الجمعة 10 جانفي 2025 الموافق لـ 10 رجب 1446
Accueil Top Pub

إشعاع ثورة أول نوفمبر والاستقلال لا يزال منبعثا: 61 سنــة في خدمــة الإنسانيــة والحريـــة

لم تكن ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة مجرد حدث عسكري بسيط لطرد محتلين اغتصبوا أرضا بقوة السلاح، بل كانت حدثا تاريخيا كبيرا لتغيير وضع بوضع آخر وبشكل جذري تماما ورسم معالم مرحلة جديدة ذات بعد إنساني،  كما لم تكن حدثا جزائريا محصورا ومعزولا في رقعة معينة، بل كانت حدثا عالميا له من الأبعاد والنتائج والتأثير ما يتجاوز الحدود الجغرافية للجزائر وفرنسا نفسها، ويمتد في اتجاهات متعددة ليضيء درب المضطهدين في العالم.

لقد انفجر الصدى الذي خلفته  الثورة التحريرية في  كل الاتجاهات ومست شظاياه العديد من الشعوب في مختلف القارات وبالأخص منها تلك المقهورة التي  كانت ترزح تحت نير الاستعمارات المختلفة  والاحتلال العسكري حيثما وجد.
فثورة الفاتح من نوفمبر 1954 كانت لها انعكاسات وتأثيرات على المستويات، المحلية والإقليمية والدولية، وعلى المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العديد من الأماكن، وكذلك على المستوى القانوني.
لقد كان صدى وتأثير الثورة التحريرية على المستوى المحلي المتمثل في الجوار القريب واضحا وسريعا فالقوة الاستعمارية الفرنسية وبعد عامين من انطلاق الثورة التحريرية المباركة أدركت أنها لا تستطيع مواجهة  الشعوب التي احتلتها في الجزائر وتونس والمغرب معا، لذلك وبعد أن  أذاقها المجاهدون في الجزائر الأمرين سارعت إلى استدراك الوضع قبل فوات الأوان.
 وبادرت بمنح ما يسمى بالاستقلال الذاتي للمغرب وتونس في محاولة منها لتحييد المقاومة في هذين البلدين الشقيقين عن  تلك المنفجرة في الجزائر، وبالتالي عزل الثورة التحريرية ومحاولة الاستفراد بها، خاصة بعدما لاحظت تلك الرابطة المشتركة بين الثوار في البلدان الثلاثة.
 على المستوى الإقليمي كانت الثورة الجزائرية بمثابة المثال الحي والناجح للمقاومة المسلحة ضد الاستعمار في العديد من البلدان الأفريقية والاسيوية التي كانت مضطهدة من قبل القوى الاستعمارية المختلفة سواء الفرنسية أو  البريطانية أو غيرها.
  وعلى هذا النحو حذت العديد من الشعوب حذو الثوار الجزائريين في مقارعة الاستعمار بقوة السلاح  والمقاومة بمختلف الأشكال،  ولقد لعبت الثورة التحريرية في هذا المجال دورا كبيرا في  مساندة الشعوب الإفريقية على النهوض والمقاومة، خاصة بعد استرجاع السيادة الوطنية في الخامس جويلية من سنة 1962.
 ولم تذخر الدولة الجزائرية الفتية بعد سنة 1962 اي جهد من أجل  تقديم يد العون والمساندة لأشقائها في العديد من البلدان الإفريقية على وجه الخصوص، بالسلاح والمال و حتى بالرجال والتكوين والتدريب، حتى أصبحت تلقب « بمكة الثوار».  في الجانب السياسي تبنت الجزائر بما جمعته من رصيد ثوري خلال سنوات الثورة التحريري  توجها سياسيا ودبلوماسيا عاما مرتكزاته مكافحة الاستعمار  و الظلم ودعم الشعوب المضطهدة والمقهورة والوقوف إلى جانب القضايا العادلة للشعوب  حيثما كانت وأينما وجدت، وهذه المبادئ التي شكلت الخطوط  التوجيهية للدبلوماسية الجزائرية، ما تزال قائمة إلى اليوم انطلاقا مما عاناه وعاشه الشعب الجزائري طيلة 132 سنة.
بل و رافعت الجزائر من أجل نظام دولي جديد يقوم على العدل وأنصاف الشعوب و الدول المستضعفة و الاعتراف لها بجميع حقوقها وفقا لما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة في هذا الجانب ومختلف القوانين الدولية.
و يظهر جليا أن الكثير من الشعوب والأفراد من مختلف الدول وعلى اختلاف عقائدهم الدينية وتوجهاتهم الفكرية والسياسية قد استلهموا كثيرا من الثورة التحريرية الجزائرية بما خلفته من زخم نضالي كبير و صدى واسع وصل إلى كل بقاع العالم.
