شهدت، ولاية تيزي وزو خلال موجة الحرائق الغابية الأخيرة، هبة شعبية تضامنية للمواطنين من مختلف ولايات الوطن، كغيرها من الولايات المتضررة من الحرائق التي مستها هذه الهبة، غير أن ما تميزت به ولاية تيزي وزو عن غيرها من الولايات المتضررة من الحرائق، تلك الهبة التي أطلقها أطباء بياطرة خواص، لنجدة وإنقاذ الحيوانات البرية أو المتواجدة في إسطبلات أصحابها، وحمايتها من مخلفات الحرائق، ولاقت هذه الهبة قبولا وترحابا لدى المواطنين وكذا عديد البياطرة من مختلف ولايات الوطن، من الذين سارعوا للمشاركة فيها لإنقاذ أصناف مختلفة من الحيوانات البرية، التي كادت أن تأتي عليها موجة الحرائق، ودفعت خطوة بعض البياطرة لإنقاذ مختلف أصناف الحيوانات، إلى انخراط عديد الجمعيات والهيئات الفاعلة في إنقاذ الحيوانات في هذا المسعى.
أحمد ذيب
انطلاق أولى المبادرات من مكيرة لتعم مناطق مختلفة بتيزي وزو
ومن بين الأطباء الذين كانوا سباقين لهذه المبادرة، التي التف حولها عديد البياطرة، الطبيب فريد تريتري ابن مدينة مكيرة بدائرة تيزي غنيف جنوب ولاية تيزي وزو، الذي أطلق حملة تضامنية مع الحيوانات على حسابه على الفايسبوك، والتي انطلقت من محيطه السكني لتلقى صدى واسعا من طرف البياطرة والمواطنين وحتى رجال المال والأعمال، الذين ساهموا في إنقاذ الحيوانات بمختلف الأدوية إلى جانب الأعلاف وما تحتاجه الحيوانات من غذاء، ويشير الطبيب البيطري تريتري في حديثه للنصر بأن المبادرة التضامنية لا تزال لغاية اليوم مستمرة، وبعد أن اقتصر الأمر في بدايتها على التدخلات الاستعجالية لإسعاف وإنقاذ الحيوانات المصابة، يتم اليوم توفير ما تحتاجه مختلف أنواع الحيوانات التي تضررت بيئتها التي تعيش فيها من أغذية متنوعة، وغيرت المجموعة المتطوعة من البياطرة من استراتيجيتها ميدانيا نظير تجاوز مرحلة الاستعجال وإخماد الجهات المختصة لكل النيران المندلعة بالمنطقة، ويبين الطبيب تريتري بأن المناطق التي تضررت من النيران هي المواقع الأكثر تضررا، وهي التي كان فيها الأطباء البياطرة ملتفتون للتكفل بعائلاتهم التي تضررت نتيجة الحرائق، وبعد أن عادت الحياة لطبيعتها يتم تسليم الأدوية للبياطرة بهاته المنطقة للتكفل بعلاج رؤوس الحيوانات المتضررة سواء على مستوى عياداتهم الخاصة أو من خلال نزولهم للميدان عبر مختلف النقاط المتضررة، وتم بحسب المتحدث فتح عدة مداومات لأطباء بياطرة في جل النقاط التي تضررت من الحرائق، ويتم حاليا السهر على توفير الأعلاف والغذاء للحيوانات، بسبب تضرر الفلاحين والموالين، أين أتت النيران على ما ادخروه من أعلاف وأغذية، ويضيف الطبيب البيطري تريتري بأن الإصابات التي لحقت بالحيوانات يمكن مداواتها في الأسبوع الأول مثلا، غير أن المشكل الدائم يتعلق بغذائها على مدار السنة، خاصة وأن الفلاحين المتضررين تزامن تلف ما ادخروه من أغذية وأعلاف مع انتهاء موسم الحصاد، أين وجهوا أموالهم لاقتناء الأعلاف وادخروا من قاموا بحصاده على أراضيهم، ويضيف المتحدث بأن المناطق التي تربى فيها الحيوانات بتيزي وزو لها خاصيتين فإما يتم ذلك على مستوى الإسطبل، أو عن طريق الرعي واقتناء الأعلاف، وهي الأعلاف التي أتت عليها النيران، وأضحت الحيوانات التي لم تمسها ألسنة اللهب بلا غذاء.
