أطلقت وزارة الداخلية والجماعات المحلية و التهيئة العمرانية، أمس، بمعية قطاعات وزارية أخرى حملة وطنية لتحسيس المواطنين بالأثر الايجابي والدور الهام...
حدد بنك الجزائر، المبلغ الأقصى المسموح بإخراجه من العملة الأجنبية، من طرف المسافرين المقيمين وغير المقيمين، بما قيمته 7500 أورو، مرة واحدة في السنة...
وجهت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة صورية مولوجي تعليمات للمدراء الولائيين للقيام بخرجات ليلية عبر مختلف أنحاء الوطن، مع تجنيد الخلايا...
* نـظام المخـزن تحــالف مع القوى الاستعمــارية كشف عضو الحزب الوطني لجمهورية الريف، يوبا الغديوي، أمس السبت، أن تشكيلته السياسية ستتقدم قريبا إلى...
لم يكن الراحل محمد الطاهر فرقاني مطربا كبيرا فحسب، بل تحوّل بعد سبعين سنة من عبوره على أرض الفن المباركة إلى راويّة أساطير مدينة ارتبط بها وارتبطت به وغناها فأدمنت صوته الذي أصبح نشيدها الذي يستمر منذ منتصف القرن الماضي.
بينها وبينه قصة عصية على التلخيص، فابن الفنان لم يكن يعتقد أنه سيكون صوت السلالة وحامل فن حُسب على أرستقراطيي المدينة الذين نقلوا ليالي أنسهم من جنة مفقودة في الشمال إلى صخرة في الجنوب، والذين لم يقبلوا أن يكون هذا الفن موضع تطلّع طبقي. لكن الفنان الشاب نجح في اختراق السياج ليصبح سيد المالوف الذي قال "قسنطينيون انتسبوا إلى فرنسا" أنهم سيسرقونه ويأخذونه بين أغراضهم عند المغادرة. لذلك كان يردّد دائما أنه نجح في حفظ المالوف من الضياع، وهي مهمة نهض بها إلى جانب آخرين، لكنه خلدها بصوته الذي كان عدته وسلاحه في رحلة فنية مديدة كثُـر خصومه فيها، لا سيما من الأجيال اللاحقة التي كانت ترى فيه أبا مستأثرا بهذا الفن، أو التي تنتقد عصاميته، لكن الإجماع ظل حاصلا بين المحبين والمناوئين على قوة صوته التي لا تضاهى وعلى فرادة أدائه. وحسبه ذلك، حسبه أنه غنى فأجاد. ولم يكن في حاجة إلى أن يضرب خيمته بين العربان، كما فعل صالح الطريد المخلد في قصيدة قالوا العرب قالوا، ليروق للجميع.
نسجت الكثير من الأساطير حول الرجل في مدينته، تحدث المتحدثون عن ثرائه وأرستقراطيته وعن علاقاته بالمؤسسة السياسية، لكن لا أحد استطاع أن يتجاوز السقف الذي رفع إليه طبقات صوته، لا أحد استطاع أن يمنع العشاق من البكاء مع "ظالمة" أو المتصوفة من ترديد مدائحه العذبة.
وحسبه ذلك. حسبه أن قسنطينة أصبحت تقرن باسمه تماما كما يقرن اسمه بها. حتى وإن بدأت المدينة تتغيّر، وبدأت الأذواق تتغيّر مع تغيّرها، حتى وإن فقدت أفراحها وأعراسها خصوصيتها بسبب التحوّل الديموغرافي وأشياء أخرى إلى درجة أن المحتفلين أصبحوا يصرخون في الطرقات ويرقصون في الشوارع ، عوض أن ينتظموا أمام أوركسترا تحمل أرواحهم قبل أن تحرك أجسادهم.
مات الفنان الكبير مبتسما، وربما كانت ابتسامته الأخيرة علامة رضا على مسيرة أو رسالة إطمئنان على وضع، لكن اختفاءه سيكون مناسبة للتنبيه إلى ضرورة الحفاظ على إرث فني تسجيلا وتحقيقا وتدوينا، لأن الكثير من القصائد المغناة فُقدت أجزاء منها في عبورها للعقود أو تعرضت للتحريف في انتقالها الشفوي من جيل إلى جيل. وقد تكون هذه المناسبة الحزينة فرصة، أيضا، للتأكيد على ضرورة الاعتناء بفن المالوف عن طريق فتح أبواب التكوين أمام الأجيال الجديدة في مدينة ارتبطت بالموسيقى وبدأت تفقد هذه الصفة سنة بعد سنة.
مات محمد الطاهر فرقاني و رقد بالمقبرة المركزية ليس بعيدا عن عبد الحميد بن باديس الذي أشعل أولى مصابيح النور في المدينة وعن مالك حداد الذي كان خير من كتبها. ويبقى الأمل معلقا على ظهور وجوه من الأجيال الجديدة تعمل على إبقاء قسنطينة في مكانها الطبيعي، عالية بين السحب والصخور.
النصر