أحصيت 50 نوعا من الفطريات في الجزائر وهو مجال واعد اقتصاديا
تمكنت الباحثة في علم الفطريات الدكتورة رقية زعطوط، من تصنيف 50 نوعا من الفطريات التي صادفتها خلال خرجاتها العلمية بغابات الجزائر، بعد أن تكونت جيدا في المجال بجامعات وطنية و أخرى أجنبية وتحصلت على شهادات دولية، ساعدتها على نشر مقالاتها وأبحاثها العلمية في مجلات عالمية لإثراء المعلومات حول الفطريات و استخداماتها في مجالات الطب والاقتصاد.
رميساء جبيل
وأشارت ابنة قسنطينة التي لم تتجاوز بعد 35 من العمر، إلى أن عالم الفطريات مجال خصب وواسع للاستثمار في تطوير الصناعات الغذائية والدوائية، خصوصا وأن الفطريات تدخل في تركيب كثير من المنتجات الصيدلانية، نظرا لأهمية المواد الكيميائية التي تحتوي عليها، والتي لطالما ساهمت على مر التاريخ في إنتاج كثير من المضادات الحيوية ومواد التخدير والعلاجات الطبية.
النصر: ما هو علم الفطريات و كيف قررت اختياره كتخصص ولماذا ؟
رقية زعطوط: تحصلت سنة 2009 على بكالوريا علوم تجريبية، فالتحقت بتخصص البيولوجيا، واخترت دراسة علم الفطريات، وفي سنة 2016 نلت شهادة ماستر في بيوتكنولوجيا الفطريات، وهو علم يدرس بيوتكنولوجيا البيكتيريا والفطريات المجهرية والعادية التي تنمو تلقائيا في الغابات، زاد شغفي بالمجال بعدما انضممت إلى نادي مغامرات سياحية بقسنطينة، وبدأت أرافقهم في خرجات للطبيعة أيام العطل الأسبوعية، للبحث عن الفطريات بعد سقوط الأمطار، حيث كنت ألتقط صورا لها أبحث في أصنافها عبر الإنترنت أو بسؤال أهل الاختصاص.
واصلت دراستي عن بعد بجامعة ليل الفرنسية، و التحقت بدروس دعم في الإنجليزية بمعهد لتعليم اللغات، وفي نهاية السنة توجهت إلى فرنسا لإكمال الجانب التطبيقي بالخروج مع الأساتذة إلى الغابة، بحثا عن الفطريات وتصنيفها بالعين المجردة ثم مجهريا على مستوى المخبر، ثم تفوقت في مسابقة الدكتوراه بقسنطينة وكان مشروعي حول» البحث عن المواد الكيميائية في الفطريات» لتصنيفها واستخلاص ما تحتوي عليه من مواد كيميائية، والنظر في إمكانية استعمالها كعلاج أو مبيد زراعي.
مجال يتطلب مخابر مجهزة ومكيفة لإجراء الاختبارات
هل كانت التجربة سهلة أم هو مجال صعب ؟
ـ صعب جدا في الحقيقة، لأنه يتطلب تجهيزات عالية الجودة و مخابرنا لم تكن مكيفة بشكل جيد، وهو ما يعرقل إجراء الاختبارات، وقد درست سنتين في مخبر ينقصه الكثير، فكان الحل هو النزول إلى الغابات للبحث عن الفطريات كغابتي جبل الوحش والقالة مع تصنيف ما أصادفه من أنواع، كما قطفت قرابة 20 كيلوغراما من الفطريات، وكنت أستغرق وقتا لغسلها وتجفيفها وطحنها بغرض استخلاص المواد الكيميائية. ولذلك فقد بحثت عن مخابر أجنبية لمواصلة أبحاثي، و وقع اختياري على جامعة نابولي فيديريكو 2، أين وقعت اتفاقية لإعداد جزء من مذكرتي بجامعة قسنطينة والشق الآخر بجامعة نابولي، كي أتحصل في الأخير على شهادتين من كلا الجامعتين، مع العلم أني غيرت عنوان أطروحتي من أجل مزيد من التجارب العلمية، كون المخبر مخصص لإجراء اختبارات على عدة أنواع من النباتات.
يوجد 144 ألف نوع من الفطريات في العالم
يندر الحديث عن مجال بحثك وأهدافه في بلادنا حدثينا أكثـر عن الفطريات في الجزائر؟
ـ الفطريات هي كائنات حية تنتمي لمملكة الطلائعيات الصبغية، وتعد من أكثر أنواع الكائنات الحية انتشارا على الأرض، إذ يصل عدد أنواعها إلى حوالي 144 ألف نوع، وتشمل الخمائر والصدأ والفطائر والعفن الفطري والقوالب والفطر، وهي ذات أهمية بيئية وطبية، وتتكون الفطريات من أربعة أجزاء رئيسية هي الأكياس البوغية وكذا الأبواغ الموجودة بداخلها، إلى جانب خيوط فطرية وساق أفقية تستمد منها غذائها.
