أعرب الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الاثنين بالكويت، لدى استقباله من طرف...
أكدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أمس الاثنين، الشروع في معالجة انشغالات طلبة العلوم الطبية، من بينها رفع مبلغ المنحة الدراسية ومراجعة...
شهدت العيادة الطبية المتخصصة في جراحة قلب الأطفال ببوسماعيل أمس الاثنين إجراء عمليات جراحية على حالات معقدة، أشرف عليها طاقم طبي إيطالي متخصص...
أطلقت شركة سونطراك مسابقة وطنية مفتوحة لتوظيف خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس الأكاديمية في المجالات التقنية، بالشراكة مع الوكالة الوطنية للتشغيل. وبحسب ما...
داخل ورشة فسيحة يخترقها الضوء من كل الزوايا، تبدع أنامل سيدات قسنطينيات، تحفا و لوحات جميلة، إنهن نساء تختلف تخصصاتهن المهنية ، لكن يجمعهن شغف الفن و عشق الألوان تحت سقف إحدى ورشات “مدارس العالم” المتواجدة بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة. هذا الفضاء لجأن إليه هربا من ضغوطات الحياة و بحثا عن حلم مؤجل، اخترن تحقيقه بعد سن الأربعين، خصوصا وأن علاقتهن بالألوان تتعدى حدود الإبداع، إلى العلاج النفسي و البحث عن الراحة والهدوء من خلال مراقصة الريشة.
ألوان لا تعترف بالعمر
تضم الورشة المتواجدة في الوحدة الجوارية رقم 5، شابات و مراهقين و تلاميذ يتعلمون الرسم و الزخرفة، إلى جانب اللغات، كما تشارك فيها طبيبات ومهندسات و موظفات و متقاعدات يطوعن الزجاج و يكسرن صمته و شفافيته بزخارف جميلة، كما يحاورن الخشب و الفخار بلغة الألوان، ليصنعن منه تحفا يدوية هي وليدة لحظة صفاء يعشنها منذ أشهر، و تحديدا منذ نهاية الحجر الصحي الكلي، الذي دفعتهن تبعاته إلى جانب الضغوطات اليومية والمهنية، للالتحاق بدروس الفن التي تشرف عليها فنانة تشكيلية عرفت كيف تصقل مواهبهن و تخرج أجمل ما بداخلهن، بما في ذلك حبهن للحياة و تمسكهن بحلم الطفولة، فالرسم و الزخرفة ، موسيقى هادئة لطالما عزفنها بصمت طيلة سنوات، واضطررن خلالها ، كما قلن، للتخلي عن حبهن للفن و تأجيل ممارسته من أجل مسؤوليات أكبر، خصوصا وأننا نعيش في مجتمع ينظر، كما عبرن، بعين ضيقة لهذا المجال، و لا يولي اهتماما كبيرا للموهبة و لتنميتها، وهي نظرة اضطررن لمواجهتها بعدما قررن العودة مؤخرا إلى عالم الألوان، فبين من اعتبر ذلك مضيعة للوقت و بين من لم يفهم سبب اختيار أمهات وجدات تعلم الرسم، بدلا من الطبخ أو الخياطة أو التجميل، وجدت هؤلاء النسوة أنفسهن أمام تحدي إثبات الذات و الخروج عن الإطار الاجتماعي الضيق الذي تحبس فيه المرأة، خصوصا في مراحل عمرية معينة، يصبح معها الاهتمام بالنفس ضربا من الأنانية في نظر الآخرين.
* راضية بلباشير أخصائية تخدير و إنعاش
عانقت حلم الطفولة و ألهمت نساء كثيرات من حولي
خلال تواجدنا في الورشة التقيتا السيدة راضية بلبشير، وهي أخصائية تحذير وإنعاش بمؤسسة صحية عمومية بقسنطينة، راضية صاحبة 49 من العمر، قالت، بأنها التحقت بالدورة التكوينية لسببين، أولهما الهرب من التوتر و كسر روتين يومياتها و مسؤولياتها الأسرية و المهنية، أما الثاني فيتعلق بتحقيق حلم طفولة أجلته لسنوات، معلقة “ لطالما أحببت الرسم، لقد احتفظت دائما في ذاكرتي العاطفية بصور ذلك اليوم الجميل الذي توجت فيه بجائزة أولى في مجال الرسم وأنا في سن التاسعة، وكم وددت العودة إلى ممارسة هذه الهواية، لكن ظروف الحياة أبعدتني تماما عن عالم الألوان و الفن عموما، بعدما شدتني مسؤولياتي الأسرية و المهنية، لكن مؤخرا بدأت أحظى بمزيد من الوقت، لأكرسه لنفسي و أتحرر من التوتر فجربت الحلاقة والتجميل و الخياطة، لكنني كنت دائما أحن إلى الرسم تماما كحنين الأم إلى طفلها، لذلك عدت إليه بمجرد أن وجدت هذه الورشة”
واصلت “ تعلمت الزخرفة على الزجاج و على الخشب و الفخار، وتعلمت الكثير من تقنيات الرسم رفقة ابنتي التي انضمت إلي في بداية الدورة، ثم توقفت، فيما بقيت أنا أغرق شغفا مع بداية كل فصل جديد ومع كل تقنية جديدة أتعلمها، لذلك بقيت ستة أشهر كاملة تائهة في عالم الألوان الجميل، كان ذلك بمثابة تنفيس حقيقي بالنسبة إلي، تعلمت كيف أزين قطع الفخار و وظفت إبداعاتي للاستخدام اليومي في منزلي، وللأمانة فقد أعجب بها كل من زاروني مؤخرا، وهو أمر عزز ثقتي واعتزازي بنفسي، فقد أثبتت لذاتي بأنني أملك الموهبة و بأنني أستطيع أن أقدم الكثير”.
