عبرت الكتبُ العظيمة اللّغات والعصور ووصلت إلى القرّاء في كلّ مكان، دون حاجةٍ إلى فعلِ الترويج الذي رسّخته ثقافة السّوق في حياتنا.
قبل ظهور التلفزيون وشبكات التواصل الاجتماعيّ، كان الكاتبُ الكلاسيكيّ يكتفي بالكتابة و كان الناشر يبحثُ عن الكاتبِ الحقيقيّ في أكوامِ المخطوطات.
بعد ذلك، تغيّرت الأوضاع، أصبح الكاتبُ لا يكتفي بالكتابة، بل يحدّث النّاس، ثم صار يقومُ بأفعالٍ أخرى، سيغضبُ كثير من الكتّاب «المعاصرين» إن وصفناها !
صحيح أنّ الحياة تغيّرت بعد الانفجار التكنولوجي، وبعد انتشار ديانة السّوق التي حوّلت الإنسان نفسه إلى سلعةٍ، وبات المجد يصيبُ الكاتب في حياته.
لكن ثمّة بعض المشاهد الغريبة في حياتنا الثقافيّة تدفع إلى التساؤل، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بحالات تماهٍ مع مجتمعات أخرى، مجتمعات معرفة «تتعاطى» الكتاب منذ قرون بل ووضعته في قلب صناعة حقيقيّة يدخل الإشهار في سلسلتها، كأن يتحوّل الكاتب نفسه إلى «مروّج» يتقمصّ نجوم الكرة والغناء ويشرع في مخاطبة الجماهير ونشر صوّره في وضعيات مختلفة مع الكتاب، في خطابٍ جديدٍ موجّه للعيْنِ الغبيّةِ المتجاوبة مع الإبهار ودسائسه، العين التي يسرف في مخاطبتها تجّار عصرنا.
من الأحسن للكاتب، من باب الكرامة، أن يكتفي بالنصّ كرسالة للقرّاء المتخيّلين والموجودين فعلاً وأن يحجم عن تعويضِ الحلقات المفقودة في طريق الكتاب نحو المتلقي والتي يفترض أن يتولاها الناشرون وشبكات التوزيع ووسائل الإعلام.
هناك قواعد وأخلاقيات نفتقد إليها، في الكتابة والنشر والتوزيع، يلعب بموجبها كلّ دوره وينال نصيبه من الفوائد والتّعب، وقبل ذلك يجب تعريف أطراف الفعل بدقّة، أي أن يكون الكاتب كاتباً والنّاشر ناشراً..
و الحدّ الذي «لا يجوز» النزول دونه في تعريفهما هو إتقان فعلين أساسيين في نشاطهما: الكتابة والقراءة، حين يتعلّق الأمر بالأدب. وقد اهتدى ناشرون في الغرب إلى الاستعانة بكتّاب محترفين لترميم نصوصٍ أدبيّة أو إعادة صياغتها وفق سياسات النشر، أو كتابة شهادات وقصص مشاهير مباشرة، رغم ما تثيره الحالة الأولى من جدل.
في حالتنا الجزائرية، تسبّبت سنوات الريع في فوضى أضرّت بالكتاب والكاتب وبالنّاشر الحقيقي، ومن نتائج ذلك، عدم توزيع الكتب في الواقع والتلويح بأغلفتها في أثير الله الأزرق.
سليم بوفنداسة