تقترحُ وسائلُ الإعلام في مختلفِ أنحاءِ كوكبنا الصّغير على جمهورها الكتبَ المناسبة للصيّف، فصل العطلةِ والاسترخاءِ وفصلُ القراءةِ، أيضا.
لكنّنا نفتقدُ هذه العادة في بلادنا، لأنّ فعل القراءة بات يثيرُ الاستغراب في مجتمعٍ يُمعن في التوجّه نحو البدائية، لذلك يكتفي إعلامُنا بالاهتمام بالأكل وأسعاره ونسبة ماء الصّرف في الخضر والفاكهة ومجانيّة الدخول إلى الشواطئ، ويغفل حاجة أساسيّة من الحاجيّات التي تبني الإنسان وتجعله مفيداً وليس مجرّد كائن يتغذى ويتسلّى ويُزعج الآخرين.
في كلّ شواطئ العالم يستلقي الناس مع كتبهم، أما في شواطئنا فيذهبُ الناسُ للتفرّج على سيقان الآخرين بل أنّهم باتوا لا يكتفون بالتفرّج بعد أن ألقى صنّاع التكنولوجيا في أيديهم هواتف تُتيح لهم تصوير ما يستمتِعون برؤيته، فيتحوّلُ الشاطئ إلى موقع علاج المكبوتات المخزّنة طيلة الفصول و الأعمارِ، وحلبةٍ للاعتداءِ على حريّة الآخرين، خصوصاً النّساء، اللائي يجدن أنفسهنّ مجبرات على الهروبِ إلى «اليابسة».
في الصيفِ، تبدو الحاجة إلى تدريب «الجزائريِّ» على القراءةِ والنّظافةِ واحترامِ الآخر الذي يُقاسمه الفضاءَ اضطراراً، كبيرةً، وفي هذا الفصلِ يتضحُ أكثـر أنّنا نحتاج قبل بناءِ المُدنِ إلى بناءِ الإنسانِ كي لا يصرخ في ليلِ شوارعِها ولا يخرّب ولا يلقي بقاياه.
وتتقاسم الأسرةُ والدولة المسؤولية في هذه المهمّة، فالأولى مطالبة بغرسِ العادات الإيجابيّة في أبنائها وعدم دفعهم إلى الشارعِ “ليحتضنهم” النّاس، والثانيّة مُلزمة بفرضِ القواعِد وتطبيقِ القوانين التي تساعد على العيْشِ المشتركِ في سكينةٍ وسلامٍ، ولا يجوز لأعوانها غضّ البصر عما يحدث من انتهاكات.
الأبُ الذي يقرأ الكتب يدفع أبناءه إلى الفعل الحميد ذاته والأب الذي يلعب الدومينو أسفل العمارة ولا يتوقّف عن الصّراخ وذِكر أعضائه بين الكلمة وأختها يحرّض أبناءه على البذاءات ذاتها، وصمتُ العون العمومي على الاعتداء على الفضاء العامّ هو الذي يجعل إخراج الكراسي والطاولات إلى شوارعِ و أرصفةِ المدنِ، ولعب الكرة ونصب المشاوي عرفاً يثير من يناهضه الاستغراب.
الصيف هو فصل الرّاحة والمُتعة، فصل القراءة وفصل الرحلات لدى الأمم التي قطعت مع أسبابِ الشّقاء، لكنّنا حوّلناه إلى فصلِ الترقّب في السيّاسة وفصل الخوف خارجها.