إن الحياة الزوجية ميثاق قدسي جمع الله فيه الرجل والمرأة لبناء الأسرة المتماسكة المتعاونة المتآزرة في السراء والضراء قوامها المودة والرحمة حيث قال تعالى تأكيدا للمعاني السالفة "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"، وأما كون الحياة الزوجية ميثاقا بموجب الكلمة التي تصير الحرام حلالا، والممنوع مباحا مشروعا؛ هذه الكلمة التي اصطلح عليها الفقهاء عقد الزواج الذي يخضع لأركان، هذا العقد يرتب على الزوجين التزامات وحقوق وواجبات.
وصدق الله تعالى إذ يقول في كتابه العزيز: {وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا}كما أكد النبي صلى الله عليه هذا المعنى بقوله: {استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم} ومن موجبات هذا الميثاق الرباني والعقد القدسي وجوب النفقة على الزوجة لقوله تعالى:{لِيُنفِقْ ذُو سَعَة مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءَاتَهُ اٱلَّهُ لَا يُكَلِّفُ ٱ للَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا ءْاتاها }، وقوله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} وقوله تعالى:{ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} أي لا تجوروا ولا تميلوا في النفقة. وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم :{كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته} وفي الحديث الأخر قوله صلى الله عليه وسلم:{إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته} وفي حديث أشد صراحة في النهي عن إضاعة الإنسان من يعيل قوله صلى الله عليه وسلم:{كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت}.
لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يجعل الإنفاق حقا للزوجة وواجبا على الزوج؛ ولكنه جعل الإنفاق محكوما بالبعد الزماني والمكاني وبالعوائد والأعراف وحال الزوج، ومن ثم فيحتكم الزوج إلى وازعه الديني وإيمانه ومكارم أخلاقه، فليس من الخلق ولا من الدين ولا من المروءة أو حتى الرجولة أن يضيق على زوجته في الملبس والمأكل والمسكن، وهو صاحب ثراء ومال وبمقدوره أن ينفق عليها بما يليق، وحالاته المالية الميسورة؛ واعتبر ذلك فعلا منافيا للشريعة الغراء والفطرة السليمة واعتبر شحا وبخلا منهيا عنه شرعا لقوله تعالى:{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد مذموما مخذولا}. فالمطلوب شرعا كفاية حاجات زوجته بالمعروف بمراعاة نفقة مثيلاتها من النساء وما يقتضيه العصر والبيئة، ويجب لها ما يتعلق بمسكنها ومداواتها وملبسها ومأكلها وما من شأنه تسهيل مهام البيت من أثاث وآلات وغيره، وفي الحديث: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت).
يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها
وقد رخص فقهاؤنا للزوجة أن تأخذ من مال الزوج ولو بدون علمه إذا كان يضيق عليها في المعاش وهو قادر على الإنفاق؛ لما روي من قوله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان: “خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" متفق عليه؛ ولعل مما اقتضته الظروف في بعض الأحيان يتناول الرجل وجباته خارج البيت، فتجده يوسع على نفسه ويتوسع حتى يصل إلى الكماليات، ولا يلتفت إلى أسرته، وزوجته، أو الإنفاق على أصحاب السوء بليالي السمر في الملاهي والمطاعم الفاخرة المبالغ الطائلة، في حين يهمل أسرته ويقصر في حق زوجته وأولاده؛ حتى لا يجدوا ما يأكلون، وقد يلجئهم الأمر إلى تكفف الناس؛ ومثل هذه التصرفات تعتبر ضربا من الإهمال الأسري الذي يضع صاحبه في خانة الإثم والمعصية عملا بقوله صلى الله عليه وسلم؛ لاسيما إن كان ذا مال أو ميز بين زوجاته إن كان معددا أو بين أبنائه وزوجته، أو بين أبنائه أنفسهم وتحاشى إقامة العدل.
