* هل يمكن القول إنّ المسرح رافد من أهم الروافد الثقافية أو من أهم العناصر التي تُساهم في صناعة الوعي؟
مصطفى بوري: لقد كان «المسرح» من بين أهم عناصر التركيبة الثّقافيّة التي ساهمت في صناعة الوعي، مثلما كان الشِّعر عُنصراً فعّالاً والسينما والرسم والقصة والآداب، والآداب الشعبية والفنون التقليدية والصحافة وكثير من الفنون التعبيرية الأخرى التي عملت على نشر عدوى الوعي الثوري.
كان المسرح في العشريات الأولى من القرن الماضي وسيلة فعّالة لتحقيق التعبئة العامة وإيقاظ الهمم التي ما فتئت تفتر بعد القضاء على معظم المقاومات الشعبية المُسلحة، أمّا خلال الثورة فقد كانت الفِرق المسرحية على غرار الفرق الفنية في مختلف المجالات الأخرى تجوبُ البلدان وتُعَرِّف بقضية الشعب الجزائري في المحافل الدولية. لقد كان الأدب التمثيلي الجزائري أهم ما برز كفن كسر حدود حلبة الصراع بين الثوّار والاِستعمار.
ولأنّ المسرح هو موضوع حوارنا فلنورد مساهمة الفن المسرحي الجزائري في إحياء الوعي الثوري في التفكير الجمعي للمجتمع الجزائري. فلقد لعب المسرح دوراً مُهمًا في شحذ الهِمم وتنوير العقول إن فيما سبق الثورة أو إبانها؛ لقد كان الفنان المسرحي الجزائري عشية الثورة يرصد الظواهر الاِجتماعية والسياسية وما يُعانيه الشعب آنذاك ليستلهم منها مواضيعه وقضاياه ويُقولب معاناته في شكل درامي يُقدم للجمهور الّذي كان ذوّاقاً. وكما أنّ المسرح كان يلعب دوراً مُهمًا في صناعة الوعي، فقد كان أيضاً يلعب دوراً في غاية الأهمية في التصدي للثقافة الفرنسية، فرغم أنّ المسرح لم يظهر بشكلٍ مُستقل عن النوادي الثقافية الأخرى والجمعيات باِستثناء دار الأوبرا، إلاّ أنّ تأثيره في مواجهة النمط الثقافي الّذي كان الاِحتلال يُحاول اِستلاب مجتمعنا به كان كبيراً، «فقد كان المسرح يبثُ روح المُقاومة التلقائية لمقاطعة الأساليب الثّقافيّة من لغةٍ وآداب وفكرٍ دخيل» مثلما يقول البروفيسور «مخلوف بوكروح» فكان بعض الهواة الشباب يقدمون التمثيليات القصيرة التي تتميز بسهولة اِنسيابها إلى وعي الجمهور، إضافةً إلى ما كان يقدمه طلبة المدارس الإسلامية التي أنشأتها جمعية العُلماء المسلمين الجزائريين من أعمال باللّغة العربية الفصحى حيثُ لم تكن هذه النوادي تتمتع بالديمومة والاِستمرار لما كان المحتل يفرضه من قيود، فبادرت فِرقٌ أخرى باِستخدام اللّغة الدارجة للتعبير عن قضاياهم وهمومهم.
* وماذا عن مضامين المسرح في تلك المرحلة الحساسة والمصيرية من تاريخ الوطن؟
مصطفى بوري:لقد اِتسمت مضامين المسرح الجزائري وقتئذ بمواضيع تلونت بنقد بعض العادات والتقاليد المُتفشية في المجتمع من جهة، إضافةً إلى اِنتقادات موجهة للسلطات الفرنسية على مُمارساتها اللاإنسانية. ويذهب الدكتور «سليم شنة» بالقول إلى أنّ «المسرح ساهم في تحرير الجزائر من خلال التعريف بالقضية الجزائرية في المحافل الدولية»، كما برز اِسم الأمير خالد (حفيد الأمير عبد القادر) كفاعل في الحقل المسرحي، فقد اِقتبس أعمالاً وكَتَبَ أخرى والتقى بجورج الأبيض مع مطلع القرن العشرين وعرض عليه أعماله وناقشها واستقى من خبرته الأساليب الفنية الرائقة التي تُمكنه من التأسيس لفن يكون مرآة عاكسة لهموم الشعب الجزائري وقضاياه.
