السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

أخطاء صغيرة

يجلسُ الكاتبُ الكبيرُ ليوقّع كتبه "للزوّار"، لكنّه سيكون مضطرا للشّرح والتبرير والدّفاع والتغاضي والتظاهر بعدم الفهم.
يقتربُ شابٌّ من الكاتب ويسأله: هل صحيح أنّك علمانيّ؟
يجيبه الكاتب: ما اسم زوجتك؟
يقول السائل: أنا غير متزوّجٍ!
يختم الكاتب: تزوّج و بعدها نتناقش!
هذا ما فعله التلفزيون للأدب: اختزال المعمار الروائي لأكبرِ كاتبٍ في البلد في موقفٍ من الدين وإلقائه للغوغاء.
في البلدان التي لا تشبه بلداننا، يقدّم التلفزيونُ الأدبَ للجمهورِ الواسعِ وفوق ذلك يشيعُ ثقافةً أدبيّةً بين غير المهتمين، بل وتتحوّل حِصصٌ إلى نوافذ مفتوحة على هذا الفنّ، في زمن يجري فيه تسليع كلّ شيء، حتى الإنسان نفسه، لأن تلك البلدان وتلك المجتمعات تدركُ، رغم تقدّمها الهائل في مختلف المجالات، أن عبقريّتها تنعكسُ في آثارها الفنيّة و أن قيّمها العابرة للأزمنة تسكنُ هناك.
لم يفهم الشّاب الوقح المتأثّر بحصص تلفزيونيّة ردّ الكاتب وذهب غاضباً، ولحسن الحظّ أن الأمر لم يتطوّر إلى اعتداءٍ على رجلٍ يقتربُ من الثمانين.
كان الكاتبُ يريد لفت انتباه سائله إلى أنّه تدخّل في مسألةٍ خاصّةٍ لا تعنيه، تماماً كما لو يسأل شخصاً لا يعرفه عن اسم زوجته، لكن الشابّ الذي تمتّ برمجته في هيئة جنديّ في جيشٍ غير مرئيٍّ لم يتجاوب مع "الدّرس" ورفع يد الغضب التي كان يمكن أن تبادر بالأذى في موضعٍ آخر.
إنّنا أمام مفارقةٍ، فمثلما يخدم التلفزيون الأدب ويُحبّب العامّة فيه، يمكنُ أن يعرّضه للتسفيه ويعرّض كتّاباً للخطر، في مجتمعات يهربُ الفردُ فيها من أوضاعه الصّعبة إلى الميتافيزيقا.
الدور الخطير الذي بات يلعبُه التلفزيون في الحياةِ المعاصرةِ، حتّم وضع دفاتر شروطٍ لفتح قنوات، لأنّ الأمر لا يتعلّق بفتح حانوتٍ يدرُّ الملايير على فاتحه وحُماته ويضمن المجد له ولهم، ولا يتعلّق بسلاحٍ يضربُ به أعداءه  و أعداء الله، كما بات شائعاً عندنا.
ثمّة خطأ في "تعريف" التلفزيون، مثلما هناك أخطاءٌ مُؤثرةٌ في تعريفات أخرى، بعضها شائعٌ وبعضها مقصودٌ وبعضها اقتضتها ضرورات ظرفيّة، لا ضرورة لذكرها... ونتيجة هذه الأخطاء "الصغيرة" التي غفلنا عن تصحيحها فإنّ فهمنا لمصطلحاتٍ كالدولة والدين والمجتمع أصبح مختلاً.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com