هكذا كانت بداية الحملة التطوعية لإنقاذ وإسعاف الحيوانات البرية والأليفة
يضيف المتحدث بأنه وعند انطلاق المبادرة التطوعية لم يكن يتوقع حجم الفاجعة الأليمة التي لحقت بالسكان وممتلكاتهم من محاصيل فلاحية وحيوانات وغيرها، مشيرا بأنها ليست المرة الأولى التي يطلق فيها حملات تطوعية على حسابه الخاص على الفايسبوك، أين باشر حملات مماثلة في وقت سابق دعا فيها كل المواطنين حين عثورهم على حيوانات مشردة أو مصابة أن يتقدموا بها لعيادته للتكفل بها، مشيرا بأن الحملة الأخيرة مماثلة لحملات سابقة، وأمام عدم تقدم المواطنين من العيادة، قرر النزول للميدان أين اصطدم بهول الكارثة، سواء على مستوى الحيوانات البرية والمشردة أو تلك الأليفة على مستوى إسطبلات ومزارع الفلاحين والمربين.
وأمام هاته الكارثة، يضيف البيطري فريد تريتري لجأ المتطوعون من البياطرة بينهم 3 عناصر دائمة في الحملة والعديد من المتطوعين للفترتين الصباحية والمسائية، وبينهم بياطرة خواص قدموا من ولايات مختلفة للمشاركة في الحملة، أين تمت الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي، لإطلاق نداءات لتوفير الأدوية وغيرها، وتم كذلك استقبال أعلاف وأغذية للحيوانات، وتم العمل وفق قوافل متنقلة تجوب كل المناطق المتضررة، أين تم إجراء عملية مسح شامل وتم التدخل وفق برنامج عمل منظم.
أزيد من ألفي تدخل ميداني عبر أزيد من 20 بلدية بتيزي وزو
وأشار الطبيب البيطري تريتري فريد بأن التدخلات الأولى كان موضوعها استعجاليا، أين يتم التركيز على علاج الحيوانات المصابة بالحروق، وعلاج الحيوانات المتضررة نتيجة الإجهاد الذي تسببه الحروق، فكل الحيوانات كان يلزمها تدخل من طرف البياطرة المجندون للحملة، وكان التدخل بالأدوية والمهدئات لإزالة الخوف لدى عديد الحيوانات المتضررة، والتي باتت بحاجة لرعاية نفسية ومعنوية، وفي مجال الإسعافات قام المتطوعون بأزيد من ألفي تدخل، فالعمل تم وفق 6 إلى 7 مجموعات ميدانية كل واحدة منها ضمت بياطرة، وعن نوعية التدخلات التي قدمها المتطوعون أشار البيطري تريتري بأنها شملت تقديم العلاج ضد الحرائق وتم كذلك علاج المتضررين من إجهاد الحرائق وكذا الجفاف لدى الحيوانات الذي سببه الإجهاد الحراري، كما تم الوقوف على تضرر أعلاف وأغذية جميع الفلاحين والمربين، ناهيك عن تضرر 50 بالمائة من الغذاء الذي توفره الغابة للحيوانات نتيجة احتراقها، ومست التدخلات بحسب المتحدث مناطق مختلفة بتيزي وزو أين شملت أزيد من 20 بلدية، على غرار آين يني وآيت تودرت وواسيف وآين إيراثن وعين الحمام وتاسقة ملول وآيت دوالة وآيت بويحي واعكوران وآيت بوهني وأفيغا وعزازقة وإيعطافن وإبودرارن وثقمونت عزوز وثقمونت لجديد وإخليجن وآيت منقلات، ومست التدخلات أصنافا مختلفة من الحيوانات على غرار الماعز والبقر والخرفان والكلاب والحمير والأحصنة، ناهيك عن الحيوانات البرية كالقردة وابن آوى، ويشير المتحدث أن البياطرة في عملهم الميداني لا يفرقون بين أي من الحيوانات فالخروف كالخنزير البري، فالأخير له غاية خلق لأجلها وله دور فعال في التوازن البيئي، والخنزير البري هو الفصيلة الأكثر تضررا من الحرائق، فأكبر عدد للجثث الحيوانات النافقة في الجبال تعود للخنازير البرية، وتم الوقوف على تضرر الخنازير البرية بنسبة أكبر، نظرا لكونها تعيش وسط الغابة ومعروف عنها فرارها للمرتفعات وأعالي الجبال عند إحساسها بالخطر، وفرارها للأعالي جعلها تتحول فريسة سهلة للنيران، وتم ترك الجثث النافقة في البرية، لأن حيوانات أخرى تتغذى على هاته الجثث، وبالتالي تم المحافظة على السلسلة الغذائية لبعض الحيوانات على غرار الطيور من خلال ما تم العثور عليه من رؤوس حيوانات نافقة.
