عم الشقراء الفلسطينية الثائرة في حوار للنصر

لا نريـد أن يُصنع من عهـد شخصيــة أسطوريــة و مئـات الأطفـــال من الجزائـر تواصلـوا معنــا

كأنها بركان ثائر، وقفت في وجه الجنود الإسرائيليين فصفعتهم بيديها الناعمتين و طردتهم من أرضها بحنجرتها المتفجرّة غضبا، لتشغل الرأي العام الدولي لأسابيع و يلقّبها العالم بـ “جان دارك” فلسطين، بعدما تحوّلت إلى أيقونة المقاومة الشعبية ضد المحتل، هي عهد التميمي ذات الـ 17 ربيعا و المعتقلة في سجون الاحتلال منذ أزيد من شهرين. النصر كانت أول صحيفة جزائرية تحاور عائلة الطفلة عن طريق عمّها ناجي التميمي، الذي يكشف لأول مرة جوانب خفية من شخصية عهد و يتحدث عن ظروف محاكمتها و عن أمور أخرى تكتشفونها في هذا الحوار.
أجرت الحوار: ياسمين بوالجدري
في البداية، كيف هو الوضع الصحي لعهد، و هل معنوياتها مرتفعة؟
في الحقيقة نحن لا نرى عهد إلا في جلسات المحاكمة التي كانت آخرها قبل حوالي 10 أيام، و غالبا ما يكون الحوار معها بالإشارات أو بكلام متقطع. من الناحية الصحية وضعها أحسن مما كان عليه في السابق، و نفسيا أيضا وضعها جيد رغم القمع، و تبيّن لنا ذلك من خلال آخر حوار سريع مع ابن عمتها، أنها استأنفت الدراسة في المعتقل.
منعنا من زيارة عهد
و لا نتوقع لها البراءة
هل يعني ذلك أنكم لم تتمكنوا من زيارة عهد طيلة فترة اعتقالها؟
صحيح، فزيارة معتقل في سجون الاحتلال يجب الحصول على تصريح خاص عبر الصليب الأحمر، و يتطلب ذلك من 3 إلى 4 أشهر، رغم أننا أقاربها من الدرجة الأولى.
ما الذي قالت لابنة عمتها بالتحديد في آخر مرة؟
أخبرتها أنه ليس علينا أن نقلق بشأنها، و بأن السجن لن يؤثر عليها و بأنها مستمرة في النضال، كما لم تفوّت الفرصة لتسأل عن أخبارنا و حتى عن صديقاتها و زميلاتها في الدراسة.. استفسرت أيضا أن الأوضاع العامة في البلد.
لماذا وكّلتم لعهد محامية إسرائيلية؟
هناك محامون فلسطينيون يرفضون الترافع بالمحاكم الإسرائيلية لأنهم لا يعترفون بها أصلا، لكن يوجد جزء يتعامل معها مجبرين للدفاع عن المتعقلين الفلسطينيين، و هناك فعلا من طلب منهم الانضمام إلى المحامية الإسرائيلية التي يقع مكتبها قرب منزلنا منذ سنوات و هي تعرفنا جيدا و لديها قدرات قانونية، كما ارتأينا أنها الأقدر خاصة أن الجلسات تجري باللغة العبرية. لكن في العموم نحن لا ننتظر تحقيق العدالة من القضاء الإسرائيلي فهو جزء من الاحتلال و من المنظومة العسكرية الإسرائيلية، فالقاضي في المحكمة العسكرية هو في الأصل ضابط في الجيش، رغم ذلك نحاول الخروج بأقل الخسائر.
مُنعت وسائل الإعلام من حضور محاكمة عهد، هل هي محاولة للتعتيم على قضيتها؟
سنّ عهد أقل من 18 سنة، و في القوانين الإسرائيلية يُسمح بطلب عدم علنية الجلسة للحفاظ على الحق الشخصي للقاصر و حمايته.
أليس هذا مثيرا للسخرية؟
بالفعل، فوجود الصحفيين و الدبلوماسيين خلال الجلسة يحمي عهد أكثر من غيابهم، و قد رفض القاضي طلب المحامية بالسماح لهم بالمكوث، و هدف القضاء في ذلك هو إبعاد الاعلام عما يدور داخل الجلسة.
ما الذي دار خلالها؟
استمرت لحوالي ساعتين و قد تم خلالها قراءة لائحة الاتهام التي كانت المترجم يترجمها إلى اللغة العربية، و حدث نقاش حول اللائحة.
ما هي التهم التي وُجّهت إلى عهد؟
وجهت إليها 12 تهمة جزء منها متعلق بمقطع الفيديو الشهير الذي تم بناء عليه اعتقالها مع ابنتي نور، حيث تصب معظمها في الاعتداء على الجيش و إعاقة عمله و إهانة الجنود و كذلك تحريض الشباب على المقاومة و النشر على الفايسبوك و المشاركة في ضرب الجنود و ضربهم بالحجر و اليد و المقلاع و غيرها من التهم.

