السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

ميزان

وضعت وسائلُ التواصل الحديثة “الصّناعة الثقافيّة” الكلاسيكية في حرجٍ، لأنّها أعادت صيّاغة قواعد اللّعبة مانحة “المجد”  على أساس الانتشار واستقطاب اهتمام  المتسكّعين في الفضاء الأزرق، بعد أن جرّدت “المؤسّسات” المنتجة من حظوة تمتّعت بها لقرونٍ وجعلتها تستسلمُ لنواميس التكنولوجيا التي تجاوزت خالقها في التدبير ودفعته إلى اعتناق ديانتها.
إنه السخاء الآلي الذي منح كلّ راغبٍ ما يريدُ، دون حاجة إلى التدقيق في قيمة بضاعته مادام السوقُ السيّد يتولى ترتيب المعروضات على أساس النّقرات بنات النظرات الزائغة نحو الظاهر المثير.
وبموجب ذلك يستطيع أيّ مهرّج أن ينال اهتمام ملايين المتابعين في ظرف أيام أو ساعات، في حين لا يُشاهد مقابلة هامّة مع «بول اوستر» سوى بضعة آلاف في عدّة سنوات.
 وقد لا تكفي صرخة «امبرتو ايكو» المحذّرة من سلاح الحمقى لتوصيف ما يحدث في عصرنا السّعيد، خصوصاً في المجتمعات قليلة النّصيب من المعرفة التي «تنساق» خلف «أنبياء» الوقتِ دون تفكيرٍ، بسبب افتقارٍ موصوف إلى فيتامينات النقد نتيجة أنظمة تغذيّةٍ خاطئةٍ ونتيجة الدّمار الذي لحق الإنسان بسبب التواجد تحت سلطات الاستعمار والباطرياركات.
لقد أعاد مصمّمو البرمجيات النّظر في مفهوم القيمة وأساليب التأثير، ولم يعد «للمتذوّقين» الكبار من فلاسفةٍ ونقادٍ وحملة أفكار ما يفعلونه، لأنّ عين المتلقي أصبحت هي ميزانه، مهما كانت غبيّة، إذ يكفي أن يجلس إلى هاتفه الذكيّ ساعة، كي يتحوّل إلى مُنظّرٍ وقد ينزل إلى الشّارع ليغيّر مجرى التاريخ !
وربما ابتكر المهندسون وهم يستهدفون الحواس «الإنسان الجديد»  الذي «يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا»، ليس كالعاشق في أغنية فيروز الشهيرة، ولكن كالمتعرّض إلى دغدغة الإثارة الذي يستجيب بطريقةٍ آليةٍ.
لقد نال «اللوجيسيال» من الأدب والفلسفة والموسيقى والقوانين والأخلاق والمثل، ونمّط الآدميين بأقلّ تكلفة ممكنة.
ولا بأس والحال، هكذا وكذلك، أن ينصرف منتجو الأفكار إلى إضحاك النّاس أو إثارتهم بالتعابير الصادمة استجلاباً للغضبِ أو التعاطفٍ، على حساب القيمة المنسيّة أعلاه، وعلى حساب الحقّ والحقيقة.
و لا بأس أن يُقدّم مبدعو فنون ملعونة كالأدب أنفسهم في الميديا الجديدة، على طريقة عارضات وعارضي الأزياء.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com