الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

محنةُ الطيّب!

يخرجُ من كهفِه قلقاً، يرجمُ العالم.لا شيء يسرّه في هذا الخلاء الواسع. لا شيء في مكانه. يشرعُ في ترتيبِ الأشياءِ و تفكيكِ ما يغضبه. يشرعُ في إلقاء المقولات و التدوينات لإصلاحِ الخللِ. يصرخُ. يهتفُ. يشتمُ.
يستعينُ بلغته المحفوظة في القواميسِ. يستعينُ بالكتبِ التي تناول في الكهفِ. يخطبُ.
كزعيمٍ عريقٍ مستاء من خفوتِ حماسةِ شعبِه إلى خطبه، كشيخٍ  هرمٍ جرى الزمن خلفه وجرى الماءُ لكنه لم ينظر إلى ساعته ولم ينتبه إلى ثقلِ الكلمات على لسانِه ، كمقولةٍ شائعةٍ تُسمعُ بأذن غير مكترثةٍ. كذلك شأن “المثقّف” حامل الهمّ الثقيل، النظيف، الطيّب، صاحب النوايا الحسنة، المستعدّ للتضحيّة بما يحسبُ أنّه ثمين، لائم غيره على تجنّب المذبحِ، ومتبني مشاريع إصلاح «الخللِ”!
لا ينتبهُ إلى ثقلِ الحملِ لا يفكّر في إلقائه أو الاستعانة بحمّالة معدنيّة.
لم يسمع الانفجار الكبير الثاني الذي غيّر النّواميس و المفاتيح وجعل اللّغة المصون التي يفاخر بها عرضةً للانقراض.
في هذه التخوم التعيسة يتحرّك «المثقّف» معرّضا نفسه للأذى والسخريّة والتجاهل في أحسن الحالات. وقد تكون المشكلة، هنا، مشكلته  وقد فاتته قراءة ما يحصل  و هو يأتى على دوره الكلاسيكي  ويخصّ بالحظوة مقاولين و مسيّرين وسماسرة  وساسة يتوفرون على الأسنان المناسبة لأكلِ الأكتاف كلّها، ويمتلكون أدوات «التأثير»  التي أحالت طيّب الذّكر والصّفات «النّضال» على تقاعدٍ غير مريحٍ وأنهت زمن الأفكار.
ثمة مأزق قد تكون هذه أسبابه، وقد تكون أخرى، وقد يكون نتيجة لا تحتاج إلى أسباب لإعلان نفسها. لكنّه مأزق يبدو فيه «الكاتب» الذي ينشدُ الأدوار والتأثير ويريد تبليغ الرسائل، مثيرا للشفقة.
ربما كان على السوسيولوجيا أن تنبّه الناس إلى تغيّر مواقع القيادة والتأثير في مجتمع  يقرأ –إن قرأ- الكتب القديمة، ما دامت «الميديا» قد انغمست في اهتمامات الغوغاء وأسرفت في ذلك.  وربما كان على منتجي الأفكار و «الجمال» أن يعاينوا بأنفسهم سلعتهم «في السوق» ليعرفوا أن العادات الاستهلاكية تغيّرت
و أن الجماهير أصبحت تأكل «أشياء» أخرى.
لم تعد  الأوضاع  كما كانت عليه في زمن الكلاسيكيين الذين حرّكوا المجتمعات، لذلك تبدو حالات تقمّص أدوارهم و الدعوة إلى ذلك غير مجديّة، وليس أمام الكاتب  في مثل هذه الحال، سوى امتلاك المفاتيح الجديدة أو الاكتفاء بدورٍ مهمٍّ  وغير مُجزٍ:إنتاج الجمال والكفّ عن إثارة الصّخب!

المزيد من الأعمدة

المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
في وصف الشّر

تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح...

  • 04 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com