يبدو من العدد الكبير للتهم كأنها جُمِعَت لعهد منذ أن كان عمرها 11 سنة؟
نعم، لقد كان لعهد و لسكان قرية النبي صالح فيديوهات كثيرة منتشرة على موقع يوتوب منذ سنوات، و هدفنا منها كان إيصال صوتنا للعالم، حيث وثقت الاشتباكات بالأيدي و الكلام الموجه إلى العساكر، و قد جلب المحتل 40 شاهدا من جنود المحتل، بعضهم قال إن عهد سبّته و آخرون بأنها ضربتهم بينما صرح البعض أنهم سمعوا عهد تحرّض الشباب عليهم، و هذا ما يعكس البعد العنصري لقضاء الاحتلال فالقانون المطبق على الإسرائيليين يختلف عن المعمول به معنا.
قوتها تكوّنت  من الأسرة
المناضلة وهي فتاة خجولة 
ما هو الحكم الذي تتوقعون أن تصدره المحكمة العسكرية؟
هذه المحاكمة غير تقليدية، فقد لاقت قضية عهد صدى إعلاميا كبيرا و تم دعمها دوليا، لكن بالمقابل حرّض الإعلام الإسرائيلي عليها و هناك ضغط سياسي إسرائيلي مارسه حتى وزراء الدفاع و التربية و القضاء، فقد وجهت دعوات إلى اعتقالها لفترة طويلة.. لا نتوقع أبدا البراءة لأنها ستكون بمثابة إدانة للإسرائيليين, و لأن عدد الشهود كبير، لكن قد يكون الحكم بالسجن بين 6 أشهر و سنتين، و مع ذلك نحن لسنا واثقين وسط الوضع الإقليمي السائد و قد تتعدى فترة السجن هذه المدة.
الجلسة المقبلة ستكون في 11 مارس المقبل، هل هي الأخيرة قبل النطق بالحكم؟
لن تكون الأخيرة، فسيعقد بعدها من جلستين إلى ثلاث لإتمام مناقشة لائحة الإتهام و تعديلها ربما، بتقليص التهم أو دمج تلك المتشابهة، كما نتوقع أن يستمر التقاضي لـ 3 أو 4 أشهر أخرى، خاصة أن المحامية ما تزال بصدد جمع كل المعلومات حول القضية.
هل فعلا تعرّضت عهد إلى محاولات بإرغامها على توقيع اعترافات تدينها؟
حدث ذلك في البداية خلال فترة التحقيقات، حيث تعرضت لضغط نفسي لكن حاليا استقر الوضع و صارت عهد أكثر قوة و وعيا.
بدأت عهد مقاومتها ضد الاحتلال منذ أن كانت صغيرة، من أين استمدّت كل هذه القوة؟
عهد ابنة قرية النبي صالح بمحافظة رام الله و هي قرية يُعرَف أبناؤها تاريخيا بالمقاومة الشعبية ضد الاستيطان و الاحتلال منذ سنة 1967 و إلى يومنا هذا، و قد قدّمت العديد من الشهداء، من بينهم عمة عهد التي استشهدت في سجن إسرائيلي سنة 1993، و كذلك خالها سنة 2012،  كما حكم على ابن عمتها بالسجن المؤبد، كل هذا جعل عهد و غيرها من أبناء جيلها يعيشون حياتهم كلها في أجواء المقاومة، فالبيئة و الأسرة المناضلة التي تنتمي إليها لعبت دورا كبيرا في تكوين شخصيتها القوية التي كسرت حاجز الخوف.
رغم ذلك، لا نريد أن تتحول عهد التميمي إلى شخصية أسطورية، فبعيدا عن المواجهات، هي فتاة خجولة و غير عدائية، كما لم تكن لها و لا مرة مشاكل مع أبناء جيلها أو صديقاتها، فكل الطاقة التي رأيتموها لا تتفجر إلا أمام الاحتلال لأن أبناءنا لم يعودوا خائفين و صاروا يواجهون الجنود بكل شجاعة، لكن خارج هذه الدائرة، تكون عهد فتاة كأي بنت في عمرها و تهتم بنفس ما يهتم به الشباب في سنها.
بالعودة إلى فيديو صفع الجنود الذي اعتقِلت على أساسه عهد مع ابنتك نور، أخبرنا ما الذي حصل بالضبط خلف الكواليس؟
قبل الحادثة و يوم وقوعها كانت هناك مواجهات يومية بين شباب القرية و جيش الاحتلال، على خلفية قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتحويل سفارة بلاده إلى القدس، و في ذلك اليوم اشتدّت المواجهات مع خروج المصلين بعد صلاة الجمعة، و قد كانت البنات داخل المنازل يحاولن حماية الشباب و إعلامهم بتحركات الجنود و إعاقتهم عن إطلاق القنابل و الرصاص المطاطي، لكن ما لا يعرفه الجميع أنه و قبل دقائق من تصوير الفيديو، كان طفل عمره 15 سنة قد تعرض لإطلاق الرصاص ما سبب له إصابة خطيرة في الوجه، و حينها أدرك الجميع أن الوضع يتجه إلى الخطورة، فواصلت البنات و الأهالي و بينهم عهد و ابنتي نور في التصدي لمحاولات الجنود لاستغلال المنازل ككمين للمقاومين.
