بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب سيّاسية وإعلاميّة واضحة المقاصد، ضرورة الاهتمام بالثقافة والمثقّفين الحقيقيّين، وخلق مناخٍ يساعد المُبدعين على البروز والانتشار وتحصيل الاعتراف و الرّفاه داخل بلدهم.
ويتطلّب هذا المُناخ، إلى جانب ضمان حريّة الإبداع وأخذ الكلمة، إقامة صناعة ثقافيّة قادرة على التأثير والاستقطاب، في مجالات الكِتاب والسّينما والمسرح والتّشكيل والموسيقى...صناعة تجعل من الجزائر قطبًا ثقافيًا يُغني مُبدعيها عن طلب المجد في الشّرق وفي الغرب، ويحتضن المبدعين الأفارقة والعرب، خصوصًا مع توفّر قاعدة ومقدرات و تنوّع ثقافي وحيويّة جيلٍ جديدٍ مولع باستخدام المكاسب التكنولوجيّة في مشاريع لا تحقّق عائدات ماليّة فحسب، ولكنّها تمنح فرصة للمحتوى الثقافي الوطني للتّواجد في المتحف الالكتروني الكوني.
ويحتاج تحقيق ذلك، قبل وضع الإمكانيات الماديّة، إشاعة بيداغوجيّة سليمة عن الفنّ والإبداع للقطع مع ظاهرة شَيْطنة المُبدعين وتكفيرهم والتّقليل من شأنهم، وهو السّلوك الذي تخلى عنه منتجوه، بعدما اكتشفوا أنّ الثقافة هي العنوان الذي لا تخطِئه العينُ في كلّ نهضة.
ويبدو من الضروري أيضًا عدم الاعتماد على "طبقة" ريعية تقف منذ عقودٍ على أبواب المؤسسات الثقافيّة، زادها إبداع ركيك ومواقف مداهنة، وفتح الأبواب لمن لا يقفون عندها ولا يفكّرون في طرقها، لأنّ الإبداع الحقيقي ينمو في الهامش وفي الظلام، بعيدًا عن صخب المهرجانات، والمُبدع قويٌّ بإبداعه أولًا، وليس بالخطاب الذي ينتجه خارج العمليّة الإبداعيّة.
بالمختصر، فإنّ "تراكم الجودة" هو الذي يصنع قوّة الأمم ويعلي من شأنها، ولا تنفعُ رداءةَ المنتوج طيبةُ صاحبه وامتثالهُ للنواميس الاجتماعيّة وتقاليد الطاعة التي تجافي النقد.
وبقدر ما يعزّز ازدهار الثقافة، الذّات ويمنحها الثقة والمناعة، بقدر ما يُضعف مفعول الحروب النّاعمة التي تستهدفها، ويحمي أبناءها من "التيه" والتماهي مع الآخرين، والضّياع في طلب المجد والجوائز، كما هو حال المذكورين أعلاه أو الذين لم يأت ذكرهم، و هو وضع يدعو إلى الشّفقة والحزن، قبل أن يكون سببًا للغضب!
سليم بوفنداسة