الأحد 24 نوفمبر 2024 الموافق لـ 22 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

المتكلّم

يذهبُ «العالمُ» إلى التلفزيون فيفقد علومَه ويتحوّل إلى عجينةٍ في يدِ المذيعةِ يؤمّن على أقوالها ويجتهدُ في ترقيعِ جملها.
لا يحتاج التلفزيون إلى العلم ولكنّه يحتاج الكلام ليسند مقاصده المعدّة سلفاً، لذلك يختلق أحياناً «خبراء» لا يتردّدون  في إلقاءِ جملٍ بحركات اليدين و تقطيبات تستدرج الصّرامة من مكامنها القصيّة لإقناع المتلقي برجاحة طرحٍ يعوزه البرهان.
ومن فرط ذهابه إلى التلفزيون، قد يبرهن الخبيرُ ذاته على نجاعة برنامج ونقيضه. و لأنّه تعوّد على قول أيّ شيء دون أن يقول له أحدٌ «ماذا تقول»؟ يذهب إلى قناة أجنبيّة باعتداد وطنيّ ظاهر ويشرع في مجادلة الآخرين بلغةٍ مرتبكةٍ هي مزيج من دارجةٍ «يفهمها الحمامُ المحلي» وفرنسيّة وعربيّة المسلسلات (كأن يضيف الحاء المصريّة إلى الأفعال! ) و قد يستعين بالغضبِ حين يجد نفسه في نقاشٍ لا يمتلك أدواته، وربّما سِيق إلى موقفٍ حرجٍ  دون أن يدري كحال بروفيسور في العلاقات الدوليّة ظهر مؤخراً على قناة فرنسيّة ليشرح وجهة النّظر الجزائريّة في الأزمة الليبيّة و انتهى مدافعاً عن حفتر وجيشه!
يختلفُ تعريف التلفزيون للخبير عن التعريفات التي سبقت ظهور هذه الآلة الجهنميّة التي تستقطب النّاس كما تستقطب المصابيح الكائنات الصّغيرة الطائرة، لأنّ التلفزيون يحتاج إلى كلام «يخدع» به مشاهديه الأعزّاء في زمنٍ محدّد ولا تهمّه المفاهيم التي تنشد موتاً هادئاً في القواميس والكتب.
يحتاج الخبير إلى التعريف بنفسه عبر التلفزيون في اللّحظة التي يقتنع فيها أنّ العلوم والمعارف لم تعد تهمّه في حدّ ذاتها، أي حين يبلغ العتبة الفارقة بين العلم والحاجة، لذلك سيتخفّف من صرامة العلم وينزل إلى درجة الكلام الذي يخدم الأغراض، ولا بأس في خدمة الغرض للغرض أن يركب صفته ليقفز إلى موقعٍ آمنٍ لا يقول فيه بالضرورة الكلام الذي يجب أن يقوله بل الكلام الذي يستطيبه المعنيّون بالسّماع، من صنّاع قرارٍ أو مشاهدين تكفي صفة أعزّاء لتعريفهم.
يحتاج التلفزيون إلى الخبير ليعزّز ما يريد قوله ويحتاج الخبير إلى التلفزيون ليصير ما لم يكنه، لذلك يترك العلم والعقل في البيت كلّما قيل له تعال ويجمع ما تجود به محرّكات البحث ويركض ليتكلّم ويكمل جمل المذيعة.
ملاحظــــة
حين يستخدم الموصوفُ الصفةَ ابتغاء صفةٍ أخرى قد ينتهي بدون صفة.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com