السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

«الساردُ»

ثمّة نزعة لافتة لرواية الأحداث لدى الجزائريين، ولم يعد «حملة القلم» القدامى يحتكرون هذا الفعل وغواياته، فأصبح كلّ حدثٍ مادّةً لعشرات الآلاف من الروايات، يلتقي في روايتها عامّة النّاس وأهل الاختصاص.
يروي الحلّاق قصّة مثيرة تجري في كواليس النظام بتفاصيلها الدقيقة وخلفياتها  ونتائجها المرتقبة، وبالقصّة ذاتها مع تحويرات هامّة قد يُسلي سائق التاكسي زبائنه، وكذلك يفعل الأستاذ المختصّ في تحويل الكلام إلى سبائك ثمينة، على جداره !
لا ضرورة،هنا، لإسنادٍ أو لتخليص الخبر من الشوائب الناجمة عن الأماني  والأحقادِ الصغيرةِ والتطلّع إلى بطولةٍ في الحكي تمنح الرّاوي وجاهةَ العارفِ وهيبة المحيط بأسرارٍ خطيرةٍ. و لا يطرح المتلقي الأسئلة لأنّه سيتلقّف الحكاية ليرويها بدوره، وهكذا تتناسل «الروايات الوطنيّة» لتشكّل مدوّنة ينهل منها الشعب الذي لا يصدّق ما يعلنُ عليه عبر القنوات الرسميّة.
قد تكون الرغبةُ في السّرد نتيجة فقرٍ في الحياة، أي محاولة كريمة من الخيال لتدارك حاجة السّارد أو معالجة هشاشته، لكنها تشير أيضاً إلى فقرٍ معرفي ومرض في الاتصال، تتميّز به المجتمعات المتخلّفة التي أخفقت في تنظيم نفسها بمؤسسات حديثة، لا مكان فيها للخفيّ الجبّار الذي يدير اللعبة من خلف الستار وتنتفي فيها الحاجة إلى السّارد، لأنّ تدبير الأمور يتمّ عبر قواعد الاستحقاق والتمثيل والمساءلة، فالمجتمعات السعيدة تعيش الحياة كما هي ولا تتمثّلها عبر مسرود يتقاسم فيه البطولة الرّاوي والمرويّ عنه والمستمع !
تخفي هذه النّزعة أيضاً «سندروم النبوّة» لدى الكثير من «الروّاة» في تدخلاتهم المكتوبة أو المنطوقة، بما في ذلك الروّاة الذين لا يؤمنون بالأنبياء، لأنّ النبيّ تحوّل إلى شخصيّة قاعديّة تُغفل في اللاوعي وتظهر في سلوك  و تعبيرات الرّاغبين في لعب «الأدوار الكبيرة» في الحياة، وقد يتم ذلك  بطريقة «إيجابية» كما هو الحال بالنسبة للمصلحين والثوّار، أو بشكلٍ مأساويٍّ كحال الذين يعلنون النبوّة مباشرةً  ولا يكتفون بمعادلها الموضوعي.
تخفي «المدوّنة الوطنيّة» المذكورة أعلاه كنزاً قد تكشف معالجته من طرف مختصين عن أمراضٍ غير ظاهرة «لذاتٍ» تمّ حقنها بالأساطير، عوض تدريبها على الحياة كما هي، حتى صارت تقول بأنها نسخة فريدة لا مثيل لها في العالم !
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com