محدثتنا قالت، بأن الكثير من معارفها أحبوا عملها و تفهموا عشقها للألوان، بعدما كانوا يستغربون كيف لسيدة بعمرها، أن تمارس هذا النشاط، فكثيرون، كما عبرت، يخلطون بين الأمور و يعيبون على الأم و الموظفة ممارسة الفن ويعتقدون أنه إخلال بمسؤولياتها، وهو أمر خاطئ، كما قالت، مضيفة بأنها نجحت في إلهام زميلات لها في العمل ، وسيدات من محيطها وقدمت لهن دافعا لممارسة هوايات كن قد تخلين عنها منذ سنوات.
* راضية ريميتا طبيبة
الزخرفة و الألوان علاج نفسي
من جهتها أخبرتنا، الدكتورة راضية ريميتا، وهي أخصائية في الطب الداخلي، بأنها وجدت ضالتها في الورشة، خصوصا وأنها كانت تمارس هوايتها بشكل بسيط في المنزل، في انتظار إيجاد فرصة وفضاء مناسبين لتنميتها بشكل أفضل، و هو ما تحقق حينما صادفت مدربة المجموعة داخل محل لبيع تجهيزات الرسم قبل أشهر.
قالت “ التحقت بالورشة منذ قرابة سنة، ثم توقفنا قليلا بسبب الحجر الصحي، لكنني لم أفقد حماسي و شغفي بالرسم و الألوان، فالزخرفة وتقنياتها تعد علاجا نفسيا بالنسبة لي، وهو أمر إيجابي جد، فخلال بداية التجربة كان أبنائي يستغربون من اهتمامي بالمجال، وبما أقوم به، كما كانوا يميلون إلى انتقاد ما أنجزه، لكنهم مع الوقت، تعودوا بل و أحبوا كثيرا ما أقوم به، حتى أنهم يذكرونني في كل مرة بمواعيد حصصي التعليمية في الورشة، و يطلبون مني أن لا أفوتها، بعدما لمسوا التغيير الجذري في مزاجي و تحسنه بشكل كبير، فمنذ بدأت ممارسة الفن التشكيلي بمختلف تقنياته، أصبحت أكثر هدوءا لأن التعامل مع الريشة و الألوان و صناعة التحف على اختلافها، يساعدني جدا على الاسترخاء و التخلص من توتر العيادة و ضغط العمل اليومي مع المرضى، الذين أشير إلى أنهم كثيرا ما يعجبون باللوحات والمرايا و قطع الديكور التي أزين بها عيادتي .
* فاطمة الزهراء إطار سام بمؤسسة وطنية
ارتحت و أعدت اكتشاف ذاتي بفضل الفن
أما فاطمة الزهراء ، صاحبة 38 سنة، فأخبرتنا من جهتها بأن العمل على اللوحات و التحف اليدوية، سمح لها بإعادة اكتشاف نفسها و عزز ثقتها في قدراتها، خصوصا وأنها لم تكن تدرك من قبل بأنها تملك الموهبة و القدرة على إنجاز أعمال فنية مماثلة.
فاطمة قالت، بأن الضغط الذي يفرض عليها بسبب مسؤولياتها المهنية كإطار سام في مؤسسة وطنية، دفعها للبحث عن متنفس للخروج من قوقعتها، فبدأت بممارسة الرياضة، لكنها أرادت القيام بأمر مختلف تماما ولأن قسنطينة، تفتقر للكثير من الأنشطة و تشح فيها الفضاءات الموجهة للمرأة، فقد وجدت صعوبة في إيجاد ما يرضيها، إلى أن علمت بفتح الورشة فالتحقت بها مباشرة، وهكذا تحديدا بدأت رحلتها مع الرسم.