كما تمتلك جميع الفطريات بنية خيطية باستثناء خلايا الخميرة وهي عبارة عن هياكل طويلة تشبه الخيوط تدعى الخيط الفطري، تتجمع هذه الهياكل معا لتشكل بنية تشبه شبكة تدعى «الغزل الفطري»، وتحتوي بعض الفطريات على خلية واحدة وبعضها الآخر متعدد الخلايا، إلى جانب امتلاك جميع الأنواع لجدار خلوي، يتكون من بروتوبلاست، وهو مشكل من أجزاء خلوية أخرى مثل غشاء الخلية والسيتوبلازم وعضيات الخلية والنواة، كما يوجد في الفطريات نواة كثيفة وواضحة وتمتلك خيوط الكروماتين وهي محاطة بغشاء النووي.
هذا ما يجب على الباحث معرفته لتصنيف الفطريات
ما هي أهم النقاط التي يجب معرفتها من قبل الهواة والباحثين لتصنيف الفطريات بالشكل الصحيح ؟
ـ يعتمد التصنيف على عدة عوامل، منها طريقة الفطريات في الحصول على غذائها وطريقة تكوينها للأبواغ، فتنقسم من خلال التغذية إلى ثلاث مجموعات، تتمثل في الفطريات الرمية التي تتغذى على المواد العضوية الميتة، مثل فطر رازية والبنيسيليوم والرشاشية.
والفطريات الطفيلية التي تتغذى بدورها على الكائنات الحية الأخرى مثل النباتات والحيوانات، لتمتص العناصر الغذائية منها، على سبيل المثال فطر مخندقة وفطر شقران، ثالثا الفطريات التكافلية تتغذى على الأنواع الأخرى من الكائنات الحية، فهي تبني معها علاقة مترابطة لتبادل العناصر الغذائية، فيستفيد كلاهما من هذه العلاقة، من بينها الجذريات الفطرية والأشنيات، التي تشكل علاقة تكافلية مع الطحالب، فتحصل الأشنيات على الكربوهيدرات، وتوفر بدورها للطحالب مأوى.
أما ثاني طريقة في التصنيف، تعتمد على تكوين الأبواغ، و تنقسم إلى أربع مجموعات، تشمل الفطريات الاقترانية التي تتشكل من اندماج خليتين مختلفتين، فإما تكون أبواغا جنسية تدعى « بوغ زيجوتي»، أو أبواغا لا جنسية تدعى « بوغ اسبورانجي»، و تتميز بخيوط فطرية بدون حاجز.
أما المجموعة الثانية، فهي الفطريات الزقية «الكيسية»، التي تعيش إما على شكل متفرع أو مُحلّل أو طفيلية أو رمية، وتمتلك أبواغا جنسية زقية، و يحدث التكاثر اللاجنسي فيها عن طريق الأبواغ المخروطية، من أشهرها فطريات السكيرية.
و نجد ثالثا، الفطريات الدعامية، التي تعيش كطفيليات على الكائنات الأخرى و تتكاثر جنسيا بأبواغ دعامية، و يحدث التكاثر اللاجنسي فيها بواسطة التبرعم أو التفتت، وبالنسبة للمجموعة الرابعة تتمثل في الفطريات الناقصة « غير الكاملة»، لأنها لا تتكاثر تكاثرا جنسيا بل يقتصر تكاثرها على النوع اللاجنسي الذي يحدث في الغبيرة ومن أشهر أنواعها الترايكوديرما.
للفطريات دور في تطور العلوم وصناعة الأدوية
للفطريات فوائد بيئية و طبية حدثينا عن بعضها؟
ـ للفطريات أهمية بيئية كبيرة، فهي تعمل على كسر المواد العضوية، التي تنتج عنها عناصر جد مهمة، مثل الكربون والأوكسجين والنيتروجين والفوسفور، من خلال إطلاقها في التربة والغلاف الجوي، إلى جانب الأهمية الغذائية، فهي تستخدم في صناعة الخبز وأنواع من الجبن، كما تستخدم أنواع منها كغذاء، مثل الفطر و الكمأ، أما البروتينات الموجودة في الفطريات فتدخل في صناعة بعض الأطعمة.
كما ساهمت الفطريات في تطور علم الأحياء، إذ ساعدت على تعزيز الاكتشافات الكيميائية الحيوية الخلوية الأساسية وكذا التمثيل الغذائي، ناهيك عن أهميتها في دراسة البيولوجيا الخلوية والجزيئية والهندسة الوراثية، وفي تأسيس علم الوراثة الحديث.