 والبداية كانت من غير الجزائريين الذين تبنوا نضال الشعب الجزائري وكفاحه من أجل استعادة الكرامة والحرية، فلقد  سارع المئات من الرجال والنساء من القارات الأربع، لمساندة الشعب الجزائري في كفاحه المسلح ضد الاستعمار الفرنسي  كل بما أوتي من قوة وحيلة.
 وهؤلاء الذين يطلق عليهم اليوم «أصدقاء الثورة التحريرية» لم يكونوا ليلتحقوا بالثورة من أبوابها الواسعة لولا ذلك الصدى وذلك الزخم الثوري الذي فاضت به على شعوب العالم، فنجد من بين هؤلاء فرنسيون أنفسهم وقفوا ضد النظام الاستعماري الذي تفرضه بلادهم على الجزائريين، ومنهم من  أعدم لأجل ذلك دون الحديث عن السجن و التعذيب، ونجد التونسي والليبي والمصري والسوري  والعراقي  والألماني، والارجنيتي، والايطالي والشيلي والهولندي وغيرهم ممن احتكموا إلى ضمائرهم الحية دون خوف أو عقدة.
 ولا يزال هذا الصدى وذلك التأثير والإشعاع الذي بعثته ثورة أول نوفمبر المجيدة مستمرا إلى اليوم بعدما استلهمت منه الكثير من الشعوب التواقة للحرية والانعتاق في ستينيات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي، وهناك الكثير من الأمثلة الحية في هذا المجال.
 وتبقى الجزائر مرتكزة على رصيدها الثوري في رسم مستقبلها السياسي والاقتصادي و هي تجدد في كل يوم وفاءها للمبادئ الإنسانية السامية التي ناضل و مات من اجلها مئات الآلاف من الشهداء.
* جمال يحياوي باحث  ورئيس مركز البحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر سابقا
أفكار الثورة هي الشعلة التي لا تنطفئ أبدا
 الثورة الجزائرية كأهم حدث في النصف الثاني من القرن العشرين لم تعتبر كمجرد ثورة تحررية  وفقط، بل حركة عالمية مست بإشعاعها التحرري وأفكارها  و إسقاطها لواحدة من أكبر الإمبراطوريات، كل  أقطار العالم، وبالتالي عدالة هذه القضية وعدالة هذه الثورة  استطاعت أن تكسب لها أصدقاء من  كل دول العالم، واستطاعت هذه الثورة أن تنتشر  في ظرف زمني قصير إلى أبعد نقاط العالم، في أمريكا  اللاتينية، في آسيا، في مختلف الدول الأوربية، وربما هو الشيء الذي اثر  وجعل هذه الثورة مسموعة الصدى،و حتى في الدول التي كانت تعتبر ضمن المعسكر الرأسمالي  والحليف لدولة الاستعمار، أي الدولة الفرنسية،  وجد هناك مساندون لهذه الثورة.ثم إن الأفكار التحررية التي حملتها الثورة والبعد العالمي والحديث عن حقوق الشعوب والمعاملات الإنسانية و  تطبيق معاهدات جنيف الأربعة أثناء الثورة التحريرية، ونحن في حالة حرب مارسنا البعد الديمقراطي والبعد الإنساني.
 البعد الديمقراطي من خلال  المؤسسات التي أنشئت في مؤتمر الصومام أو أول برلمان، المجلس الوطني للثورة- كانت فيه تعددية  سياسية، أكثر من عشر حساسيات، وهذا بعد آخر ونحن في حالة حرب. ثم الرسالة التي وجهت أثناء هذا المؤتمر الأول إلى الأقليات، إلى اليهود، إلى  الأوربيين من أجل التعايش بين الشعوب، ثم لم تنس هذه الثورة في أدبياتها باقي الشعوب التي كانت مستعمرة.
 نقطة أخرى مهمة جدا أن هذه الثورة تعاملت بمبدأ القانون الإنساني حتى  في معاملاتها لأسرى الحرب واستطاعت أن ترجع الآلاف من هؤلاء إلى بلدانهم عن طريق شبكات تم تنظيمها من خلال بعض الألمان وبعض السويسريين.
 هناك أيضا الأفكار التي نشرتها الثورة الجزائرية من خلال ما كان يكتب  من طرف القادة العسكريين أنفسهم والقادة الميدانيين  و التي كانت تنشر في الصحف العالمية وخاصة بعد الخطاب الشهير للسيناتور الأمريكي جون كينيدي  في 02 جويلية 1957  والذي أثار صدى كبيرا في الولايات المتحدة الأمريكية، وتداولته مختلف  الصحف، وطرح عدالة القضية الجزائرية ثم أصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.
  منذ هذا التاريخ أصبحت هذه الثورة ذات بعد عالمي، و بعد تحقيق الاستقلال لم تتخل عن مبادئها وواصلت، وهذا هو الأساس الآن-  وظلت طيلة ستين سنة تلهم الشعوب  المستضعفة والشعوب التي تقع تحت الاستعمار، وتلهم كل تواق إلى الحرية، وبالتالي أفكار الثورة هي  الشعلة التي لا تنطفئ أبدا.                إلياس -ب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com