إسرائيليون طالبوا بقتل
عهد و اغتصابها

إذا فنفس الجنود الذين أطلقوا الرصاص على أطفال القرية في ذلك اليوم، حاول الإسرائيليون إظهارهم للعالم على أنهم كظموا غضبهم أمام عهد؟
صحيح، فقد ركزت الصحافة الإسرائيلية على الفيديو و ازداد تحريض الإعلاميين ضد عهد، إلى درجة أن هناك من طالب بقتلها و حتى باغتصابها في السجن.
هل أنتم راضون عن حجم التفاعل الدولي مع اعتقال عهد؟
أجل، التفاعل كان كبيرا جدا، فقد تحولت قضية عهد التميمي إلى قضية غير مسبوقة على الصعيد الفلسطيني، بحيث انتشرت صورها في كل مكان و وقعت عريضة من طرف مليون و نصف مليون شخص حول العالم لمساندتها، و مؤخرا فقط قام صاحب الصورة الشهيرة للمناضل الكوبي تشي غيفارا برسم صورة لعهد، كما تم تأليف أغان بعدة لغات من أجلها و نظّمت وقفات تضامنية في العديد من الدول، دون أن أنسى تحرك برلمانات و أحزاب عدة بلدان.
ماذا عن الدعم العربي؟
التضامن كان جيدا على الصعيد الشعبي في الدول العربية، و شخصيا تلقيت مئات الرسائل على موقع فايسبوك من طرف جزائريين جزء كبير منهم أطفال أعمارهم بين 16 و 17 سنة، حيث أكدوا أنهم يتبنون قضية عهد، و بعد الجزائر كان التضامن أيضا من تونس و مصر و المغرب و لبنان.
مئات الأطفال من
الجزائر تواصلوا معنا
هل هناك شخصيات عربية أو عالمية تواصلت معكم؟
نعم، تواصل معنا وزير لبناني و كذلك القناصل و أعضاء البرلمان للعديد من الدول، إضافة إلى ناشطين و فنانين أمريكيين لا أذكر كل أسمائهم و بعضهم لم نكن نعرفهم أصلا، كما بلغنا أن المطرب وليد توفيق سيؤدي أغنية لأجل قضية عهد.
البعض يقول إن عائلة عهد أقحمتها، رغم أنها طفلة، في مواجهة مباشرة مع الجنود كانت يمكن أن تؤدي بها إلى الموت، كيف ترد؟
من يقول هذا الكلام جاهل بما يحدث في فلسطين و خاصة بقرية النبي صالح المعروفة بالمقاومة الشعبية من الكبير و الصغير، و المرأة و الرجل، و قد حدث أن حاولنا حماية الأطفال داخل المنازل من جنود الاحتلال لكن الشقق هوجمت بقنابل الغاز، لذلك صار الأطفال مقتنعين أن ليس هناك مكان آمن، حتى داخل بيوتهم، و بأنهم أكثر أمانا خارجها لأنهم يملكون في هذه الحالة القدرة على التصرف.
هناك من يتهم العائلة بالبحث عن الشهرة، ما هو جوابك؟
كيف يمكن لنا أن نبحث عن الشهرة و نحن معرضون للخطر و الموت، رغم ذلك لا يعيبنا أن تنتشر قضيتنا و يروج لها حتى من خلال الفن، لكي نُظهر للعالم أن الطفل الفلسطيني معرض للخطر في البيت و في الطريق إلى المدرسة و حتى في المدرسة نفسها.
ابنتنا تواجه 12 تهمة
و 40 جنديا شهدوا ضدها
هل تتفق مع من يقول إن جمال عهد ساهم في زيادة حجم التعاطف الدولي معها؟
لا يمكننا أن نحكم إلى أي مدى أثر الشكل على هذا الجانب، لكن يجب أن لا ننسى أن عهد بدأت النضال منذ سنوات و كان هناك تفاعل من الأجانب معها، و حتى إن تعاطف أوروبي مع عهد لأن عيونها زرقاء و شعرها ذهبي، فهذا سبب يخصه هو.
ما الذي سيتغير في حياة عهد بعد خروجها من السجن؟
هذه التجربة أنضجتها بالتأكيد و شكّلت قفزة نوعية في حياتها، لكن الشهرة لها إيجابياتها و سلبياتها أيضا، و ربما لن تعود تعهد إلى ممارسة حياتها بشكل طبيعي كما كان عليه الأمر سابقا، لكنها بالتأكيد ستكون أكثر وعيا و أكثر انتماء لوطنها الذي ستهبه وقتها، فلطالما هناك احتلال مقاومتها ستظل موجودة.                    ي.ب