السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

التوجّس

يسأل بصوت خافت وملامح جادّة: أرأيت الطائرات؟
-أية طائرات؟
- الحربيّة التي عبرت الأجواء، وخلّفت دخاناً لم ينتبه إليه أحدٌ.
ثم يشتاط غضبا من عدم الانتباه إلى طائرات خلّفت دخاناً قاتلاً في الجوّ، ويقول بتصميمٍ: لن أمكّنهم من القبض عليّ حيّاً.
حين عبر الثمانين، بدأ يختلقُ شخوصاً تترصّده في أزقّة المدينة، ولم يتردّد في تهديد الخونة المحتملين الذين رجّح أنهم سيدلّون عليه!
ولم يأسف على شيءٍ كما أسف على عدم قدرته على استخدام السّلاح بالدّقة التي يقتضيها الوضع، كما فعل في الحرب الثانيّة التي تلت الحرب الكبيرة، بسبب رعشةٍ مشؤومةٍ في اليدين.
لم نشف تماماً من الحربين: الصغيرة التي اختلقناها والكبيرة التي فُرضت علينا. وعوض أن نعالج الصّدمات فردياً واجتماعياً، قدّسنا الموت في أدبيّاتنا، ولا تستغرب إن وجدت اليوم، بين السّاسة، من يدعو إلى تلقين “الشّهادة” لتلاميذ المدارس، أو يقرن بين حبّ الوطن والموت، وتجد بين خطباء المساجد من يهجو الحياة كلّ جمعة.
لا يكفي التكفلّ المادي بالمحارب والمعطوب و المصدوم ، بل نحتاج إلى علاجٍ سريري للحالات المعذّبة، وإلى “وقاية” تقتضي تغيير الكثير من الأدبيات السياسيّة والدينيّة التي لا تتوقّف عن توقّع حربٍ وشيكةٍ والإشارة إلى أعداءٍ واقفين على الأبواب.
لقد تحوّل التوجّس إلى أسلوب حياةٍ لدى الجزائريين، من السيّاسي الذي ينتظر الغزاة إلى الشاب العاطل عن الحياة الذي يتوقّع مستقبلاً غائماً لإعفاء نفسه من تعبٍ غير مجدٍ.
ويؤثر المتوجّسُ سلبياً، حين يكون في موقع اتخاذ القرار أو قيادة اجتماعيّة، أو حين يتولى موقعاً على صلةٍ بالجمهور الواسع، فينقل «حالته» إلى الآخرين.
وللخروج من هذه الحالة المُربكة، المشوّشة، يجب الشّفاء من جميع الحروب  والفصل بين «المحاربين « و البنائين»، فالحياة تستمرّ بعد الحربِ بنواميسها الخاصّة وليس بتكتيك المعارك ومكائدها السريّة.
ويجب الانتساب إلى العصرِ الحديث والأخذ بما توصّلت إليه الإنسانيّة من حلول علميّة  وتدابير لتسهيل العيش وجعله مُمتعاً!
ويجب أخيراً، الكفّ عن البحث عن المستقبل في الماضي، أو الإيمان بالمعجزات والأساطير، التي يمكن أن تكون مادّة للدراسة وليس «دليلاً» في الحياة.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com