مات «الخليفةُ» وتفرّق دمه بين الأمم، ولم يكن ترامب وهو يعلن المقتلةَ في سعادةِ بوش الثاني أو حسين أوباما وهما يعلنان القبض على صدّام والقضاء على أسامة، فالرئيس الأقلّ دموية والأكثـر تغريداً، كان يريد الخروج من «الحروب التي لا تنتهي» دون تفريطٍ في غنائم الحروب التي لم تقع، وكان في حاجة إلى «إنجازٍ» شخصيٍّ، أي إلى ذبحٍ عظيم يتقرّب به إلى الناخبين ويُسكت الخصوم الرّاغبين في إسقاطه وهو يؤكّد لهم أنّ العدوّ الروسي الحميم بالذات والصّفات اشتغل قيّافاً لديه في المطاردة، تماماً كالعرب و الكرد والتركمان الذين تشمّموا رائحة الخليفةِ في عبوره غرباً ودلوا الصّياد عليه، كي يكون المجد أمريكياً خالصاً.
كان لا بدّ من فريسة فخمة، تؤكّد أن نزيل البيت الأبيض الحالي يحسن القنص حين يريد ذلك وهو ليس أقلّ براعة عن أسلافه في هذه الرياضة. وستشغل القصّة الناس لأيامٍ، ثمّ تُنسى كما نسيت قصّة أسامة الذي كان حديث الكوكب لسنين طويلة، قبل أن ينزل إلى ظلمات الماء محروماً من قبرٍ كان سيتحوّل إلى مزارٍ للمريدين ومقصدٍ للمنقّبين عن الحقيقة في الحمض النووي، وقبل أن يصدم الصيّاد الأمريكي «المجاهدين» وهو يخبرهم أنّ شيخهم كان يغالب عزلته بمشاهدة الأفلام الإباحيّة.
وكما أسامة، حُرم أبو بكر من القبر، و طوى «الصّانع» الأمريكي صفحة دولته كما طوى صفحة القاعدة، فثمّة أولويات أخرى في أجندة القائمين على شؤون امبراطورية العصر، على رأسها مقارعة المارد الصيني. أما الشّرق الأوسط فربما سيتولى أمره «مناولون» محليّون أكثـر مصداقيّة من الجماعات غير المرئية التي ألقت بها وكالة المخابرات الأمريكية في الصحاري العربية حيث تتعايش الأساطير مع الحقائق دون مشكلة، وخاضت ببسالة الحروب التي أوكلت لها وحققت النتائج المرجوة، التي تعفي «الخالق» من المساءلة عن ذنب «المخلوق».
ثمة دماء وجرائم ستبقى دون عقاب، لأنّ القاتل سيظلّ مجهولاً في عرف القوانين الدولية، لأنّه شبحٌ لا يظهر سوى في التلفزيونات وهو يلقي بتعاليمه ويهدّد الأعداء بردّ مزلزلٍ على مذبحةٍ.
نام الخليفةُ في الماء كي لا يراه أحدٌ في هجعته، وبعد قليلٍ سيختلق القتلة شاربو النّفط العابثون بالخرائط قصّة أخرى لتسليّة العالم.
سليم بوفنداسة