حصص ذات طابع إنساني تُشهّر بمحتاجين

تبث قنوات تلفزيونية جزائرية برامج إنسانية خيرية خلال شهر رمضان، تسلط الضوء على مآسي مواطنين في قبضة الفقر و المرض
 و التشرد عبر مختلف ولايات الوطن، على أمل تحريك الضمائر و المساهمة في نشر ثقافة التضامن و التكافل مع الفئات الهشة و المهمشة في المجتمع، و رغم الطابع الإنساني لهذه الحصص إلا أنّها وقعت في المحظور، بمجانبة أصول العمل الخيري الذي يقتضي صون كرامة مواطنين في وضعيات هشّة وعدم التشهير بهم.

إلهــــــام.ط

سواء كانوا أرباب أسر بطالين عاجزين عن إعالة أبنائهم، أو مرضى محرومين من العلاج بسبب ضيق ذات اليد، أو متشردين محرومين من دفء المأوى و العائلة، أو أمهات شابات عازبات نبذهن الأهل والمجتمع، أو عجائز وشيوخ تخلى عنهم أبناؤهم وذووهم في أرذل العمر، أو أطفال صغار يفترشون الأرصفة بعد أن تنكر لهم  آباؤهم.. وحالات أخرى عديدة، لكن جميع هذه الحالات المعذبة و المجروحة في إنسانيتها، حسبما أبرزته البرامج الإنسانية التضامنية التي خصصت لها القنوات الجزائرية حيزا مهما في شبكتها الرمضانية،  ضحايا قسوة ذوي القربى و أنانيتهم و الأحكام الاجتماعية المسبقة.
و يبدو جليا عبر حلقات برنامج «رزق إنسان» أن طاقمه لا يستطيع التكفل الكامل و الشامل بالحالات الاجتماعية التي يرصدها من كل الجوانب، بسبب غلاء المعيشة وتبعات جائحة كورونا و نقص التبرعات، بل يقدم لها ما تيسر من مساعدات يجمعها من المحسنين، ويحث المشاهدين على دعمها، كل حسب قدراته.
 و في حلقة أول أمس من البرنامج التي حظيت ب 18 ألف مشاهدة عبر يوتيوب، و تعليقات مشجعة و مدعمة من المتابعين، تنقل منشط البرنامج، الذي حرص على التخفي في زي خاص يغطي رأسه، و لا يبرز ملامح وجهه، إلى منطقة عين الطويلة، بولاية خنشلة، و بالضبط إلى سكن هش، أو بالأحرى كوخ، في مكان منعزل، يقيم به الجمعي، ابن 39 عاما، و هو بطال و رب أسرة تتكون من زوجة و ستة أبناء صغار متمدرسين.
المنشط قال لرب الأسرة بأنه مكلف بإحصاء السكان، لمساعدة من يستحق ذلك، فحدثه و قد سبقته دموعه عن ظروفه الصعبة، فهو يعاني من أزمة سكن، و لم يجد سوى كوخ قصديري هش، تتسرب من سقفه مياه الأمطار، دون أبواب أو نوافذ أو ماء شروب، ليلجأ إليه بمعية أبنائه، و لا يستطيع ترك أسرته في هذا الوضع غير الآمن للبحث عن عمل، في حين قالت زوجته بأنها مصابة بإعاقة في يدها، و رغم ذلك تحضر العجائن التقليدية و تغسل الصوف لجيرانها، لتوفر لقمة العيش لأسرتها، مشيرة إلى أن دخلها المتواضع لا يكفي لإطعام 08 أفواه يوميا، ناهيك عن تكاليف دراستهم و علاجهم و غيرها،  فقدم لها البرنامج ماكنة خياطة و وعدها بإحضار عجانة لتسهل عليها الاسترزاق من العجائن التي تحضرها.
في المقابل قدم البرنامج للجمعي ظرفا يضم مبلغا ماليا، و وعده المنشط بأن يتكفل محسنون بتهيئة منزله و تجهيزه.. فمسح بذلك دموع الزوجين و صغارهما.
أما برنامج «أحباب ربي»،  فتنشطه الصحفية عائشة بوزمارن، و حرص طاقمه على الإشارة بأنه ممنوع على أصحاب القلوب الضعيفة، لأنه يقدم صورا مؤثرة جدا، لفئات محرومة من أبناء الجزائر العميقة، بحاجة إلى تفعيل خاصية التكافل و التضامن التي تكاد شعلتها أن تنطفئ في بعض النفوس.محطة البرنامج ما قبل الأخيرة، كانت مشتة زرقون في المشروحة، حيث تقيم  في بيت هش يبدو و كأنه تعرض للقصف و التخريب الشامل، السر في ذلك أن حفيد رب الأسرة، الطفل محمد، ابن التاسعة، كان يعاني، حسب والدته من التوحد، و لم يخضع للتكفل المبكر و العلاج المناسب، حسبها، فتدهورت حالته و أصبح عدوانيا، عنيفا، مع كل المحيطين به، كما أنه يجرح جسمه و يرطم رأسه بالنافذة، و ينط و يقفز و يكسر و يخرب كل ما تقع عليه يداه ، حتى أنه قضم الجدران و كل ما يجده حوله، فتقضي أمه المسكينة كل وقتها في حمله و حراسته، أما جده، فقال بأنه كان يعمل في الفلاحة و اضطر للتوقف عن العمل لرعاية الصغير، لأن والده معاق عقليا.
 الصحفية المنشطة التي لم تتحكم في دموعها و انفعالاتها، و علقت بأنها لن تقدم للعائلة الأجهزة الكهرومنزلية التي أحضرتها لها، لأنها لن تستطيع استعمالها في الظروف الراهنة، فالأولوية لعلاج الطفل محمد، داعية السلطات و المشاهدين إلى دعم هذه العائلة.
  أما برنامج «في ظلام الليل»، فهو مخصص لإماطة اللثام عن قصص المحرومين من المأوى، و في رحلته إلى الجلفة، التقى المنشطان بنورهان و هي أم عزباء في ربيعها 25، تعيش و تبيت في الشارع، بمعية طفلتيها الصغيرتين الأولى في الثالثة من عمرها و الثانية رضيعة في شهرها 11، و تتخذ من التسول أمام مسجد وسيلة لسد رمق الصغيرتين. و أكدت للمنشطين أنها تعيش حياة التشرد منذ كانت في 19 من عمرها، عندما اكتشف أهلها حملها غير الشرعي.. و تحلم اليوم ببيت يؤويها مع طفلتيها اللتين أكدت أنها لن تتخلى عنهما، كما تخلت عنها والدتها، و عمل شريف لتلبية احتياجاتهما..
ما يمكن أن نقول عن هذه البرامج التضامنية، أن هدفها يبدو نبيلا و هو مساعدة الحالات الاجتماعية و إنقاذها من اليأس و الضياع، لكنها في نفس الوقت تزيد أوجاع الموجوعين  و تشهر بوضعيتهم المزرية، و لو بموافقتهم، خاصة و أنها تصور أطفالهم الصغار، والبرامج تستخدم ضمنيا للإشهار و الترويج للممولين و القنوات، في حين الدعم و الصدقة و الإحسان، تتطلب مراعاة مشاعر الآخرين و كرامتهم و التخفي و السرية، حتى لا تكاد اليد اليسرى ترى اليمنى التي تتصدق.. فلو كان الفقر رجلا لقتلته، كما قال أبو ذر الغفاري.