وقعت شركة سوناطراك وشركة «أوكسيدنتال بتروليوم كوربوريشن» الموطنة بالولايات المتحدة الأمريكية، مذكرتي تفاهم على هامش المنتدى الجزائري الأمريكي للطاقة 2025، بهدف...
أكد وزير الاتصال، محمد مزيان، يوم أمس، على أهمية تكوين الصحفيين من أجل ضمان تحرّي الدقة في العمل الصحفي، معتبرا بأن "المعلومة الدقيقة الموضوعية التي تستند...
أكّدت، أمس الأربعاء من قسنطينة، رئيسة المرصد الوطني للمجتمع المدني، ابتسام حملاوي، أنّ استحداث مندوبيات ولائية للمرصد الوطني للمجتمع المدني سيكون...
شرعت وزارة التربية الوطنية في لقاءات مفتوحة لمدة أسبوع مع ممثلي نقابات فئة موظفي القطاع، في إطار اجتماعاتها حول المقترحات الخاصة بالقانون الأساسي والنظام...
أنارت بصيرته عقله رغم فقدانه للبصر، و حباه الله بذاكرة قوية ميزته عن أقرانه و سمحت له، بأن يتم المصحف الشريف كاملا و هو الكفيف الذي لم يتجاوز 13 سنة من العمر، هي قصة ملهمة للطفل سراج الدين سالم، ابن ولاية ميلة.
لم يبصر سراج، حروف اللوح المحفوظ يوما، لكنه مع ذلك أجاد أحكام القرآن وأطلق لسانه مرتلا آياته برواية ورش عن نافع محققا بذلك حلمه وحلم والديه و طامحا في مزيد من النجاحات التي تقربه أكثر من الله، و راغبا في أن يأتي اليوم الذي يعتلي فيه منبر المسجد الكبير بالعاصمة ليؤم الناس.
حفظ عن طريق السماع
زارت النصر، منزله الكائن بحي 128 مسكن ببلدية زغاية بميلة وذلك مباشرة بعد حفل الختام الذي احتضنته المدرسة القرآنية بمسجد أبو بكر الصديق بوادى النجاء (رجاص)، أين قابلناه أول مرة، جلسنا معه مطولا في ثاني لقاء بمنزله، فروي لنا قصته مع حفظ القرآن والصعوبات التي واجهته، لكنه لم يستسلم و واصل الحفظ، كما حدثنا عن استغلاله للحجر الصحي، الذي اتخذ منه دافعا قويا للتحدي و مواصلة الحفظ.
قال محدثنا، إنه باشر حفظ كتاب الله، قبل أن يتم السادسة من عمره و يدخل المدرسة، و كانت بداياته الأولى مع التلفاز عندما كان أهله يقومون بتشغيل القرآن ليستمع إليه و يحفظ ما تيسر له منه عن طريق السماع، فحفظ السور القصيرة أولا و مع مرور الأيام دأبت والدته كل ليلة على تحفيظه ما تيسر من السور و الآيات قبل أن ينام مضيفا، أن والديه كانا حريصين على تنشئته على حفظ القران الكريم، خاصة و أن الله أنعم عليه بذاكرة قوية، كما أن إصراره وعزيمته لختم المصحف، ساهما كثيرا في تسريع وتيرة حفظه لسوره في سن مبكرة رغم إعاقته البصرية.
من جهتها أخبرتنا والدته، بأنه عندما ولد سراج الدين لم تكن عائلته مدركة لإعاقته البصرية، حتى بلغ سن 4 أشهر، ليتضح بعدها بأن الرضيع فاقد للبصر، مؤكدة، بأنها وزوجها سعيا كثيرا لأجل علاجه و بحثا عن كل الحلول الطبية داخل الوطن و في تونس أيضا، لكن الوضع لم يتغير، مع ذلك قالت الوالدة، بأن سراج و رغم إعاقته كان كالشمعة التي أضاءت المنزل في عتمة الليل وكان قدومه حاملا للبشائر و الرزق.
فراق في سبيل العلم
أما والده فقال لنا، بأنه ألحق ابنه وهو في السادسة، بمدرسة مخصصة للمعوقين بصريا بمدينة شلغوم العيد، موضحا، بأن سراج كان يدرس بنظام داخلي في تلك الفترة، و يعود إلى المنزل مع نهاية كل أسبوع، و قد كانت فترة صعبة نوعا ما بسبب ابتعاد الطفل عن أبويه، ولذلك فقد قرر البحث عن منزل بذات المدينة كي يكونا على مقربة منه خاصة وأن إعاقته تستوجب المرافقة اليومية، وعليه فقد أجرا شقة قريبة ليضمنا التواجد بقربه و يسمحا له بمواصلة دراسته.
واصل والد سراج حديثه : « في تلك الفترة كان القائمون على المدرسة يرسلون التلاميذ إلى معهد الريان بذات المدينة، لتعلم وحفظ كتاب الله لمدة يوم كل أسبوع، وقد تمكن ابني بفضل بصيرته من حفظ أربعة أحزاب آنذاك، حيث رفع التحدي و آمن بنفسه و قرر أن يكمل المصحف، مصرا على التردد الدائم على مدرسة تعليم القرآن».
