استغرب الذين مازالوا قادرين على الاستغراب تحوّل “كتّابٍ” إلى جنود إلكترونيين يدافعون عن قبائلهم وينتصرون لأشخاصٍ لا يجمعهم بهم سوى موقع”سقوط الرأس”، على اعتبار أن الكاتب نزل من شجرةِ السُّلالة و استعاض عن روابطِ الدم والعروقِ الدسّاسة بالأفكار!
وربما كان الاستغرابُ ابن نظرة كلاسيكية تُحمّل الكاتب مسؤوليات لم يعد بإمكانه تحمّلها في هذا العصر الذي انتزع فيه الجميع “حقّ” إدلاءِ الدلو، وصار فيه صوتُ الغوغاءِ أعلى من أيّ صوتٍ، وقبل ذلك وبعده “تحرمه” من الانتماء إلى منظومة التخلّف السائدة وتشير عليه بمقعدٍ معزول اتقاء للشّبهات.
ورغم وجاهة هذه النظرة إلا أنّ المشكلة تتجاوز الكتّاب في بلدٍ لم يعرف أيّ تأثير للمثقفين، ويفتقد اليوم إلى أسماء مرجعيّة في وقت لم تتمكّن فيه الأجيال الجديدة حاملة الأفكار من إسماعِ أصواتها والمساهمة في النقاشات الوطنيّة، لأسبابٍ عديدةٍ، أهمّها عدم انفتاح التنظيمات والمؤسسات السيّاسيّة والمدنيّة على أهلِ العلمِ والمعرفةِ، و “معاداة” الميديا للنّخب وتبنيها سيّاسات تكتفي بمعالجةِ الحاجات البدائية للمجتمعِ، وتنأى عن إثارة المسائل الجوهريّة، إلى درجة أنّ ذهاب أطفالٍ إلى مسبحٍ في هذا الصيف البديع قد يتحوّل إلى موضوعٍ بارزٍ في نشراتِ أخبارِ القنوات التلفزيونيّة!
في وضع كهذا، ستتحوّل الوسائط الاجتماعيّة إلى صانعةٍ رأي، والقاعدة هنا معروفة، لأن طالبي الإثارةِ والبذاءةِ والتطرّفِ أكثـر من زبائنِ العقلانيّة، وقد يكون «نجوم» المسرحِ الأزرقِ من الإعلاميين الهاربين من «ضوابط» المهنة أو المفتقرين إلى أخلاقها، الذين لا يجدون حرجاً في إنتاج خطابات الكراهيّة أو إعلان مواقف عنصريّة توسّلا «للبوز» الذي جانبهم أو جانبوه عند المُمارسة وفق القواعدِ.
هذه الريّاضة أغرت بعض الكتّاب، فخرجوا عن النصّ بطرقٍ مأساويّة في الكثير من الأحيان، في مجتمع لا يتّسع صدره للكاتب الملعون، فيفصل بين الجمال الذي يُصدره والجنون الذي يصدر عنه، وينزع نحو التعميم، فيسقط صورته على غيرهِ.
والنتيجة أن دعاة حداثة و مدافعين عن قيّم الحريّة والحقّ والجمال باتوا متخندقين في مواقع ليست مواقعهم، في وضعيّة تحيل إلى انخراط في منظومات التخلّف التي لا تحتاج إلى تعزيز.
سليم بوفنداسة