يسابقُ الساسةُ الموتَ ويحاولون مقاسمته البطولة في هذا الظرف العاصف من تاريخ البشريّة، بالأناقة ذاتها والأصابع التي تتوعّد العدوّ المجهول والخطب المطمئنة، فيما يُسابق العلماء الموت ذاته في مختبراتهم بحثاً عن العقّار المناسب لإسكات نفس العدوّ، لكن بصخبٍ أقلّ.
يقرأ السّاسة الموتَ كفرصةٍ أخرى لتعزيز سلطاتهم، لذلك يبدو ترامب وكأنّه في حملة لقهر خصومه، ويظهر بوتين كمصارع في تمام الاستعداد لخطف الميداليّة، أما ماكرون فيقدّم سرده البديع للعالم الموبوء بفصاحةٍ لا تعبأ بالكارثة، و وحدهم الصينيون سحروا العالم الذي يبدو اليوم جاهزاً لتقبّل قيادتهم.
أما الموتى فإنهم يواصلون التساقط في أرقامٍ باردةٍ، بلا مجد أو جنازات، في وقتٍ بدأ الأحياء فيه يقتنعون بأنهم مجرّد مشاريع جثثٍ.
الآن، وقد فات الأوان، وجب الاستماع إلى الأصوات العاقلة التي كانت ترفض التسابق المجنون نحو امتلاك أدوات الفناء على حساب صحّة سكان الكوكب وتعليمهم ورفاهيتهم، الأصوات التي كانت ترفض الحروب وتدمير الطبيعة و لم تكن تُسمع في صخب العالم.
وحتى وإن فات الأوان فإنّنا أمام حتميّة «مقاومة» صنّاع القرار الذين يقودون البشريّة إلى هلاكها بسياساتهم الإجراميّة، بابتداع أساليب قيادة جديدة يُصغى فيها للعلماء والمفكرين ويعاد ترتيب الأولويات.
لقد تعب الفلاسفة و المفكرون في نقد سياسات أقوياء العالم الخرقاء، دون أن يكون لذلك أثر في الواقع بعدما صنع السوق «النماذج» التي يستمع إليها النّاس والنماذج التي يحبّها النّاس، بل وحتى «الماكيتات» الجاهزة للتقمّص، بعدما سخّر «فقهاء الخديعة» العلوم في مشاريع التسويق، و أصبح الإنسان ذاته بضاعة في هذا السوبرماركت الكوني المفتوح.
وربما تُلخّص تغريدة غاضبة منسوبة إلى باحثة اسبانيّة في علم الأحياء الأمر كلّه بل وتمثّل صرخة في وجه عالم يسيء تقييم المجتهدين:» اذهبوا إلى رونالدو ليجد لكم العلاج»!
فاللاعب يتقاضى مليون أورو شهرياً دون احتساب مداخيل الإشهار و مداخيل صورته، فيما تتقاضى الباحثة في البيولوجيا 1300 أورو.
ومثلما كان انتشار «كورونا» فرصة للرّاغبين في السطو على المستقبل لاستعراض مهاراتهم، فإنّه مناسبة للبشريّة للتخلّص من الإرث المشؤوم الذي راكمه المجانين والحمقى طيلة قرونٍ وعدم الإصغاء لهم مجدّداً، إن كان هناك وقت للإصغاء بعد هذه الجائحة.