تجاوز مرحلة تقديم الإسعافات إلى توفير الأعلاف والأغذية للحيوانات
ويضيف الطبيب البيطري والناشط البيئي تريتري فريد، بأن المبادرة التي أطلقها لاقت صدى واسعا خلال أسبوعها الأول، ثم بدأت المساعدات المقدمة للفلاحين والمربين بمختلف المناطق تتناقص تدريجيا، والحل يكمن في توفير مساعدات دائمة للمتضررين، فخلال مدة 20 يوما التي تم التكفل فيها باحتياجات الحيوانات من الأغذية والأعلاف، تم التوصل لضرورة تدخل الجهات الوصية على مستوى وزارة الفلاحة لتوفير احتياجات المربين بعد إجراء إحصاء شامل لرؤوس الحيوانات المتواجدة بالمنطقة، فالبياطرة الذين تبنوا المبادرة وأطلقوها في الأول، سيروا الأزمة مع بدايتها، وتلقوا مساعدات من سطيف والبليدة وغيرها من مختلف مناطق الوطن، وهي التي يتم إرسالها وتوجيهها نحو المناطق المتضررة لتوزع على الفلاحين، واعترف الطبيب البيطري تريتري بأن الحل يكمن في إعلان المنطقة منكوبة، ورصد مساعدات استعجالية لها، مبينا بأنه لولا الهبة التضامنية الشعبية الكبرى لكانت الكارثة ستكون أكبر وكانت الأضرار ستكون وخيمة بأتم معنى الكلمة، وعن الأضرار الحقيقية التي اصطدم بها البياطرة المجندون للحملة التطوعية لإسعاف وإنقاذ الحيوانات، بين المتحدث بأن نسبة معتبرة من المتضررين لم تشملهم الإحصاءات الرسمية، نظرا لجهلهم بالإجراءات الإدارية وهم غير مسجلين لدى مصالح مديرية الفلاحة أو غرفة الفلاحة، وتواجدهم في مناطق وعرة بالجبال والمرتفعات زاد من صعوبة الوصول إليهم.
هذه هي الصعوبات التي واجهت فرق البياطرة المتطوعوين
وعن الصعوبات التي واجهت فرق الأطباء البياطرة المجندين في حملة إسعاف وإنقاذ الحيوانات من الحرائق ومخلفاتها، بين البيطري فريد تريتري بأن الحملة كانت صعبة في الأيام الأولى، أين كان الناس منشغلين بأهاليهم بعد أن فقدوا أقاربهم وأحبابهم في الحرائق، وانشغالهم كذلك بمرضاهم نتيجة الحرائق، فكان البياطرة يصطدمون بمجالس للعزاء في كل مكان يستحون فيها أن يعلنوا عن تجندهم لخدمة الحيوانات والنيران أتت على المواطنين، واصطدم المتطوعون كذلك بصعوبة المسالك والتضاريس الوعرة فالطرق كانت مقطوعة في عديد الأماكن، وفي المقابل وجد المتطوعون الدعم الكافي من الأدوية، فالمتعاملون الذين يزودون العيادات البيطرية بالولاية، تم الاستنجاد بهم، ولم يبخلوا بأجود أنواع الأدوية وأغلاها سعرا والتي قدمت لإنجاح الحملة مجانا، فكان البياطرة يشترطون من المتعاملين الاقتصاديين منحهم أنواعا معينة من الأدوية الموجهة للإسعاف من الحرائق دون غيرها من الأصناف، وكانت تصلهم للمكان الذي يتواجدون به، وكان هذا جزءا من هبة شعبية كبيرة أنست المتطوعين الصعوبات التي تواجههم، ودفع الإقبال الكبير للفلاحين والمربين على القوافل البيطرية التي تصلهم لنقل نداءاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
نداءات بتعليق حملات الصيد حتى 6 مواسم قادمة
يبين المتحدث بأن الحملة التي تم إطلاقها هذه الأيام، موجهة للقائمين على وزارة الفلاحة وكذا المديرية العامة للغابات، أين تم رفع نداءات لمنع عمليات الصيد،للمواسم الخمسة أو الستة القادمة، حتى يسمح لمختلف أصناف الحيوانات بالتكاثر من جديد، وتتكاثر بذلك الحيوانات بسلاسة، مع ضرورة إعادة تشجير الغابات المتضررة، ومراعاة التنوع النباتي داخل الغابات، ولا يجب غرس أصناف غير موجودة في الغابة، بالاحتفاظ بنفس فصائل الأشجار التي كانت موطنا لمختلف أصناف الحيوانات، وأضاف محدثنا بأن ما تمت ملاحظته في الخرجات الميدانية ويؤسف له القمامة والقارورات الزجاجية داخل الغابات بكم هائل في الطبيعة، وقد تساهم بشكل كبير في انتشار النيران واشتعالها، مفضلا التقدم بنصيحة للمواطنين لضرورة المحافظة على البيئة والطبيعة وألا يسيئوا إليها بقماماتهم، مع تفادي تقديم كل ما هو مصنع للحيوانات والالتزام بتقديم كل ما هو طبيعي لأن الحيوان متعود على كل ما هو طبيعي، فهو نشأ في طبيعته بعيدا عن أية أضرار قد تلحق به نتيجة الأغذية المصنعة التي تقدم لهم من طرف بعض المواطنين.