و قدمت الفطريات للطب سلسلة من المضادات الحيوية بفضل اكتشاف البنسيلين، كما يعود الفضل لفطر الإرغوت في إنتاج المواد الكيميائية المستخدمة في صناعة الأدوية التي تحفز المخاض عند النساء الحوامل، وتتحكم في نزيف ما بعد الولادة، كما أنها مصدر لحمض معين يستخدم كمخدر، زيادة على ذلك يمكن استخلاص عديد المواد الكيميائية من الفطريات، لإنتاج عقاقير تعرف باسم الستاتين، تلعب دورا مهما في التحكم في مستويات الكوليسترول وتجنب الإصابة بأمراض القلب التاجية، ناهيك عن استخدامها في إنتاج عدد من الأحماض العضوية على غرار الإنزيمات والفيتامينات.
مجال تم تهميشه رغم أهميته
ـ هل يلقى عالم الفطريات اهتماما في الجزائر ؟ مثل بقية النباتات والكائنات الحية ؟
ـ غابات الجزائر غنية جدا بالفطريات الكبيرة والفطريات الصالحة للأكل بفضل الظروف المناخية و التنوع البيولوجي، فغابة جبل الوحش بولاية قسنطينة مثلا، و كذا غابة القالة بالطارف وغابة بلزمه ببتانة، مناطق تتوفر على نسبة كبيرة منها تظهر مباشرة بعد تساقط الأمطار مع بداية الخريف، وهناك أنواع تخرج في أشهر الربيع، لكن جمع وتصنيف الفطريات قليل جدا للأسف، فهو نشاط لا يلقى اهتماما سواء من هواة الطبيعة أو الباحثين والدكاترة المختصين، الأمر الذي دفعني للاهتمام به أكثر.
كيف لمجال الفطريات أن يدعم الاقتصاد الوطني؟
ـ يعتبر الاستثمار في زراعة الفطريات الصالحة للأكل من المشاريع الجديدة التي قل ما يستثمر فيها الفلاحون، رغم الطلب الكبير عليها من المستهلكين، فنحن من المجتمعات التي تتناول الفطريات خصوصا في مناطق معينة من الوطن.
ويحتاج هكذا مشروع عموما، إلى قطعه أرض و عقار لتهيئة المناخ المناسب لينمو الفطر وفق شروط معينة، إلى جانب بعض معدات التبريد وغيرها، فيتم إنتاج الفطريات على مدار السنة بما يضمن توفير المنتج بشكل دائم في السوق.
أما الفطريات غير الصالحة للأكل والموجودة في الطبيعة، فتتميز بنشاط بيولوجي قادر على تحقيق مبيدات الحشرات والأعشاب الضارة، إضافة إلى أن البعض منها يمكن أن يستعمل كدواء فعال للإنسان.
و لهذا أرى أن الاستثمار في زراعة الفطريات من أنجح المجالات ويدر أرباحا كبيرة، سواء على الصعيد الوطني أو في مجال التصدير.
أنجزت بحوثا ونشرت مقالات في مجلات عالمية
حدثينا عن مساهماتك العلمية في المجال ؟
ـ تحدثت في بحوثي عن رقم قياسي جديد من آقاريكيس ليتوراليس، وهو نوع نادر من الفطريات الكبيرة الصالحة للأكل من شرق الجزائر، وذلك في مقال نشر في مجلة عالمية ميكوباث كما تطرقت في آخر حول فحص النشاط المضاد للبكتيريا لفطر صالح للأكل آفاريكيس ليتوراليس، وهو مقال نشر سنة 2023 في المجلة الدولية لدراسات علم النبات، إلى جانب بحث حول عزل التيروزول المستقلب الرئيسي السام للنبات، الذي تنتجه الفطريات الصالحة للأكل آقاريكيس ليتوراليس وقد نشر سنة 2021 في المجلة المصرية للكيمياء وغيرها من البحوث والمقالات.
ما هي أهدافك ومشاريعك المستقبلية في هذا المجال ؟
ـ أطمح للتعرف على مختلف الفطريات الموجودة في الجزائر واكتشافها، بدءا بغابة جبل الوحش، فمنذ 2017 وأنا أقوم بجولات استكشافية لجمع الفطريات و تصنيفها لاستخراج العائلة والنوع الذي ينتمي إليه كل فطر، وفي حال وجدت صعوبة في التعرف عليها، أطرح الموضوع على أساتذة درسوني بجامعة ليل الفرنسية، وقد صنفت إلى يومنا هذا حوالي خمسين فطرا من غابة جبل الوحش، كما نشرت بعضا من أعمالي ومقالاتي في مجلات علمية، و هي أبحاث أجريت معظمها في جامعة فيديريكو الثانية بإيطاليا، بمساعدة أساتذة مختصين وباحثين في استخلاص المكونات والمواد الكيماوية. ر. ج