وفي السياق نفسه حينما نرى اليوم الأرقام المرتفعة للتفكك الأسري؛ الطلاق والخلع؛ حيث تقبل الكثير من النساء على رفع دعاوى الخلع وإنهاء العلاقة الزوجية، وعند التحقيق والتدقيق نجد أن من بين أسباب هذا التفكك الأسري، ولجوء النساء إلى المطالبة بالخلع هذه الظواهر السلبية والممارسات الخاطئة والصور النمطية التي يمارسها بعض الأزواج، ولأن مثل هذه التصرفات تدمر جسور الثقة بين الزوجين وتوهن الرباط المقدس فتشتكي كثير من الزوجات من أنانية الزوج وهروبه من المسؤولية بدعوى أنها غنية أو صاحبة مال وراتب شهري، ومن ثم فهو غير مطالب بالإنفاق إلا في الحدود الضيقة، أو تحقيق الحد الأدنى وهذا ما يهدد الأسرة المسلمة اليوم في استقرارها وترابطها وتماسكها لتحقيق الاستقرار النفسي والسكينة الروحية والإشباع الغريزي والترابط الاجتماعي؛ ويمكننا أن نقول ختاما إن ما تشهده الأسرة من ضياع وتفكك قد يصل إلى حد الخيانة ما هو إلا بسبب هذه التصرفات النمطية والسلوكيات الشاذة المنحرفة التي لا تمت لديننا الحنيف وأعرافنا الاجتماعية الأصيلة بصلة، وهي ضرب من الأنانية المقيتة والأثرة المنهي عنها. فعلى كل رجل صادق محب لأسرته حريص على استمرار حياته الزوجية الحذر من مثل هذه التصرفات، التي قد يعتبرها هامشيا ولا تستحق الوقوف عندها؛ بل قد تستغرب انتفاضة زوجتك ورفضها لمثل هكذا أعمال؛ لأن عماد الأسرة الإيثار والتراحم والشعور بالمسؤولية من الطرفين.
فوائد من اليوم الدراسي حول التأمين التكافلي
قدمت في هذا اليوم الدراسي حول التأمين التكافلي من تنظيم جمعية البنوك مداخلات كثيرة فقهية واقتصادية، ومما خلصت له وغنمته منه: أن التأمين التكافلي يقوم على فكرة مشاركة أصحاب المصلحة الحقيقية في التأمين وهم حملة الوثائق أو المؤمن لهم المشتركين في التأمين في توزيع الأضرار المادية الناتجة عن تحقق الخطر المتوقع حدوثه فيما بينهم عن طريق التعويض الذي يدفع إلى المشترك المتضرر من مجموعة حصيلة اشتراكاتهم بدلا من أن يبقى الضرر على عاتق المتضرر بمفرده، وذلك طبقا لنظام شركة التكافل والشروط التي تتضمنها وثائق التأمين وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وهى الفكرة الأساسية لمفهوم التأمين القائمة على التعاون لمواجهة الأخطار المحتملة وتعويض الخسائر المادية الناجمة عن تحقق هذه الأخطار. وتتم ممارسة التأمين التكافلي سواء في تأمينات الأشخاص أو تأمينات الممتلكات، ويتم إصدار وثائق تأمين تكافلية لتغطية الأخطار المختلفة التي يتعرض لها الأفراد في أشخاصهم أو ممتلكاتهم.
ويجد التأمين التكافلي تأصيله في قوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى» وفي الحديث النبوي الشريف: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». والحديث: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا».
ويقوم التأمين التكافلي على مبادئ؛ منها:
(1)العمل تحت إشراف لجنة للفتوى والرقابة الشرعية: نظرا لأن شركات التأمين التكافلي تقوم على أساس التعامل بأحكام الشريعة الإسلامية فإن ما يعينها على تحقيق هدفها أن تستعين بذوي الاختصاص الشرعي لضمان تجسيد المبادئ الشرعية السامية في حقل التأمين التكافلي، حيث تقوم هيئة دائمة للفتوى والرقابة الشرعية بالرقابة على جميع الأعمال لضمان عدم تعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتكون قرارات هذه الهيئة ملزمة.
(2) الفصل بين أموال المشتركين والمساهمين في شركة التأمين التكافلي يتم الفصل بين أموال المشتركين (المؤمن لهم) وأموال المساهمين وذلك من خلال تخصيص حسابات منفصلة لكل منهم وإضافة عائد الاستثمار الخاص بكل جانب إلى أصله.
(3) توزيع الفائض التأميني على المشتركين؛ استنادا إلى مبدأ التكافل ، تمتاز شركة التأمين التكافلي بتوزيع نسبة من الفائض التأميني المتحقق من عمليات التأمين على المشتركين بعد خصم حصة مقابل المصروفات الإدارية اللازمة وخصم تكاليف الإنتاج والتعويضات والمخصصات والاحتياطيات، وتختلف نسب توزيع الفائض التأميني بين حملة الوثائق وحملة الأسهم من سوق إلى آخر وطبقا لما ينص عليه النظام الأساسي لكل شركة، وتنص بعض قوانين شركات التأمين على توزيع 40% كحد أدنى من فائض النشاط التأميني المحقق على حملة الوثائق.
