هيأو ا مساحات خضراء و فضاءات للعب عن طريق التطوع: سكان يضفون لمسات جمالية على أحيائهم

تشهد عديد الأحياء بمناطق مختلفة  بولاية قسنطينة مؤخرا  مبادرات تطوعية ،لتهيئة و تزيين مداخل التجمعات السكنية و الفضاءات المشتركة ، في ظل النقص المحسوس لمثل هذه الأماكن  التي يجد فيها المواطن متنفسا و مكانا للراحة و الاستجمام.
و كان الحجر المنزلي بمثابة العامل المفجر ، الذي ساهم في تعزيز علاقة المواطن بمحيطه ، في ظاهرة انتشرت بين الكثير من المواطنين  في مختلف الأحياء، بعضها أصبح نموذجا يحتذي به ، و وجد الكثير من المواطنين في أشغال التهيئة بديلا حقيقيا لاستثمار وقت فراغهم ، و الارتقاء بأحيائهم السكنية التي تفتقر كلية للمساحات الخضراء و فضاءات الترفيه ، و حتى و إن وجدت فقد طالها التخريب.
و من خلال هذا الروبرتاج تسلط النصر الضوء ،على بعض الأمثلة الايجابية التي تجسدت على أرض الواقع ،  لنقف كيف  نجح أصحابها  في استغلال إمكانياتهم البسيطة لبعث الحياة و الأمل داخل محيطهم العمراني،  و كسر الصورة النمطية التي باتت لصيقة بالوسط الحضري بكل ما تحمله  من معالم  فوضى و عدم تناسق  وانتشار للأوساخ مع طغيان الإسمنت على المشهد العام.
طبيب يهيئ  حديقة بمدخل عمارة
نجح طبيب عام يقطن بعين سمارة في قسنطينة في تغيير مدخل عمارته المتواجدة  بحي « 1004 مسكن حي العجابي العربي كناب» ، و جعل منها حديقة جميلة تشد   أنظار المارة و السكان ، بعدما تفنن في تزيين الباحة الأمامية و الخلفية  بعدة أنواع  من النباتات و الزهور و الورود ،و  إضافة لهندسات و زخارف  استخدم فيها الحجارة و الخشب .
و في حديثه للنصر قال السيد « بلقاسم» الذي رفض الكشف عن هويته في الجريدة أو التقاط صورة له ، أن الفكرة كانت تراوده قبل أربع  سنوات عندما كان يبادر كل سنة قبل حلول فصل الصيف بتقليم أغصان الأشجار و النخيل المتواجدة على طول المنطقة السكنية التي يقطن بها ، و كذا إزالة  الأعشاب الضارة لمنع تكاثر الحشرات و الفئران و حتى الثعابين ،  و كانت هذه المبادرات تلقى  إستحسان السكان وتعد نوعا من التحدي  للشباب ، و خلال فترة الحجر المنزلي فكر «بلقاسم» في فكرة تغيير الوجه الباهت للحديقة  و بعد إستشارة الجيران ، باشر المتحدث في عملية تنظيف التربة و تهيئتها  و غرس النباتات التي اقتنى عدة أنواع منها.
كما جلب  كميات من الحجارة و الخشب و استعملها في التزيين ، و حتى بعد رفع الحجر و عودته للعمل في عيادته الخاصة لم يتوقف « بلقاسم» حسب قوله و بشهادة جيرانه عن الاعتناء بالحديقة، وكان يفعل ذلك بعد عودته من العمل مساء و حتى ليلا و أيام العطل الأسبوعية ، و قال المتحدث أن الكثير من الأصدقاء و حتى المارة و سكان العمارات المجاورة كثيرا ما يطلبون منه المساعدة أو يستشيرونه لتجسيد فكرته في محيط سكنهم، فلا يتوانى عن تقديم النصح و الدعم لهم خاصة أن المبادرة لا تتطلب الكثير من الإمكانيات بل ما تحتاجه هو العزيمة و الإرادة.

