يتنبأ بالزلزال وموجات الحرّ ويعرف بحساباته التي لا يأتيها الباطل بداية ونهاية الأشهر القمرّية، تلاحقه وسائل إعلام لتغذيّة الجدل حول رؤية هلال رمضان، وهو صاحب ساعة كونيّة، قد لا يُجادل في ذلك بحكم تخصّصه، لكن تجاسره على علومٍ أخرى وتشكيكه في كلّ ما يصدر عن هيئات تمتلك الوسائل ويديرها مختصّون جعله محلّ ريبةٍ.
ظهر مع الهزّات الأرضيّة المروّعة التي عرفتها الجزائر، والانفتاح الذي سمح لعلماء بمخاطبة الجماهير في قضايا السّاعة، انفتاح خدم فئة من "العلماء" دون سواها، الفئة التي تصدر أطروحات صديقة للخرافة و المعتقدات الشعبيّة، وتعيش على نجوميّة يجود بها التعليق الآنيّ على الأحداث.
كان على السيد بوناطيرو أن يُخلص لساعته الكونيّة ويترك المدن الذكيّة والبنايات المضادة للزلزال والفيروسات لأصحاب الاختصاص، كي يتجنّب على الأقلّ سقوطاً يعادل صعوده في السّرعة ويعاكسه في الاتجاه، أو السخريّة السوداء التي ينتجها متهكّمون بارعون كالصورة المركّبة التي انتشرت على شبكات التواصل لمذيعة شبكة سي أن أن وهي تبشّر العالم باكتشاف بوناطيرو للقاح مضّاد لكورونا.
والحقّ الحقّ أنّ الرّجل مظلومٌ، إذا ما قُورن بغيره، من فقهاء الجسارة الذين يعيشون عصراً زاهياً في منطقةٍ دافئةٍ من حياتنا، فقد نرى ونسمع الإعلاميّ الذي يُنظّر لمستقبل الصّحافة وهو لا يُحسن كتابة خبر عن حادث مرور، وكاتب الأدب الذي لا يتقن فنّه ويفتي في مسائل انتربولوجيّة وتاريخيّة تحتاج إلى بحوثٍ عميقة وجادّة، يكفي أن يضع له أحدهم أو إحداهنّ مكروفونا ليفقد رشده، واللّص السّابق الذي يهجو "العصابة"، والسياسيّ الذي يغيّر أسماء من يعبدهم ويبقي على محتوى خطبته، و (هجّاء العصابة مكرّر) الذي كان يقول إن الله أرسل لنا "غول" ليشقّ الطّرقات وكنّا قبله تائهين، والمواطن العاديّ الذي يعرف كلّ شيء و لا يتهيّب أبداً أمام أيّة معادلة، وحتى الطلبة الذين يعجزون في الامتحانات أصبحوا يتظاهرون ضدّ الأسئلة.
يسكنُ الجزائري المنفوخ من روحٍ ثوريّةٍ"عارفٌ" يمنعه من قول "لا أدري" وهذا مرض وطنيّ قد يطول علاجه، فلا تعجبن إذا انتقل "عالمٌ" من اختراع السّاعة الكونيّة إلى قهر فيروس كورونا، وتحوّل دون مقدمات من علم الفلك إلى علوم البيولوجيا.
ملاحظة
يزدهر "عارف كلّ شيء" في المجتمعات التي تعادي العلم والمعرفة.
سليم بوفنداسة