كشف الوباء عن حالة مغفلة لضياع الإنسان الجزائري في الشارع والمقهى، فنسبة كبيرة من الجموع التي تراها يوميا في مدننا الكبرى في الشوارع لا تعبر وإنما تعيش، وكذلك الشأن في المقاهي العامرة، فالنّاس لا يشربون القهوة وينصرفون ولكنّهم يعيشون هناك، إلى درجة أنّهم ألفوا المكان وألفهم وبات «فطامهم» أمراً شاقاً.
لذلك فإنّه من الضروريّ أن تجري بعد الوباء (إن استمرت الحياة بعده) دراسات من قبيل: ما الذي يفعله النّاس في الشّارع والمقهى؟ وأين يقضي الجزائريّ وقته؟
لنقف على حجم الوقت الضائع والطاقات المهدورة وعلى خلل ظاهر في منظومتنا الاجتماعيّة والاقتصاديّة جعل فئة قليلة تعمل لتعيل الأغلبيّة من السكّان الذين يصرفون أعمارهم بين المقاهي والشوارع.
وحين يكون «الضّائعون» من «الفئة النشيطة» فإن الأمر يطرح مشكلة حقيقيّة، يجب الانتباه إليها، عند رسم السيّاسات وعند «توزيع الثـروة»، كي لا تتحوّل البطالة إلى امتياز يحصّل بموجبه العاطل «رفاهيّة» بدون مقابل.
ومثلما يجب استيعاب الواقفين في الشوارع والجالسين في المقاهي في النشاط الاقتصادي، يجب التفكير في إعادة تعريف التسليّة والترفيه ومراعاة ذلك في بناء مدن المستقبل وإطلاق «حملات تسفيه» لظواهر الجلوس في الشوارع و إثارة الصّخب وعرقلة سير البشر والمراكب والتحديق في النساء!
يجب تعليم المواطنين بأنّ الرصيف ليس مكاناً للتسليّة أو لبيع الأعشاب و الأواني والجوارب والفاكهة، ويجب قبل ذلك وبعده أن تقوم الدولة بتعريف الفضاء العام وضبطه وتطبيق القانون على ناهبيه، فترك الفضاء لشاغليه سينتهي إلى خراب العمران، ويشكّل رفض الامتثال لدعوات عدم التجمّع وإخلاء الشوارع والإصرار على البقاء في الفضاءات رغم خطر الوباء، الحدّ الذي بلغته فئة «انتحارية» من العناد بسبب غياب الضبط والردع وتطبيق القوانين التي تطبّق في كلّ مدن العالم.
و مثلما يدربنا الوباء على النظافة لا بدّ أن نستغلّه في تغيير الكثير من العادات السيئة فردياً وجماعياً، للحفاظ على الصّحة ونقاء المحيط وسلامة البيئة التي نخرّبها بسلوكات صغيرة كإلقاء القنينات والعبوات والمواد البلاستيكية، لأنّ «المدنيّة» تعني أن تكون إيجابياً وغير مؤذٍ في محيطك ولا تتوقّف عند هتافٍ في الشارع.
سليم بوفنداسة