الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

الشّارح !

لا يستطيع «المثقّف» الهروب من السياسة، لأنّ «السياسة في كلّ مكان» كما قال إدوارد سعيد. لكن انتقاله من موقعه كقارئٍ وناقدٍ للأوضاع إلى موقع المُمارسة قد يضعه في اختبارٍ جديدٍ.
وقد ترسّخت في الحالةِ الجزائريّة، صورة سلبيّة عن المثّقف لدى النّخب السيّاسيّة والمجتمع على السواء، حاول البعض تصحيحها بالهرولةِ أو بتبني مواقف شعبوية أو بإعلان «الرّفض» كمشروعٍ وجوابٍ دائمٍ على المستجدات السياسيّة والاجتماعيّة، طلباً لنجومية مستحيلة من خلال  «تحميلِ» مواقف فوضويين أوروبيين وبعض مثقفي 68 بفرنسا، رغم اختلاف السيّاق. ومن شأن التغذّي على أرشيف الآخرين أن يتسبّب في مضاعفات، من نتائجها، القراءة الخاطئة للواقع بسبب استبدالِ المعلومة بالتأويل، وهنا قد يقعُ «المثقّفُ» الذي تحمّل عناء تفسيرِ المشفّر للمتلقي قليل الحيلة، في حرجٍ.
الصورة المذكورة أعلاه، قد تكون نتيجة تجاربٍ مؤلمةٍ للكتّاب والمثقفين عموماً، منذ بداية بناء الدولة الوطنيّة بعد الاستقلال، حيث لم يكن البناةٌ من العسكر والسّاسة في حاجة سوى إلى «بلاغة» الكتّاب، وقد فهم ذلك الذين اختاروا المنفى والفنّ في صورة محمد ديب الذي قال إنّه صار «كاتباً فحسب»، بعدَ الاستقلالِ، أو الذين اختاروا الرّفض و المشاغبة ككاتب ياسين ورشيد بوجدرة، أو الذين حاولوا المساهمة في البناء كمالك حداد  الذي أيّد بومدين، و ترشّح بعد ذلك للانتخابات التشريعيّة، لكن القسنطينيين خذلوا الذي كتب قسنطينة كما لم يكتبها أحدٌ، حين اختاروا مترشّحين لا يكتبون الروايات الجميلة، ليتعرّض كاتب «التلميذ والدرس» لصدمةٍ شديدةٍ أنجبت السرطان الذي خطفه مبكراً، وفق ما يؤكد أقارب له، وفي ذلك موعظة لمتخيلي الجماهير الهاتفة.  
وثمّة فئة أخرى من الكتّاب الذين غنّوا لثورات بومدين وانفتاح الشاذلي، وأصابهم الريع، واستعادوا شبابهم في زمن خليدة، فلم يموتوا بالسرطان ولا بغيره، ومنهم من اكتشف أنّه ما زال صالحاً للثورة، وقد تقاعد أخيراً وكبر الأبناءُ، فلا بأس من علمٍ وحذاءٍ خفيفٍ للجمعة!  ولا بأس من بطولةٍ لم تجد بها الكتابةُ، ولا حرج في الخروج من جحر الايديولوجيا والعودة إلى القبيلة ولا حرج في تأجيل الديمقراطية إن لم تناسب السّلالة ( في التسعينيات حمل بعض حملة الأقلام السّلاح لهذا الغرض).
وقد يزداد سواد الصّورة، حين ينخرطُ «المثقّف» في إشاعةِ الكراهيّة والانتصار للعرق وليس للحقّ، وفق ما يسهل رصده اليوم، في بورصة الأحقادِ.
لكلّ ذلك، يستحقّ المثقّف ما هو عليه: مجرّد شارحٍ لا أحد يسمعه !
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com