* وماذا عن ظاهرة الحلقة التي تُوظف ما يُسمى «المداح» أو «القوّال»؟
مصطفى بوري: نُلاحظ أنّ ظاهرة «الحلقة» التي يقيمها «المداح» أو «القوّال» ولنعد شيئًا ما إلى الوراء، طبعًا، لن يستطيع أحد من الباحثين تحديد تاريخ نشوء هذه الظاهرة الشعبية التي كانت تُقام في الأسواق وفي الاِحتفاليات الشعبية كـ«الوعدة»، حيثُ يقوم خلالها مُمثل وحيد يُرافقه أحياناً رجلان؛ أحدهما عازف آلة «القصبة» والآخر ناظم الإيقاع على الآلة المعروفة بـ«القلال»، هذه الظاهرة تُشبه إلى حدٍ كبير اِحتفالات قُدماء اليونان حيث كانوا يقيمون حفلاً في الربيع وآخر في الخريف، حيثُ تُقدم العروض الفنية، لاسيما العروض المسرحية بشكلها الكلاسيكي المُتعارف عليه، ولنذكر هنا أنّ المسرح الإغريقي بدأ بممثل وحيد وكان أوّل ممثل في التاريخ «ثيسيبس» كما يذكره المؤرخون، ولعلّ أهم نقاط الاِختلاف بين الظاهرتين اليونانية والجزائرية هو أنّ العرض الإغريقي تطوّر من حيث الشكل والمضمون أوّلاً؛ فقد صار عدد الممثلين ثلاثة على خشبة المسرح ترافقهم الجوقة المؤلفة أحيانًا من عدد كبير من العازفين، في حين لو قارنا ذلك بالحلقة الجزائرية فقد بقيَ مُمثلاً وحيداً إلى يومنا هذا، كما أنّ المسرح اِنفصل كفن عن الاِحتفاليات الغربية في حين بقيت الحلقة رهينة التجمعات الشعبية الكبيرة مرتبطة بذلك بالوعدة في غالبيتها والأسواق الشعبية في قليل من الأحيان في زماننا هذا، غير أنّ نقاط التشابه كثيرة؛ فالوعدة كما هو معروف نشأت كطقس ديني تبركًا بالولي الصالح تمامًا مثلما هو الحال بالنسبة لاِحتفال الإغريق الذين كانوا يُقيمون اِحتفالاتهم تبركًا بالإله «ديونيسوس»، أيضاً الوعدة لها اِرتباط بمواسم فلاحية تمامًا مثلما هو الحال بالنسبة لاِحتفالات الإغريق، أيضًا نُلاحظ أنّ الحلقة تتشابه مع العروض المسرحية التي ظهرت في بدايات نشوء المسرح من حيث أنّ النصوص كانت تُقدم شِعراً، وفي الحلقة تجد كثيراً من التراكيب الشِّعرية، وحتّى بعض سرديات القصص في الحلقة لها شاعرية..
أُشيرُ هنا إلى أنّ ظاهرة الاِحتفالات الشعبية ليست مقصورة على الجزائر فحسب ولكنّها ميزة عامة على منطقة شمال إفريقيا، ولعلّ اِمتدادات الظاهرة محل المقارنة قد تكون ضاربة في التاريخ ولكنّها لم تُعنَ بالدراسة والبحث اللازمين، خاصةً الدراسة الأكاديمية التي تبحث في كيفية وزمن نشوئها.
* هل يمكن القول إنّ الحلقة ساهمت في إبراز المسرح الجزائري أو كانت شاهدة على وجوده التاريخي؟
مصطفى بوري: قد تكفينا النقطة الخاصة بظاهرة الحلقة كحجة قوية على وجود مسرح جزائري أو شمال إفريقي قبل التاريخ الّذي يتحدث به غالبية المؤرخين، ولكن رغم ذلك سندعم طرحنا هذا بنقطة لا تقل أهمية؛ يتعلق الأمر بِمَا نقله «القديس أوغيسطين» (354-430م) في كتابه «اِعترافاتي» (وهو كتاب في شكل سيرة ذاتية) حيثُ يُخبرنا في أحد فصوله أنّه كان مُولعًا بمشاهدة العروض المسرحية، فقد كان مثلاً يتنقل من بونا (عنابة حاليًا) إلى قرطاج (تونس) من أجل إشباع حاجته في مشاهدة التمثيليات، وله في ذلك نظرية مُشابهة لنظرية أرسطو «التطهير» catarsis يُعنونها هو نفسه بنظرية «الإشباع الدرامي» وهو بذلك يُعدُ ثاني أكبر مُنظِّر للفن المسرحي في التاريخ بعد أرسطو بشهادة فناني الغرب أنفسهم، طبعًا النظرية اِستوحاها من المشاهدات الكثيرة للعروض، بِمَا يعني أنّ المسرح كان ظاهرة في زمانه، ونحن هنا نتحدث عن النصف الثاني من القرن الرابع والنصف الأوّل من القرن الخامس ميلادي. وأنا أتساءل؛ أين هم الباحثون وأين هم الأكاديميون الجزائريون الذين يُفترض أن يُعنوا بالدراسة والبحث في هذه المسألة؟ أعتقد أن تكون النقطة التي أثرناها حول ما أورده القديس أوغيسطين في كتابه حجة أقوى تُضاف إلى النقطة الخاصة بالحلقة، ولكن رغم ذلك أنا أدعو الباحثين والأكاديميين المحسوبين على الجامعة بأن يتفحصوا جيّداً تلك المسارح الرومانية الموجودة في عديد المناطق من البلاد، وأن يتفحصوا ما أورده الأتراك عن الأعمال التي كانوا يقدمونها من مسرح العرائس في كثير من ربوع الوطن، ومسرح خيال الظل، وقد يكتشف الدارس، أكثر من ذلك.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com