يستثمرون وقت فراغهم في تهيئة ساحة عمومية بعلي منجلي
الوجهة الثانية كانت نحو المدينة الجديدة علي منجلي ، و تحديدا بالوحدة الجوارية 6 التي تتوسط المدينة، أين قام   عدد من السكان بتحويل الشكل الخارجي لإحدى الساحات العمومية المتاخمة لعماراتهم و جعلوا منها فضاء  مميزا  و أضفوا عليه بلمسة جمالية ،اعتمدوا فيها على خشب الأشجار و النباتات و الأزهار ، أما اللافت في هذه الساحة التي تحولت إلى فضاء يقصده القريب و البعيد، هو بيوت الحمام التي قام السكان بصناعتهما بطريقة جميلة جدا اعتمادا على قطع الخشب وقاموا  بتعليقها  على أغصان الأشجار، و هي اليوم تظم عشرات  الأعداد من الحمام  البري كما اقتنوا  بعض السلالات  من الحمام الملكي الذي تكاثر و  تزايدت أعداده  ، وأصبح الجيران يخصصون مبالغ    لاقتناء تغذية تلك الطيور   .
  و قال السيد مزهود عبد الناصر في حدثيه للنصر ، أن الفكرة جاءت بعد الفيضانات التي عاشتها مدينة علي منجلي قبل سنوات ، و بعدما تحولت هذه الساحة لنقطة سوداء لتجمع القمامة و المياه الراكدة التي كانت تشكل بحيرات     تحاصر العمارات ،  وهو وضع استدعى تدخل مصالح البلدية التي  قامت   بتهيئة  أرضيتها ، بعدها قرر السكان استغلال الساحة كفضاء عام ، إعتمادا على تبرعات ، لتتحول اليوم إلى نموذج جميل و مميز بمدينة علي منجلي و حتى في ولاية قسنطينة ، فإلى جانب منظر الحمام و هو يجوب  أرجاء الساحة  فان منظر الأزهار و مجرى المياه الحجري و الكراسي الخشبية ،   شكلت ديكورا طبيعيا مفتوحا يقصده كل من يمر بالوحدة الجوارية رقم 6 و حتى من خارج قسنطينة، و حسب حديث السكان فهناك  تفكير في توسيع المكان و إدخال إضافات أخرى كبناء أكشاك خشبية لتقديم خدمات للزوار.

استثمر تقاعده في تغيير وجه محيطه السكني  
يستغل السيد «خوجة بودماغ « أيام تقاعده في الاعتناء بباحة العمارة التي يقطن بها في حي زواغي سليمان، بعدما حول أرضها الجرداء إلى حديقة بها أشجار مثمرة و نباتات و يقابلها بالجهة الأخرى فضاء للعب الأطفال و منبع مائي إصطناعي يعمل حاليا على تزيينه بالحجارة، ثم يقوم بتزويده بالمياه عن طريق خزان مائي يعمل بالكهرباء .
و قال صاحب الفكرة التي يزيد عمرها عن السنة ، أن خروجه للتقاعد تزامن و أزمة كورونا التي فرضت حجرا منزليا لعدة أشهر، فما كان عليه إلا أن فكر في استغلال هذا الوقت في تغيير وجه   مدخل العمارة ، و بعدما إقترح الفكرة على جيرانه الذين أبدوا موافقتهم كما ساهموا بقسط من المال ليستثمرها في شراء ما يحتاجه من طلاء و حديد و نباتات ، و قال السيد « مقداد» أحد الجيران أن « خوجة» قد عمل بجد كبير على مدار سنة كان يقوم خلالها كل يوم بتقليب الأرض و نزع الحجارة و الأعشاب الضارة ، بعدها قام بتسييج الحديقة و غرس النباتات و الأشجار و الاعتناء بها ، إلى أن أصبحت اليوم يافعة ، أما الباحة الخلفية فحولها إلى فضاء للعب الأطفال و هي مفتوحة للجميع و على طرفها منبع مائي حجري ، و أضاف السيد « خوجة» صاحب المبادرة أنه يقضي يومياته في الحديقة يعتني بنباتاتها يقوم يسقيها و تقليم أغصانها و تنظيف التربة ، مضيفا أن الفكرة انتقلت إلى عدة عمارات و أحياء مجاورة بعدما إستحسنوا المبادرة التي غيرت وجه العمارة كلية.

تجند لنفض الغبار عن محيط العمارات
وفي حي 500 مسكن بزواغي، جمع السكان مبالغ لاقتناء أخشاب لتسييج المساحات الخضراء واقتنوا مواد لتهيئة حوافها وغرس  شجيرات وورود ، وتجري منذ فترة عمليات تنظيف لإزالة الركام والقاذورات المتراكمة منذ سنوات، وقد بدأت ملامح المساحات المحيطة بالعمارات تتغير وأعطتها المسحة الخضراء رونقا آخر، لكن السكان يقولون أنهم بحاجة لمساعدة البلدية على الأقل لرفع الركام وتزويدهم بعمال يشاركون في غرس النباتات وتهيئة الحواف المتآكلة، بعد أن قاموا بجزء كبير من العملية عن طريق جمع مبالغ من السكان، تظل غير كافية بالنظر لتدهور الحي وغياب الصيانة طيلة السنوات الماضية، فيما تبقى ساحة اللعب أسفل الحي، النقطة السوداء كونها هيئت منذ سنوات لكن الألعاب أتلفت والأرضية تآكلت بفعل تراك المياه بها كونها تقع في منخفض كما يخشى السكان التدخل في تلك المساحات كونها من اختصاص البلدية.  
وهيبة عزيون