أضاف محدثنا، بأنها كانت فترة صعبة بحكم بعد المسافة بين مقر إقامة العائلة بمدينة زغاية و المدرسة القرآنية التي كان سراج يقصدها كل يومي جمعة و سبت أي خلال نهاية الأسبوع، وذلك قبل أن يدله أحد الأقرباء على معلمة للقرآن في مدينة وادى النجاء، وهكذا تواصلت العائلة مع الأستاذة جنات بولعظام، التي تكفلت لاحقا بمتابعة تدريسه و تحفيظه و ختمه للمصحف الشريف، وهي المناسبة التي قابلناه خلالها، حيث أقيمت لذلك حفلة على شرفه حضرها العديد من أساتذة تعليم القران وزملائه بمسجد أبو بكر الصديق ببلدية واد النجاء «رجاص».
متفوق دراسيا
أخبرنا سراج الدين، أنه كان يقوم بحفظ القران خلال العطل الأسبوعية والمدرسية بحكم دراسته طوال الأسبوع، وخلال جائحة كورونا أضطرر للبقاء في المنزل و استغل الحجر الصحي ليواصل الحفظ، إذ بقي على تواصل مع أستاذته عبر الهاتف، وكانت تقوم بتوجيهه وتدريسه عن بعد، و تمكن خلال شهر من حفظ 20 حزبا وكان شعورا لا يوصف وفرحة عارمة مع الأهل الذين ساعدوه كثيرا أيضا، فنجح حينها في حفظ أكثر من 30 حزبا.
علمنا منه كذلك، أن حفظ القرآن لم يكن صعبا عليه، بل أنه وجد سهولة في تعلم أحكام التجويد، خاصة بعد الممارسة المتتالية التي جعلته يتحكم فيها، مرجعا الفضل في ذلك إلى أستاذته جنات وأساتذته بمدينة شلغوم العيد، الذين لم يبخلوا عليه و كانوا سندا له طوال فترة تعليمه، حتى أنهم حفزوه بالهدايا المادية والمعنوية خلال بفوزه في المسابقات.
و ذكر، أن حفظ كتاب الله ساعده كثيرا على التفوق في دراسته و التواجد مع الأوائل، وقد افتك السنة الماضية شهادة تعليم الابتدائي بمعدل 8.41، وقالت معلمته جنات بولعظام ، بأن تلميذها مثال للصبر والتحدي، فقد كان منضبطا بشكل كبير و يلتزم بالحضور في أوقات الحفظ، حتى أنه لم يخلف مواعيده عبر الهاتف خلال فترة الجائحة والحجر، مؤكدة، بأن ما حقق إنجاز كبير وأن سراج أبهرها بعزيمته، فبالرغم من فقدانه لحاسة البصر، إلا أن قلبه كان معلقا بكتاب الله كما قالت.
و أضافت المتحدثة، أن تلميذها أسر لها بأن حفظ القرآن كاملا هي واحدة من أمانيه، و تحقيقه لها في سن مبكرة، سيكون حافزا لغيره من الأطفال و حتى الكبار للإقتداء به و التحلي بالثقة والتوكل على الله للوصول إلى ذات الغاية.
نجاح و كثير من التتويجات
قال سراج الدين، أنه شارك في العديد من المسابقات على غرار مسابقة فتيان القران التي نظمتها إذاعة ميلة، أين تحصل على المرتبة الثالثة آنذاك، بالإضافة إلى فوزه في مسابقة وزارة التضامن بالجزائر العاصمة وتحصله على المرتبة الأولي، كما تمكن من افتكاك المرتبة الأولى في مسابقة مزامير داود الموسم الماضي والعديد من المسابقات التي شارك فيها على المستويين المحلي و الوطني.
وقد حظي صاحب الهمة، بفرصة إمامة المصلين في صلاة التراويح الموسم الماضي بمدينة شلغوم العيد بمسجد الريان، أين وجد ترحيبا كبيرا من المصلين، الذين أحبوا سماع صوته الشجي وثمنوا قدرته وشجاعته على إمامة التراويح رغم صغر سنه.
وعن إحساسه وهو يؤم المصلين في شهر رمضان، قال سراج إنه يشعر بفخر وبثقة كبيرين، لأنه يحفظ أعظم كتاب في هذه الدنيا ألا وهو القران الكريم، كما أن لديه قدرة كبيرة على تقليد قراء ومشايخ كبار على غرار عبد الباسط و السديس و فارس عباد و سعد الغامدي و المنشاوي و أبو بكر الشاطري، بالإضافة إلى ماهر المعيقلي. كما أن لديه كذلك، اتصالات مع أئمة المساجد هذه الأيام، من أجل تنسيق إمامته للتراويح خلال شهر رمضان القادم.
تنظيم الوقت أهم مقومات النجاح
و أكد الطفل، بأنه عمل جاهدا ليحفظ القرآن الكريم و حقق أمنيته رغم كل الظروف ورغم إعاقته البصرية، بفضل الله عز وجل ودعم عائلته ومعلمته وكل أساتذته وزملائه، ، وأضاف أن تنظيم الوقت من أسباب ختمه لكتاب الله وأن نجاحه لم يأت من العدم، بل كان نتيجة لسنوات من الاجتهاد والرعاية من قبل عائلته والأسرة التربوية و القرآنية، و حلمه أن يكون إماما بالمسجد الأعظم بالجزائر العاصمة وداعية يوما.
كما دعا محدثنا الصغير، الأولياء إلى الاهتمام بأبنائهم و متابعتهم وكذا إرسالهم إلى المجالس القرآنية لتعلم القرآن، مؤكد، بأنه لا المرض و لا السن يمكن أن يمنعا أي أحد من حفظ كتاب الله، وقال بأن الحفظ خير نشاط للاستفادة من الوقت بعيدا عن الهواتف النقالة و التكنولوجيا بكل مخاطرها.
مكي بوغابة