حسب محدثتنا، فإن هناك من تفاجأوا بخيارها، فقد جرت العادة أن تتوجه النساء لتعلم الطبخ والخياطة مثلا، أما الفن التشكيلي فهو مجال غير رائج ولا يحظى فعلا باهتمام شريحة واسعة من المجتمع، و بالأخص النساء، لكنها مع ذلك استطاعت أن تثبت أهمية ما تقوم به، من خلال التحف و اللوحات التي تصنعها و ترسمها، و التي تقدمها كهدايا أحيانا للمقربين منها، وهو جانب مهم أيضا قالت، بأنها غنمته من تعلمها للفن، فقد أصبحت تصنع الهدايا بدل شرائها، كما أنها يمكن أن تفكر في المستقبل في مشروع خاص بها، تعتمد فيه على ما تعلمته في الورشة.
* مريم زياني مهندسة و صاحبة فكرة الورشة
الاستثمار في الفن يمنح شعورا بالرضا ودفعا مهنيا
تعود فكرة إنشاء الورشة إلى المهندسة و مسيرة مشروع “مدارس العالم”، السيدة مريم زياني، التي قالت، بأن البداية كانت مع تدريس اللغات و تقديم دروس الدعم، لكن غياب الفضاءات الفنية في قسنطينة، دفعها إلى التفكير في فتح ورشة فن تشكيلي و رسم، تستقطب كل المهتمين، وبالأخص السيدات.
كانت البداية قبل أشهر قليلة من الجائحة، حيث التحقت مريم بمجموعة الزخرفة و الرسم هي الأخرى، فرغم أنها لم تكن تملك ميولا فنية من قبل، لكنها أحبت هذا العالم بفضل مهنتها كمهندسة، ونشاطها في مجال ترميم القطاعات الحضرية المحفوظة، فالتفاصيل الفنية في زليج المنازل القديمة، شدتها و دفعتها إلى تعلم الفن التشكيلي، الأمر الذي أثر بشكل إيجابي على عملها وساعدها كثيرا في عملية تجميع و ترميم القطع و الزخارف القديمة.
محدثتنا، قالت بأنها تفاجأت فعلا من حجم الإقبال على هذا الفضاء، مشيرة إلى أن هناك أولياء يلتحقون بدروس رسم مشتركة مع أبنائهم، مضيفة بأن الاستثمار في الجانب الفني ليس مربحا من الناحية المادية، لكنه يقدم لصاحبه الكثير معنويا، حيث يمنح نوعا من الشعور بالرضا عن الذات، بفعل القدرة على المساهمة في إرساء تربية فنية في المجتمع.
* وهيبة بوضياف فنانة تشكيلية مشرفة على الورشة
الفن تدريب نفسي و تحفيز للذاكرة و التركيز
خلال حديث جمعنا بالمشرفة على الورشة الفنانة التشكيلية وهيبة بوضياف، علمنا بأنها تخرجت من مدرسة الفنون الجميلة سنة 2008، وعملت لفترة في مجال التعليم، أين اكتسبت مهارات التربية الفنية التي وظفتها في تكوين الكثير من الأشخاص.قالت للنصر” من خلال إشرافي على هذه الورشة، اكتسبت الكثير من الطاقة الإيجابية بفضل شغف السيدات وحتى الأطفال، وقد زاد حبي للفن التشكلي وللرسم، بعدما لمسة قدرته على التأثير على الأفراد و صقل الجانب الجميل من شخصيتهم، هناك من التحقوا بورشتي في البداية من أجل التخلص من التوتر أو هربا من الفراغ، لكنهم ارتبطوا عاطفيا بالفن و أصبح بمثابة شغف بالنسبة إليهم بعدما مارسوه.
علما أن الفضاء يستقبل عددا كبيرا من الموظفات، إلى جانب سيدات متقاعدات، كما تضم المجموعة مراهقين و أطفالا و أزواجا و رجالا بينهم من يشتغلون في أسلاك أمنية، و منهم من يبحثون عن الجانب الإبداعي للتكوين وبينهم من يستخدمون الرسم كعلاج نفسي، فيما يساعد هذا المجال الصغار ، على تقوية الذاكرة و التركيز وتحفيز الدماغ بشكل أكبر. الأستاذة وهيبة أوضحت بأنها تعتمد في تعليمها على آلية خاصة لتبسط تقنيات الرسم و الزخرفة و التزيين على اختلافها، حيث يمكن لأي متدرب، سواء امتلك الموهبة أو انعدمت لديه، أن يتقن التقنية ويتعلمها في غضون شهرين فقط. علما بأن تقنية الرسم على الزجاج، هي أكثر ما يستهوي جميع المتدربين في الورشة، لكونها تقنية بسيطة تظهر نتائجها سريعا، و أشارت المتحدثة إلى أنها تشرف على مجموعتين تضم الأولى 12 فردا و الثانية 10 أفراد.
هدى طابي