• إيجاد الحلول للانشغالات المطروحة بالسرعة المطلوبة والاحترافية الضرورية • الشروع بالسرعة القصوى في التنفيذ الميداني • على الحكومة صب كل المجهودات لتحقيق راحة...
شرع الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، ابتداء من يوم أمس الأحد، في زيارة رسمية إلى...
أطلقت لجنة تنظيم عمليات البورصة (كوسوب)، أمس السبت، بالمركز الدولي للمؤتمرات «عبد اللطيف رحال» بالجزائر العاصمة، بوابة إلكترونية ونافذة موحدة للسوق...
أطلقت وزارة الداخلية والجماعات المحلية و التهيئة العمرانية، أمس، بمعية قطاعات وزارية أخرى حملة وطنية لتحسيس المواطنين بالأثر الايجابي والدور الهام...
غابت خيام البدو الرحل، بشكل ملحوظ هذه السنة عن العديد من المناطق الريفية بقسنطينة، بعدما كانت جزء من الديكور الصيفي على اعتبار أن التنقل إلى مناطق الرعي بالمدن هو نشاط دائم لهذه الفئة من المواطنين الذين يتركون الجنوب مع بداية الربيع ليستقروا في الشمال حتى نهاية الصيف، لأجل الرعي و هربا من الحرارة العالية، غير أنه نمط حياة ما عاد يستهوي شبابهم الذين يفضلون العيش في المدن و التخلي عن مهنة الأجداد.
عبد الناصر سليخ
خرجنا صباحا لنستطلع مناطق الرعي المعهودة بقسنطينة، و التي يستقر فيها البدو سنويا، على غرار عين السمارة و قطار العيش، قمنا بجولة بالسيارة للبحث عن خيامهم فلم نجد منها سوى اثنتين الأولى على مستوى قطار العيش و الثانية بعين السمارة، وهي خيام كانت منصوبة في أماكن معزولة نوعا ما بعيدا عن الطرقات و قريبة إلى الجبال، تتكون هذه البيوت من قطع قماش وبلاستيك و قصدير و توجد بالقرب منها في العادة، مساحة محاطة بسياج داخلها قطيع من الأغنام ينام على مقربة من شاحنة كبيرة صدئة.
على بعد أمتار من منطقة شطابة الجبلية بعين السمارة لاحظنا مخيما للبدو، ترجلنا من السيارة و قصدناه مشيا على الأقدام وسط حقل واسع، كانت الطريق وعرة نوعا ما لكننا واصلنا السير، فاتضح لنا ونحن نقترب من المكان، بأن هناك أكثر من مخيم واحد، وأن الخيام تبعد عن بعضها بمسافات متفاوتة، تحد كل مخيم شاحنتان أو سيارتان، ما إن اقتربنا أكثر حتى هاجمتنا مجموعة من كلاب الحراسة، ولحسن حظنا أن رجلا خرج راكضا من خيمته باتجاهنا و أبعد الحيوانات عنا.
الهواتف لعبة الأطفال
رحب بنا البدوي و اسمه «عمي عمر» وعرض علينا فنجان قهوة تحت شجيرة بجانب المخيم، جلسنا هناك وما هي إلا لحظات حتى جاء طفل صغير يحمل القهوة في إبريق أزرق قديم عليه أثار الدخان، أخبرنا الرجل أن القهوة حضرت على الحطب من أجلنا، سألناه عن مدينته فقال، بأنه ينحدر من أولاد جلال بسكرة، وقد اعتاد المجيء إلى قسنطينة، كلما حل فصل الربيع ليعود مجددا إلى مدينته مع نهاية الصيف أو منتصف الخريف، خوفا من البرد والأمطار الغزيرة التي لا تناسب نمط عيشه.
انتبهنا ونحن نبادله أطراف الحديث إلى أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 9 و 16 سنة، كان ثلاثة منهم يلعبون قرب الخراف والكلاب، بينما يملك آخران هواتف ذكية اقتربنا منهم وسألناهم ما إن كانوا قد التحقوا بمقاعد الدراسة في الموسم الماضي، فوجدنا بينهم من لم تطأ قدمه المدرسة يوما، مع ذلك فقد كانوا يستخدمون الفيسبوك، وقال أحدهم وهو طفل في الحادية عشرة من عمره، أنه لا يريد العودة إلى الريف الجنوبي ويريد البقاء في المدينة، أما الطفل وليد صاحب 9 سنوات و الذي كان يستمع إلى الموسيقى في الهاتف فعرض علينا استقباله وهو يقول ذلك ضاحكا، والسبب هو حسبه، هو عدم رغبته في العودة مع عائلته إلى أولاد جلال، بسبب بعد المنطقة التي يسكن فيها عن كل المرافق بما في ذلك المدرسة.
