الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

التوجّس

يسأل بصوت خافت وملامح جادّة: أرأيت الطائرات؟
-أية طائرات؟
- الحربيّة التي عبرت الأجواء، وخلّفت دخاناً لم ينتبه إليه أحدٌ.
ثم يشتاط غضبا من عدم الانتباه إلى طائرات خلّفت دخاناً قاتلاً في الجوّ، ويقول بتصميمٍ: لن أمكّنهم من القبض عليّ حيّاً.
حين عبر الثمانين، بدأ يختلقُ شخوصاً تترصّده في أزقّة المدينة، ولم يتردّد في تهديد الخونة المحتملين الذين رجّح أنهم سيدلّون عليه!
ولم يأسف على شيءٍ كما أسف على عدم قدرته على استخدام السّلاح بالدّقة التي يقتضيها الوضع، كما فعل في الحرب الثانيّة التي تلت الحرب الكبيرة، بسبب رعشةٍ مشؤومةٍ في اليدين.
لم نشف تماماً من الحربين: الصغيرة التي اختلقناها والكبيرة التي فُرضت علينا. وعوض أن نعالج الصّدمات فردياً واجتماعياً، قدّسنا الموت في أدبيّاتنا، ولا تستغرب إن وجدت اليوم، بين السّاسة، من يدعو إلى تلقين “الشّهادة” لتلاميذ المدارس، أو يقرن بين حبّ الوطن والموت، وتجد بين خطباء المساجد من يهجو الحياة كلّ جمعة.
لا يكفي التكفلّ المادي بالمحارب والمعطوب و المصدوم ، بل نحتاج إلى علاجٍ سريري للحالات المعذّبة، وإلى “وقاية” تقتضي تغيير الكثير من الأدبيات السياسيّة والدينيّة التي لا تتوقّف عن توقّع حربٍ وشيكةٍ والإشارة إلى أعداءٍ واقفين على الأبواب.
لقد تحوّل التوجّس إلى أسلوب حياةٍ لدى الجزائريين، من السيّاسي الذي ينتظر الغزاة إلى الشاب العاطل عن الحياة الذي يتوقّع مستقبلاً غائماً لإعفاء نفسه من تعبٍ غير مجدٍ.
ويؤثر المتوجّسُ سلبياً، حين يكون في موقع اتخاذ القرار أو قيادة اجتماعيّة، أو حين يتولى موقعاً على صلةٍ بالجمهور الواسع، فينقل «حالته» إلى الآخرين.
وللخروج من هذه الحالة المُربكة، المشوّشة، يجب الشّفاء من جميع الحروب  والفصل بين «المحاربين « و البنائين»، فالحياة تستمرّ بعد الحربِ بنواميسها الخاصّة وليس بتكتيك المعارك ومكائدها السريّة.
ويجب الانتساب إلى العصرِ الحديث والأخذ بما توصّلت إليه الإنسانيّة من حلول علميّة  وتدابير لتسهيل العيش وجعله مُمتعاً!
ويجب أخيراً، الكفّ عن البحث عن المستقبل في الماضي، أو الإيمان بالمعجزات والأساطير، التي يمكن أن تكون مادّة للدراسة وليس «دليلاً» في الحياة.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
في وصف الشّر

تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح...

  • 04 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com