يعتقد أن باستطاعته القيّام بما لا يخطر على بالٍ وأنّ بإمكانه أن يصير «ما يريد»، لا حدود لطموحه في طلب أيّ شيءٍ حتى وإن كانت تعوزه الأداة، لأنّ المشكلة إن وجدت فهي في الأداة وليس فيه.
لذلك لا يتردّد في طلب مناصب يقول إنه سيبلي فيها البلاء العظيم حتى وإن خذلته قدراته، و يسعى إلى ثراءٍ لا تبرّره موارده ولا نشاطاته، فقط لأنّه «يريد».
يشربُ من خياله حتى يمتزج في سكرته الواقع بالمتخيّل ويحدث الالتباس بين ما حدث فعلاً وما تمناه. هكذا ربّت الثوراتُ «الجزائريَّ»، الثورات الصّحيحة منها والكاذبة، الثورات التي وقعت فعلاً والتي جرت في الخيالِ الصّادق لأبطالها اللئيم لمدبّريها، وفق عرفٍ جرت عليه الثورات يقتضي جعل الفاعلِ ضميراً مستتراً يقع تقديره على جماعة.
لذلك يشهر هويّته الغاضبة في أيّ مكانٍ في العالم، كلّما واجه صرامة قانونٍ أو سجّل محرز!
ولذلك يختلفُ عن جيرانه الذين عجنتهم المدنيّة في رحاها وجعلتهم يُقبلون على الحياة بحذر من يعرفُ، من البدايةِ، أنّ النّصيبَ قليلٌ.
يعمد المعالجون النفسانيون في جلسات العلاج إلى تجريد المرضى من أسلحةِ الخيال، لتحريرهم من مصادر أمراضٍ نفسيّة أو بسيكوسوماتية، وتحتاج جماعات وشعوب إلى ذات الأسلوب، خصوصاً الشعوب التي يرتفع منسوب خيالها نتيجة معايشتها الطويلة للمتولجيات.
وإذا ما راجعنا الدفاتر القديمة للسيد «جاك لاكان» فإن «المتخيّل» يضع الإنسيّ قريبا من شقيقه الحيوان، لذلك وجب موازنته، وفق مثلّث عالم النفس الفرنسي الأبرز.
ولتجريد الجزائريين من سطوة «المتخيّل» لا بدّ من علاجٍ سياسيّ ونفسيّ في آن، يتم بموجبه الفصل بين الواقع والوهم، بإعادة تعريف العمل، مثلاً، بالقول إنه الجهد الذي لا يمكنك أن تأكل دون القيّام به، وأنّ «القفز» الذي كان يقوم به جدُّنا في الغابة غير مناسبٍ للحياة المعاصرة، وأنّ الدولة ضابطة ومنظّمة للحياة العامة، وليست عجينة تشكّل كلّ مرّة، وليست كلمات تجري على لسان مسؤولٍ سابق لم تسعفه الستون سنة الأولى من حياته المديدة في جني ما تمنى أو عسكريّ متقاعد أو تاجرٍ غشّاش أو أستاذٍ مبتزّ أو صحفيّ اختلطت عليه الوظائف.
يحتاج «الجزائريّ» ببساطة إلى تخليصه من خياله و مصالحته مع الواقع.
سليم بوفنداسة