أردنا الاقتراب من المخيم، لكن عمي عمر منعنا من ذلك بسبب « حرمة المخيم» كما قال، عدنا إلى السيارة واتجهنا إلى منطقة الكيلومتر الثالث عشر، أين كانت تستقر مجموعة أخرى من البدو الرحل بالقرب من الحاجز المائي «برغلة»، لم يختلف المشهد كثيرا هناك أيضا، خيام من البلاستيك و القصدير و قطعان غنم و شاحنات قديمة، الفرق الوحيد كان وجود مجموعة من مولدات الكهرباء التي يستعملونها للإضاءة خلال الليل شد انتباهنا شاب كان منكبا على شاشة هاتفه النقال فتقربنا منه وجمعنا به حديث، اتضح من خلاله، بأن اسمه السعيد وهو خريج جامعة الوادي، وأنه عانى كثيرا ليتم دراسته، وكان يتوقع لنفسه مستقبلا أفضل لكنه محبط الآن بعدما عجز عن إيجاد عمل بسبب ظروف عيشه.
رحلة الشتاء والصيف للبحث عن عمل
خلال حديثنا إليه، التحق بنا شاب ثان هو حمزة، قال بأن عمره 28 سنة، وأنه لم يدرس لأنه لم يحظ بفرصة الاستقرار و الالتحاق بمؤسسة تعليمية، بسبب طبيعة حياة البدو، علمنا ونحن نتحدث إلى الشابين بأنهما أبناء عمومة، وأن كلاهما مل حياة الترحال حيث قال الشاب الأول : « حياة الريف صعبة ولم أعد أطيقها لا أريد فعلا أن أكون صورة عن أبي أو جدي، يهمني جدا أن أستقر وأن أعمل لأن المدينة تستهويني أكثر لكنني ضائع و لا أجد حلا بسبب العائلة، حتى أنني أفكر فعليا في الانفصال عنها هذا الخريف، و ألا أعود إلى الجنوب وأبقى هنا لأبحث عن عمل”.
أما ابن عمه فأخبرنا، بأنه فكر كثيرا في نفس الفكرة لكنه لم يجرؤ فعليا على تنفيذها لأنه يصطدم بعائق السكن و لا يجد طريقة للتعامل مع المشكلة، وهو ما يدفعه في كل مرة، إلى مرافقة عائلته مجددا في رحلة العودة إلى الجنوب شتاء، على أمل العودة صيفا و إيجاد عمل، وقال بأنه سبق له وأن عمل في جمع المحاصيل في أحد حقول بلدية عين عبيد قبلا، لكن الدخل كان بسيطا ولا يشجع على اتخاذ خطوة مهمة كالبقاء في الشمال دون سكن أو عمل قار.
20سنة خارج سجلات الحالة المدنية
وقال أحمد، وهو شاب يبلغ من العمر 30 ربيعا، أن البدو الرحل بدأوا في ترك مهنتهم وقد سكن الكثير منهم المدينة بسبب صعوبة العيش خصوصا مع التغير المناخي الذي انجر عنه ارتفاع درجات الحرارة كثيرا في السنوات القليلة الأخيرة و تزايد مظاهر الجفاف، أخبرنا أيضا، بأنه دخل المدرسة لكنه لم يواصل الدراسة، لكن أخته لم تحظ أبدا بفرصة التعليم، و الأدهى أن العائلة لم تقم بتسجيلها لدى مصالح الحالة المدنية، إلا بعدما بلغت سن العشرين وذلك لدواعي الزواج، وما يتطلبه من وثائق إدارية. كما أوضح أن هذا الأمر كان شائعا جدا بين البدو، وأن هناك من لم يتم تسجيلهم إلا بعدما بلغوا سن المراهقة وهي عادة بدأت تتراجع كثيرا في السنوات الأخيرة مع تطور الحياة و دخول التكنولوجيا و التحاق الكثير من الأبناء بالمدارس.
وخلافا للشباب الذين مل غالبيتهم حياة الترحال، فإن الشيوخ والكهول على غرار عمي عمر، فخورون بحياتهم و بمهنة أبائهم و أجدادهم التي تعد مهنة الرسول الكريم كما قال عمي جمال، وهو خمسيني قابلناه في مخيم “ برغلة”، حيث عبر عن رضاه بحياته وبنمط عيشه البسيط البعيد عن ضجيج المدينة، و قال أن حياة البدو ممتعة لأنها مرتبطة مباشرة بالطبيعة.
مهنة مهددة بالزوال
و تعتبر ظروف الحياة من أهم العوامل التي تتعب شباب البدو، خصوصا وأنهم لا يزالون يعتمدون كما وصفوا لنا، على الطرق البدائية في مواجهة الحر، كأن يلفوا قارورات الماء بقطع قماش مبللة ويضعونها في الظل لتبرد، أو يحفظون الخضر تحت التراب كي لا تفسد، فضلا عن صعوبة مهمة الرعي و التنقل الدائم تحت الشمس للبحث عن الكلأ بسب ارتفاع أسعار النخالة والشعير، بالإضافة إلى غلاء أسعار كراء مناطق الرعي، و انخفاض سعر الماشية في الأسواق وصعوبة الحياة في الأرياف.
وقالوا أيضا، إنهم دائما ما ينتقلون إلى مناطق معزولة ما يعرض حياتهم للخطر، خاصة وأن فيهم من سرقت مواشيهم مرارا، مؤكدين أن هذه المهنة تسير في طريق الزوال.