الموسيقار الإيطالي الشهير كلاوديو آبادو يكشف أنه حفيد المعتمد بن عباد!
مما لا يعرفه الكثير من القراء أن الفنان الموسيقاري الإيطالي الشهير كلاوديو آبادو هو حفيد الملك الأندلسي الذي عاش بين (431هـ - 488هـ/ 1040- 1095م) وثالث وآخر ملوك بني عبَّاد في الأندلس، ملك إشبيلية وقرطبة فترة من الزمن في عهد الطوائف قبل أن يقضى على ملكه من قبل المرابطين، واستنادا لمصادر تاريخية فقد شهد عهد المعتمد بن عبَّاد نهضة حضارية كبيرة في إشبيلية والمدن الأخرى التي حكمها. فقد عمرت المدينة بالقصور الكبيرة، التي شيدها بنو عباد ورجالات الدولة الكبار. كما ظهر ونبغ الكثير من الشعراء المشهورين في تاريخ الأندلس، وقيل عن المعتمد بن عباد أنه كان فارساً شجاعاً، عالماً أديباً، ذكياً شاعراً، محسناً جواداً ممدحاً، كبير الشأن، خيراً من أبيه. كان أندى الملوك راحة، وأرحبهم ساحة، كان بابه محطَّ الرحال، وكعبة الآمال، وفي كتاب حفيده أعلاه كشف الفنان الموسيقاري الإيطالي عن هذا النسب السلالة وفيه إشارات قليلة عن اكتشافه لأشعار جده العظيم في (الأرشيفات) بعد كل هذه القرون! حسب وسائط إعلامية كتبت عن هذا الاكتشاف وعرفت بالكتاب، وكشفت أيضا أن عائلة هذا الموسيقار ورثت الفن فكلها موهوبة، وندر أن تجد شخصاً منها غير موهوب في أمر ما متصل بالفن والثقافة.
خريج جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة
وفاة الشيخ معمر زوكورليتش الرئيس السابق للعلماء في صربيا
توفي منذ أيام الشيخ معمر زوكورليتش الرئيس السابق للعلماء في صربيا خريج جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة سنة 1993م؛ وقد نعته هيئات ومنظمات دولية وعرفت به، ومنها منظمة إعلاميون حول العالم”: ومما جاء في بيان النعي للاتحاد العام للعلماء المسلمين: (استيقظت دول البلقان على خبر حزين وهو وفاة الشيخ معمر زوكرليتش عن عمر ناهز 51 سنة، بعد تعرضه لأزمة قلبية ، وقد كان الشيخ معمر رمزا من رموز المسلمين في منطقة البلقان وخصوصا الأقلية المسلمة في إقليم السنجق التابع لدولة صربيا، فقد عرف عنه قوة شخصيتة ودفاعه القوي عن حقوق المسلمين في صربيا.
ولد الشيخ معمر سنة 1940م في مدينة توتين بصربيا وأنهى دراسة الابتدائية في سراييفو والتحق بكلية الدراسات الإسلامية قسم الشريعة بقسنطينة بالجزائر وتخرج فيها سنة 1993م، وأكمل الشيخ معمر زوكرليتش دراسته العليا في لبنان .
انتخب أول رئيس للمشيخة الإسلامية في إقليم السنجق بصربيا في أكتوبر 1993م مع إنشائها، وأعيد انتخابه لهذا المنصب عامي 1998 و 2003 . وانتخب في مؤتمر توحيد الجالية الإسلامية في صربيا عام 2007 رئيسا لمشيخات صربيا ومفتيا رئيسيا لها.
تفرغ بعد ذلك للعمل السياسي وتزعم حزب العدالة والمصالحة وكان نائبا لرئيس الجمعية الوطنية الصربية. وقد تم ترشيحه سابقا ليصبح نائب رئيس البرلمان الصربي كما أنه كان ضمن مشاورات لتسلم إحدى الوزارات في صربيا.
يعد الشيخ معمر من الشخصيات الفذة التي مرت في تاريخ البلقان كونه كان شخصية إصلاحية تتسم بالقوة في المطالبة بحقوق الأقلية المسلمة في صربيا، وقد ناضل وكافح لإثبات حقوقهم، وقد حظي بشعبية كبيرة بين الجالية الإسلامية ليس في صربيا وحدها وإنما في جميع دول البلقان.