وقعت شركة سوناطراك وشركة «أوكسيدنتال بتروليوم كوربوريشن» الموطنة بالولايات المتحدة الأمريكية، مذكرتي تفاهم على هامش المنتدى الجزائري الأمريكي للطاقة 2025، بهدف...
أكد وزير الاتصال، محمد مزيان، يوم أمس، على أهمية تكوين الصحفيين من أجل ضمان تحرّي الدقة في العمل الصحفي، معتبرا بأن "المعلومة الدقيقة الموضوعية التي تستند...
أكّدت، أمس الأربعاء من قسنطينة، رئيسة المرصد الوطني للمجتمع المدني، ابتسام حملاوي، أنّ استحداث مندوبيات ولائية للمرصد الوطني للمجتمع المدني سيكون...
شرعت وزارة التربية الوطنية في لقاءات مفتوحة لمدة أسبوع مع ممثلي نقابات فئة موظفي القطاع، في إطار اجتماعاتها حول المقترحات الخاصة بالقانون الأساسي والنظام...
من حِكَم الصيام؛ تهذيب النفس وترقيق القلب وتحريك مشاعر الرحمة بين جوانح الإنسان. والرحمة خلق عظيم من الأخلاق التي دعا إليها ربنا عز وجل وحث عليها وأمر الناس أن يتعاملوا فيما بينهم بها، وادخر الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن يعامل الناس بالرحمة والشفقة.
ويكفي أن من أسماء الله عز وجل الحسنى: (الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ)، فهو سبحانه وتعالى يتعامل مع مخلوقاته بالرحمة، كما قال عز وجل: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف: 156]، فرحمة الله وسعت الناس والحيوانات، ووسعت حتى الكفار الذين يعادونه سبحانه وتعالى والعصاة الذين يتفننون في ترك أوامره وارتكاب نواهيه، ومع ذلك فالله عز وجل يرحمهم، فهو يرزقهم ما داموا أحياء، بالطعام واللباس والصحة والمال والبنين والمساكن والمراكب.
وكان رسول الله أرحم الناس وأكثرهم اتصافا بخلق الرحمة والشفقة على العباد، ورحمته تجاوزت المؤمنين إلى الكافرين. ولم يكتف بالاتصاف بخلق الرحمة، وإنما حث المؤمنين على التعامل بها فيما بينهم، فقال: (ارْحَموا تُرْحَموا) [أحمد]، وقال: (الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ تبارَك وتعالى، ارحَموا مَن في الأرضِ يرحَمْكم مَن في السَّماءِ) [أبو داود والترمذي]، وقال: (من لا يَرحم لا يُرحم) [متفق عليه].
فالرحمة من الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، ولذلك فإن المفترض في المجتمع الذي يتدين بالإسلام ويكون أبناؤه مسلمين أن يكونوا متراحمين فيما بينهم، فقد وصف الرسول المجتمع المسلم فقال: (مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ، مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) [البخاري ومسلم]. وقال: (إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا)، وشَبَّكَ أصَابِعَهُ [البخاري ومسلم]، بمعنى: هكذا ينبغي أن يكون المؤمنون متراحمين متعاطفين، كأصابع اليدين حين تشتبك مع بعضها حيث تصبح كتلة واحدة متماسكة.
ومن صور التراحم وأجلاها؛ التراحم بالمال، وهو أن يتشارك المؤمنون بينهم فيما آتاهم الله من فضله من المال، فيساعد غنيُّهم فقيرَهم ويشاركه في ماله بما استطاع، بأن يعينه في قضاء حاجته، أو يطعمه إن كان جائعا، أو يكسوه إن كان عاريا، أو يداويه إن كان مريضا، أو يعينه في قضاء ديْنه إن كان غارما.
لكن الحقيقة المعروفة؛ أن الإنسان بطبيعته يحب المال، كما قال تعالى في وصفه: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات: 8]، والخير هنا هو المال، وقال سبحانه: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر: 20]، أي كثيرا شديدا. فالإنسان بطبيعته شحيح يريد أن يحتفظ بماله لنفسه ولا يشاركه غيرُه فيه. على الرغم من ذلك إلا أن الله عز وجل يأمر الإنسان أن يتخلص أو أن يخفف من هذه النزعة في نفسه، وذلك بالإنفاق في سبيل الله بمساعدة المحتاجين، قال تعالى: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9]، فالإنسان الذي يعالج نفسه ويربيها ويطوعها بحيث تنفق مما آتاها الله من فضله، هو المفلح الذي سيكون يوم القيامة من الناجين من عذاب النار والفائزين بنعيم الجنة.
وقد حذرنا رسول الله من الشح، لأنه من أخطر الأمراض التي يمكن أن تستولي على النفس، وخطرُه يشمل الفرد والأسرة والمجتمع، فقال: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه» [البيهقي]، أي تهلك الإنسان كفرد وتهلك المجتمع ككل. كما أن الشح سبب خراب المجتمعات، قال الرسول: (اتَّقُوا الشُّحَّ، فإنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ علَى أنْ سَفَكُوا دِماءَهُمْ واسْتَحَلُّوا مَحارِمَهُمْ) [مسلم]. فالإنسان إذا تغلب عليه الشح يقطع علاقته بوالديه حتى لا ينفق عليهما، ويقطع علاقته بإخوانه حتى لا يساعدهم، ويقطع علاقته بأصدقائه حتى لا يحتاجوا إليه، بل إنه بهذا الحب للمال تفسد علاقته حتى مع زوجته وأولاده لأنه سيبخل عليهم وسيمتنع عن الإنفاق عليهم فيما يحتاجون إليه. بل يمتد بخله حتى إلى نفسه، فهو يمتنع عن الإنفاق فيما يلزمه من حاجات خوفا من نقصان المال.
إن المؤمن العاقل هو من يحرص على أن يتغلب على نزعة الشح في نفسه، ويستجيب لنداء ربه له إلى الإنفاق، قال عز وجل: (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد 7]، فالمال مال الله يضعه بين يدي بعض عباده ويستأمنهم عليه ويأمرهم بإنفاقه فيما يحدده لهم من أوجه الإنفاق، ومنها مشاركة المحتاجين ومعونتهم بما يسد حاجتهم ويقضي حوائجهم. وقد جعل الله الإنفاق شرطا لنوال البر، قال تعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران: 92]، لأن المؤمن إنما يستحق الجنة بالبر، فإذا لم ينل البر فلا يطمع في الجنة، لأن الجنة مستقر الأبرار: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) [المطففين: 22].
ومن نعمة الله عز وجل على العبد أنه مهما أنفق من المال فهو يخلفه له وبأضعاف مضاعفة، قال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، وقال سبحانه: (مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) [البقرة: 245]، وقال عز وعلا: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ) [البقرة: 261].