الذين ماتوا في الحربِ الأهليّة التي عرفتها الجزائر، كانوا جادين في موتهم، أي أنّهم لم ينهضوا بعد انتهاء المذبحة ليتقاضوا أجر الدّورِ. و لم تنبت لهم «فيلات» في أعالي العاصمة ولا في ضواحيها، ومنهم الذين لم يتركوا القبور التي تدلّ الملتاعين عليهم. لم يصبحوا أرباب عملٍ ولا خُطباء يلقون الدروس على القادمين بعد انتهاء «الحفلة». لا بيوت لهم في «أليكانت» ولا شقق في اسطنبول ولا عشيقات صغيرات يغالطن شيخوختهم.
الذين ماتوا عبثاً، ماتوا حقاً، لم يستفيدوا من حقّ اللجوء إلى مكانٍ آخر ولا من حقّ الاختباء في «المحميّات». وفوق كلّ ذلك فإنّهم يتمتّعون بصفةٍ جزائريةٍ كانت منتشرةً قبل ظهور شبكات التواصل الاجتماعي والهواتفِ الذكيّة، تسمى: الخجل أو الحياء. من خصائصها، عدم الإشارة إلى الذات عند الحديث عن بطولةٍ.
الذين ماتوا في الحربِ العبثيّة، ماتوا لأنّ هناك من كان يعبث، والعابثون لا يخجلون عادةً، ومنهم من يؤكد القاعدة الآن من باب استغلال انعطافة التاريخ، ككلّ مرة. و منهم من يصعد إلى المنبر ليقدّم الدروس، دون أن يقول له أحدٌ: ضع شيئاً مناسباً في مصدرِ رأيك يا شريك الموت!
من غير المعقولِ أن تتطاول على حاملي العلوم والمعارف، لأنّ الثـراء أصابك في زمن الحربِ ونجوتَ لأنّك لم تكن على حقّ، و ليس من حقّك إن أصابك ما أصابك أن تسفّه «بروفيسورا» في الجامعة وحجّتك التي لا تبوح بها أنّك ترى نفسك صانع رأي رغم أنّك «لم تتعلّم»! لذلك تطوّعت بإلقاء دروس حول ما يجب أن تكون عليه الصّحافة والسياسة والاقتصاد وحسمت في مشروع المجتمع.
وبعد
هل يجوز للذين كانوا يتباهون بالمسدسات، من أهل الصّحافة والثقافة وكوادر السيّاسة ، الذين كانوا يرعبون النّاس ويتظاهرون بأنّهم يقومون بأدوار خطيرةٍ في دهاليزِ الجمهورية، هل يجوز لهم اليوم تبشير النّاس الذين لم يموتوا أو الذين ولدوا بعد الموت، بجمهورية أخرى؟
هذا السؤال لا ينشد إجابة بقدر ما يتطلّع إلى بعث تلك الصّفة التي عُرفت قبل ظهور شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية وقبل بروز الأصابع التي تشير إلى أصحابِها.
سليم بوفنداسة